بن زيدون في دمشق
تذهب دمشق الى غرناطة, وتزهر غرناطة في دمشق نهاية الاسبوع القادم عندما تلقى أشعار ابن زيدون شاعر الحب وابن عربي شاعر التصوف والعشق الالهي في اسبانيا في بوح حب يتجدد بين الثقافتين العربية والاسبانية.
باعتبار ان دمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008 فقد تقرر ان يكون هناك نشاط للاحتفالية للتأكيد على البعد العربي والاسلامي لمدينة دمشق وعلاقتها الوثيقة بحضارة الاندلس واظهار غرناطة العاصمة الثانية والشقيقة لدمشق تاريخيا وثقافيا وان الذهاب اليها لسماع الموسيقا العربية والشعر العربي تأكيد للرابط الوثيق في هذا الاتجاه.‏‏
ويتضمن النشاط حفلا موسيقيا للمغنية والعازفة السورية وعد ابو حسون التي ستنشد اشعارا في ولادة بنت المستكفي التي عشقها ابن زيدون.‏‏
بينما تنشد مغنية اسبانية اشعارا لابن عربي.. شاعر التصوف والحب الالهي الذي سبق في شعره حوار الحضارات الذي اطلقته اسبانيا مؤخرا في العالم.‏‏
لقد اثمر تفاعل الثقافتين العربية والاسبانية عن تفتح زهور ابداعية فكرا وادبا وفنا كان ولا يزال مجلبة نفع لكلا الجانبين على مدى العصور ولاسيما ان العلاقة بين العرب واسبانيا قديمة قدم التاريخ.‏‏
فقد وصل الفينيقيون الى شواطئ الأندلس قبل الميلاد وقبل اليونان والرومان بزمن طويل واسسوا فيها مدنا كما هي الحال في بلاد الشام.. ومن اهم هذه المدن قرطاجنة وقاديش وايبيسا وطرطوسا..واستمر هذا التواصل عبر الازمنة اللاحقة حتى دخل المسلمون اليها بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير ثم الامير الشاب عبد الرحمن الاول الاموي الملك الملقب بالداخل وصقر قريش حيث وصل إليها بعد انتصار العباسيين في بلاد الشام واسس خلافة قرطبة فيها ما انبت ميراثا مشتركا ذا نكهة خاصة من المعارف والثقافة انفردت به بلاد الشام والاندلس.‏‏
وشملت الحضارة التي اقامها العرب انذاك كامل شبه الجزيرة الايبيرية تقريبا بما في ذلك البرتغال واطلقوا عليها اسم الاندلس وكانت هذه الحضارة متقدمة في كل شيء فبنوا القصور الجميلة والواسعة والجوامع المتميزة بعمارتها والحدائق الغناء والقلاع التي مازالت حتى يومنا هذا شاهدة على عظمة تلك الحقبة.‏‏
وقد احتوى المعجم الجغرافي الاندلسي على اسماء كثيرة ذات أصل عربي مثل كلمة مدن القنطرة المدور مدينة سالم وادي الحرج الوادي الكبير وجبال وقمم مثل قمة جبل ام الحسن.‏‏
وازدهر الادب من شعر ونثر في الاندلس وتفوق الاندلسيون في بعض مجالاته كالزجل والموشحات لما لهذه البقعة من الارض من جمال أخاذ أغرم به بعض الشعراء والادباء مثل ابن زيدون وابن هاني وابن خفاجة ولسان الدين بن الخطيب وابن حمديس الصقلي حيث كان هم خلفاء الاندلس وامراءها مضاهاة للعباسيين ومنافستهم في كل شيء.. ومن مظاهر التقليد انهم كانوا يسمون مدنهم وشعراءهم وخلفاءهم باسماء مدن الشرق وشعرائه وخلفائه فيدعون غرناطة دمشق واشبيلية حمص ويلقبون ابا غالب الاندلسي بابي تمام وابن زيدون بالبحتري وابن هاني بالمتنبي ونرى بين امراء الطوائف الرشيد والمأمون والمتوكل وغيرهم..‏‏
ومن الجدير ذكره ان العرب في بلاد الشام اعطوا اسبانيا أحلى واجمل ازهارهم ألا وهي الوردة الدمشقية.‏‏
وقدمت بلاد الاندلس رجالها ومجد اسمائها المشهورين مثل ابن مسرة وابن حزم والادريسي وابن رشد شعرا عربيا اندلسيا ادهش الناس بجماله ورقته.‏‏
وانشئت في الاندلس معاهد للعلم ويروى عن الحاكم المستنصر بالله انه اسس في قرطبة وحدها سبعا وعشرين مدرسة واهتم الامراء باقتناء الكتب وارسلوا البعثات لابتياع النفيس منها حتى جمعت الخزانة الملكية في قرطبة نحو اربعمئة الف مجلد وكانت اهم مدن الاشعاع الثقافي في بلاد الاندلس قرطبة, اشبيليا, غرناطة, وطليطلة.‏‏
ويجب ألا ننسى أيضاً زرياب طالما اننا في الحديث عن تلك الحقبة من الزمن ذلك المغني تلميذ اسحق الموصلي واثره الكبير في فن الغناء والموسيقا.‏‏
واستمرت العلاقة بين سورية واسبانيا حتى وقتنا هذا وتوطدت أواصر التواصل وتنامت بين البلدين فتم افتتاح المركز الثقافي الاسباني عام 1960 في مدينة دمشق والذي يعتبر من انشط المراكز الثقافية في المنطقة كما تقام سنويا العديد من النشاطات الثقافية والندوات والمعارض بمشاركة مفكرين وادباء وفنانين من كلا الجانبين مثل ندوات ابن عربي وابن حزم الاندلسي وابن رشد وأخرى عن العولمة والحداثة بمشاركة مفكرين وباحثين من اسبانيا وسورية وغيرهما.‏‏
وتجدر الاشارة الى انه تمت ترجمة العديد من الروايات الاسبانية في سورية وتم نشرها مترجمة عن الاسبانية مثل دون كيشوت لثربانتس وزنوبيا الكبرى لكالدرون دلاباركا والمخطوط القرحزي والوله التركي لانطونيو غلا وطريق القلب لفرناندوسانتشث دراغو وعلي باي العباس لرامون مايراتا .‏‏
واخيرا وليس اخرا فان الثقافة العربية في تاريخها الطويل كانت منفتحة على الدوام وفي تفاعل دائم مع الثقافات الأخرى أخذاً وعطاء وان الثقافتين العربية والاسبانية جلبتا النفع العظيم لكليهما لان الحوار الثقافي الحضاري احد اهم مبادئ العلمية الثقافية التي تعمل سورية على انتاجها وتطمح بعمل دؤوب لتوسيع هذا الحوار لتتفتح مئات الزهور الابداعية التي من تنوعها..عطرا ولونا ومن تعايشها فكرا وادبا وفنا ومن تبادلها تجارب ومفاهيم تغتني بها الدوحة الثقافية..ريا ونماء وازدهاراً وثماراً‏‏
2008-01-27 09:26
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي