إبادة غزة: فقه الواقع، ثقافة الوعي! (4)
مصطفى إنشاصي
حديثنا موصول عن أن خطة فك الارتباط مع غزة هدفها فك الارتباط بين غزة والضفة لا بين غزة و(إسرائيل) التي بعد مرور تسعة عشرة سنة على تنفيذها ونعيش الآن فصلها الأخير، إنهاء الوحدة السياسية بين الضفة الغربية وغزة، وإلغاء الكيان السياسي الفلسطيني المعترف به دولياً (منظمة التحرير الفلسطينية)، وإنهاء قضية اللاجئين ... بلغنا هذا المبلغ الخطير ومازالت حماس لم تحاول تدارك ما يمكن تتداركه، وهي لم تفعل شيء ضد ما حذرنا منه في الحلقة الماضية وهذه الحلقة.

فتح معبر رفح أو إنشاء ميناء أو مطار يعني تمزيق وحدتنا السياسية
لقد نجح العدو فيما فشل به مع الراحل ياسر عرفات عام 2004 على الرغم من كل الضغوط التي مارسها عليه لفصل التعرفة الجمركية لغزة عن التعرفة الجمركية للضفة ورفض ذلك بشدة إدراكاً منه بهدف العدو وهو: القضاء على الوحدة السياسية بين الضفة الغربية وغزة، وبعد أسبوع من حدوث الانقسام سارع العدو إلي إلغاء الكود الجمركي لغزة بتاريخ 21/6/2007، وذلك في خطوة مهمة وخطيرة على خُطى تكريس الفصل بين غزة والضفة الغربية! وإجراءات أخرى اتخذها العدو كلها كتبت عنها مقالات في حينها محذراً من خطورتها على الوحدة السياسية والكيانية الفلسطينية، لكنك أسمعت لو ناديت حياً!
في الذكرى السنوية لأحداث غزة 2007 وجه محمود عباس دعوة لحماس للحوار وجاءت لأول مرة بدون شروط مسبقة ردت عليه حماس كالعادة بحملة تشكيك في صدق تلك الدعوة ودوافعها، وفي خط موازٍ بدأت لأول مرة بتحويل مقار السلطة في غزة إلى مقار لحماس وحكومتها! وبعد شهر أو أكثر وقعت اتفاق التهدئة بشروطها المجحفة مع العدو واعتبرتها انتصاراً. كما أن وزارة الاقتصاد في حكومة حماس اتخذت عدة قرارات لمنع الاستيراد من الضفة أو فرض ضرائب مرتفعة على منتجات الضفة وكأنها منتجات دولة أجنبية!
وأثناء حرب 2008 – 2009 شنت حماس ووسائل الإعلام والفضائيات الداعمة لها حملة شعواء ضد مصر لأنها ترفض فتح المعبر رد عليها الرئيس مبارك (بتاريخ 30-12-2008) في خطاب وضح فيه أسباب الموقف المصري: بأن الضفة وغزة أراضي محتلة. وأن مصر لن تساهم في تكريس الانقسام (بين حماس والسلطة الفلسطينية) بفتح معبر رفح. وشدد مبارك على أن مصر ترفض الانسياق وراء (المخطط الإسرائيلي) الرامي لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. ونشرت ذلك في الجزء الأول من مقالة طويلة على حلقتان بتاريخ 1/1/2009 بعنوان "فتح المعبر تصفية للقضية" أذكر فيها بمخطط العدو وأهدافه من خطة فك الارتباط مع غزة، وأضفت عساهم يتعلموا من غيرهم وشريكهم في محور المقاومة:
إذا كان الإخوة في حماس على الرغم من هذه الحرب المدمرة التي لو تعرضت لأقل منها أي ثورة أو أمة منقسمة فأنها كفيلة بإزالة جميع الخلافات وتوحيد الصف ولو مؤقتاً لمواجهتها، ولحماس مثل وقدوة للموقف الحكيم الذي تعامل فيه حزب الله مع الحكومة اللبنانية التي كانت تخطط مع جهات عربية وغربية لاجتثاثه من الوجود وكيف خفف من خطابه السياسي ضدها ونسق معها إلى أن تم توقيع قرار مجلس الأمن (1701)، الذي أمن به العدو جبهته الشمالية لفترة بتجميد المقاومة بلبنان نشاطها في الجنوب اللبناني!
والآن غزة تباد وحماس تأبى أن تفعل مثل حزب الله وترجع خطوة للوراء حفاظاً على ما تبقَ من أطلال في غزة، كما قال خالد مشعل في بودكاست عمار: "لن نقول ولو كنا نعرف" يقصد اعتذار حسن نصر الله للشعب اللبناني بعد حرب عام 2006 وقوله: لو كنا نعرف أن رد العدو سيكون بتلك الوحشية لم نخطف الجنديين! وكل تصريحاتهم تؤكد تشبثهم بحكم غزة، غير مبالين بمصير أهلها، إلى أن يحرروها من البحر إلى النهر كما قال خالد مشعل، ومحمد نزال. وإسماعيل هنية بعد فشل مفاوضات وقف إطلاق النار يقول والعدو عازم على اقتحامها في شهر رمضان: رمضان شهر الانتصارات! وأسامة حمدان الذي لا يكف عن التصريح على مدار ال 24 ساعة، على شريط أخبار الجزيرة 9/3/2024، يقول: إذا كان يظن نتنياهو بقتله المدنيين في غزة أننا سنتراجع عن شروطنا لوقف إطلاق النار فهو مخطئ! ما علاقة حماس بأهل غزة؟! حماس طوال تاريخها تهرب إلى الأمام لا تتوقف ولا تقيم تجربتها لتقوم الخطأ فيها، هي على صواب دائماً، وكل هزائمها ونكباتها لشعبنا انتصارات!

بقية الأخبار التي كتبت لهم عليها مقالات مذكراً بخطورة المطالبة بفتح معبر رفح مع مصر وغيرها على الوحدة السياسية للضفة الغربية وغزة:
* وزير صهيوني يطالب بالفصل المدني بين غزة والكيان، أي وقف إمداد غزة بالماء وغيره من المستلزمات ونقل المسئولية عنها لمصر. (عكاظ، 14/4/2009).
* وفي (هآرتس 7/6/2010( كتب المحلل السياسي الصهيوني (ألوف بن) مقالة بعنوان: "توصية صهيونية بإتمام الانفصال عن غزة بعد فضيحة الأسطول". التاريخ 12/6/2010 وقد كتبت مقالة مطولة مذكراً بمخاطر تلك التصريحات التي تهدف للفصل بين غزة والضفة سياسياً وتصفية القضية!
* وبتاريخ (23/6/2010) دعا وزير صهيوني رفيع المستوى وعضو في المجلس الوزاري الأمني المصغر لمراسل (إذاعة الجيش الإسرائيلي) "لفك الارتباط التام" عن غزة ونشر قوات دولية. وهذا أيضاً كتبت عنه مقالة مطولة!
* البرلمان الأوروبي يطالب بإنهاء حصار غزة الخميس (17/6/2010) "إن البرلمان الأوروبي مرر قراراً يطالب برفع فوري للحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر بما فيها ممر بحري، بأغلبية ساحقة بواقع 470 صوت مقابل اعتراض 56 صوتاً".
وبتاريخ: 26/6/2010 كتبت مقالة طويلة جمعت فيها أخبار أخرى حول المخطط نفسه ونشرتها محذراً من استمرار الانقسام وعدم إتمام المصالحة على مستقبل القضية الفلسطينية كله! وهكذا على مدار السنوات وهذه المقالات استمرار لنهجي التحذيري من عواقب الغفلة والجري وراء مصالح حزبية وشخصية!
أضف إلى ذلك ما أقدم عليه العدو في شهري شباط وآذار/2011 من إغلاق للمعابر مع غزة وآخرها معبر المنطار (كارني)، ودعوته إلى إنشاء منطقة بحرية في غزة مفتوحة تزود غزة باحتياجاتها!
والآن العدو يفرض سياسة التجويع على حوالي اثني مليون شردهم من منازلهم ودمرها ويمنع دخول المساعدات والمواد الغذائية لهم ليكرههم على الهجرة الطوعية أو القسرية، ويطالب بإنهاء عمل الانروا لتصفية قضية اللاجئين وشطبها من الوجود، وأمريكا ودول أخرى ممولة للانروا أوقفت دعمها المالي لها بعد مزاعم صهيونية أن موظفين في الانروا يتعاونون مع حماس! وأمريكا بدأت في إسقاط مواد إغاثية لشمال غزة في عملية استعراضية، وقررت إنشاء ميناء في غزة وبدأت برصيف عائم لاستقبال المساعدات متجاوزة الانروا كخطوة لإنهاء دور الانروا وتصفية قضية اللاجئين!
المصيبة أن حماس ترحب بأي خطوة ترى فيها وهم تمكنيها من غزة وانفصالها عن الضفة لا مبالية بعواقبها، تربط بينها وبين تصريحات العدو والغرب للقضاء على حماس ورفض مشاركتها في حكم غزة بعد انتهاء حرب إبادة غزة، لذلك هي لا ترى ولا تسمع عن الأهداف الحقيقية لأمريكا والعدو لإنشاء ميناء غزة، مثل: تشجيع هجرة أهل غزة وأن هناك ثلاثة دول مبدئياً موافقة على ذلك. عزم العدو والغرب على إفراغ شمال غزة لإنشاء قاعدة أمريكية أو تابعة لحلف الناتو كبيرة لتحمي:
النظام الإقليمي الجديد للمنطقة (الشرق الأوسط الجديد) ومركزه كيان العدو
حماية الدول المطبعة مع العدو
حماية الممر التجاري القادم من الهند وينتهِ عند ميناء غزة
حماية شركات الغاز التي ستسرق غازنا ونحن نتفرج
و... وهم لا يرون إلا من خرم الإبرة الحزبية وطموحاتهم الشخصية والغنائم المالية من وراء حكمهم غزة!
فهل فقه الواقع بعد 7 أكتوبر الذي وحد العدو الذي كان على شفا حرب أهلية وكل قوى الشر العالمية من وراءه، يقول أن نزيد من تعمق خلافاتنا الداخلية وحماس تزعم أنها غيرت ميثاقها لأجل التوافق الوطني الذي لا نرى له أثر في الواقع؟!
العدو عازم على القضاء على حقنا في دولة وحق تقرير المصير بتكريس فصل الضفة الغربية عن غزة ونحن نساعده في ذلك بالصراع والتنافس على التمثيل الفلسطيني، مَن سيكون الممثل للشعب الفلسطيني ولدينا منظمة التحرير ككيان سياسي معترف به، بغض النظر عن قناعتي أو عدم قناعتي بها، وحماس لا تريد الانضمام لها وإنهاء الانقسام إلا أن تكون هي قائدها؟!

القضاء على منظمة التحرير هدف مشترك
منظمة التحرير تمثل الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني، والمتآمرين للقضاء عليها لإلغاء وجودنا كشعب له الحق في التحرر من الاحتلال وعودة اللاجئين إلى ديار الآباء والأجداد وتقرير مصيرنا في دولة مستقلة؛ كُثر عالمياً وإقليمياً وفلسطينياً:
أكد كبير مفاوضي فتح مع حماس عزام الأحمد لكادر تونس: بأن إعفاء القطب البارز في الحركة فاروق القدومي من رئاسة الدائرة السياسية لمنظمة التحرير يعني بأن هذه الدائرة لم يعد لها وجود من الناحية العملية، مشيراً إلى أن العالم لم يعد يريد منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان ولم يعد يعتمد هذا الإطار. وأوضح الأحمد أن الرئيس محمود عباس قرر أن يتسلم بنفسه رئاسة الدائرة السياسية كي لا يقال بأنها انتهت تماماً معتبراً أن وزارة الخارجية الفلسطينية هي البديل والوريث الشرعي للدائرة السياسية في تونس.
قال الأحمد أن خطط الرئاسة الفلسطينية تضمنت الحفاظ شكلاً على طابع وهوية منظمة التحرير عبر السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج مطالباً كوادر المنظمة في الساحة التونسية بمعرفة الحقيقة والواقع؛ وهي أن العالم لم يعد يريد منظمة التحرير الفلسطينية. (عزام الأحمد لكادر تونس العالم لا يريد المنظمة وحركة فتح تعاني الإفلاس، القدس العربي، 2010-03-15)
وفي الوقت الذي خططت السلطة للحفاظ شكلاً على طابع وهوية منظمة التحرير استمعوا إلى ما ذكره الدكتور محمود الزهار خلال لقاء مع عدد من الصحافيين نظمه "بيت الصحافة" بغزة أن إسرائيل تجاول خلق بدائل من الشعب الفلسطيني لمنظمة التحرير، من خلال ما يسمى (روابط القرى) وتحدث عن فشلها، مشيراً إلى أن إسرائيل ركزت بعد ذلك على التعامل مع مسؤولي النقابات والاتحادات الفلسطينية.
وكشف أنه اُجبر على حضور اجتماع في ثمانينيات القرن الماضي مع شمعون بيرس، وكان وقتها وزيراً لخارجية إسرائيل، كونه أي الزهار كان وقتها يعمل رئيساً للجمعية الطبية في غزة. وقال إنه طلب من بيرس خلال ذلك اللقاء إن كان يريد الخروج من غزة وإخلاء المستوطنات، على أن ينسحب بعد ذلك من الضفة الغربية بعد ست شهور، أن تعلن إسرائيل صراحة عن هذا المخطط، على أن توضع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، في يد "جهة محايدة". وقال إنه اقترح أيضاً أن يختار الشعب الفلسطيني من يمثله "حتى لو كان من جنوب أفريقيا شرط أن يوافق عليهم الشعب الفلسطيني". (الزهار يكشف "سر لقاءه" مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، الحدث نيوز - اخبار فلسطين -التاريخ: 10-12-2013)!
ولا ينسى المتابعون كم مرة دعا خالد مشعل إلى إنشاء منظمة بديل عن منظمة التحرير؟! وعلى الرغم من كل ما يحدث لغزة وما قدمناه عن محاولات استغلال العدو والغرب حرب إبادة غزة لتصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية؛ يعلن إسماعيل هنية: نريد الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني بمهمات محددة ولفترة مؤقتة لحين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية!!!