لمن قد يتحسس من مقالتي يرسل لي أستثنيه من القائمة، واشهد الله أن أكتب لنشر الوعي وإخراج القضية من التعصب التنظيمي وأعادتها إلى مسارها الصحيح:
قضية دين وأمة وعلينت تهيىة الأمة للقيام بدورها وألا نكلف أهلنا غزة وفلسطين أكثر من طاقتهم،
وليس بيني وبين أي شخص أو تنظيم إلا مصلخة الدين والأمة، وأن تكرار التجارب السابقة والفاشلة إثم وضياع وقت على الأمة
نوهت لذلك من نفسي احتراما لمشاعر وأحاسيس أي أخ يتحسس من آراىي وأنا أعلم أنها حادة جظا، وحدتها على قظر شفافيتي وغيرتي على ديني وأمتي

إبادة غزة: فقه الواقع، ثقافة الوعي! (2)
مصطفى إنشاصي
الأصل في التكليف قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة: 286.
وفي حالات الحروب والتغيير خاصة القاعدة الشرعية تقول: جلب المنافع مقدم على درء المفاسد!
* رؤية الإسلام للقتال من خلال النفس البشرية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216).
وتلك الكراهة تجلت في غزوة بدر قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (الأنفال: 5-7).
ميل الصحابة إلى القافلة التجارية وكراهتهم القتال مع وعد الله لهم بالنصر {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} فرضه عليهم قسوة ظروفهم المعيشية والاقتصادية بعد أن هاجروا من مكة إلى المدينة وتركوا فيها كل ما يملكون، فكانت الرغبة في الغنيمة {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} أقرب إلى نفوسهم بالفطرة من ملاقاة جيش قريش (ذات الشوكة). غزة من سنوات أهلها يهجرونها وشبابها يغرقون في البحار البعيدة هرباً من جحيم الفقر وانعدام مقومات الحياة الكريمة بدون حرب فما بالنا بحرب ومع يهود ولا نعتبر من خمسة حروب سبقتها وعدة جولات أخرى؟! فإن كان الصحابة وهم صحابة كرهوا القتال وكانوا راغبين في غير ذات الشوكة بسبب ظروفهم وليس تهرباً من المواجهة والتضحية، فما بالنا بأهل غزة؟!
فالواجب يقتضي على القائد قبل اتخاذ قرار الحرب أن يُقدر ظروف أهل غزة القاسية التي أوصلها إليهم سوء إدارته لغزة وكثرة الضرائب التي يفرضها عليهم، وما لحقهم في الحروب السابقة التي كانت تنتهي إلى النتيجة نفسها، العودة للقاهرة للتوقيع على الموقع والتفاوض على المتفاوض عليه من سنوات ولم يلتزم به العدو ولا مرة، والأمر نفسه الآن شروط حماس العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر وكل ما حدث كأنه لم يحدث، ما دمت ستعود ليس بخفي حنين فقط بل وعشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى ودمار غزة كاملة لماذا أعلنت حربك العالمية، حرب التحرير؟!
لماذا لم يتذكر الدمار الذي لحق لبنان بعد اختطاف حزب الله جنديان يهوديان مما اضطر حسن نصر الله إلى الاعتذار للشعب اللبناني والقول: لو كنت أعرف أن رد العدو سيكون بهذه الوحشية ما كنا خطفناهما! وهما جنديان عملية تصغر جداً أمام ما حدث يوم 7 أكتوبر، وموسى أبو مرزوق يقول: لا أحد في العالم كله توقع أن يكون رد (إسرائيل) بهذه الوحشية ضد المدنيين، ومندهش من موقف الغرب الذي اصطف إلى جانب العدو؟! كيف تعلن حرب عالمية، كما سيأتي في خطاب محمد الضيف، وأنت تجهل ردة فعل عدوك، وما تشكل (إسرائيل) في الهجمة اليهودية – الغربية ضد الأمة والوطن؟!

تنوع أساليب القتال وتكتيكاته
القائد الذكي الواعي الذي يفهم فنون الحرب والقتال لا يجمد على أسلوب قتالي واحد، ولا ينتحر في معركة خاسرة ويقضي على جيشه، فما بالنا وهو يقضي أيضاً على أكثر من اثني مليون من شعبه ولا يستفيد من الخيارات التي شرعها الله؟1 نحن لا نحاسبه على نيته فالله أعلم بها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الأنفال: 15 - 16).
التولي يوم الزحف مصيره جهنم والعياذ بالله إلا إذا كان تغيير للتكتيك القتالي والخطة الميدانية أو لضعف في القوة يُشرع له الانسحاب والانضمام إلى قوة أخرى أو استعادة قوته إعادة الكرة، هذا الدرس نفهمه من دفاع النبي صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن قرار خالد بن الوليد الانسحاب حفاظاً على أرواح الجيش في وجه العاصفة التي واجهه بها بعض أهل المدينة الذين كانوا يريدون له الإبادة لا الانسحاب!
فما بالنا وغزة تُسحق عن وجه الأرض وتجاوز شهداءها وجرحها الـ 100 ألف، وتحصي قتلاها كل يوم بالمئات، وورقة القوة والضغط (الأسرى اليهود) التي ظنت حماس أنها سترغم العدو على القبول بشروطها تبين أنها ليست لا قيمة لها فقط، بل ويتعمد العدو قتل أسراه وبلغ عدد مَن قُتل منهم أكثر من 70 أسيراً؟!
وكم أعلن نتنياهو أن الأولوية عنده ليس تحرير أسراه إنما القضاء على حماس، وأنه لن يخرج من غزة التي أعاد احتلالها وسيعيد بناء المستوطنات فيها، وبدأ ينشئ فيها منطقة عازلة بطول حدودها من مصر إلى الأراضي المحتلة عام 1967 (45 كيلو متر) بعمق كيلو متر داخل غزة، وشق طريق عرضي يقسم غزة إلى قسمين شمالي وجنوبي. ذلك يفرض على أي قائد واعٍ وحريص على سلامة شعبه أن يدرك التغيرات التي حدثت على الأرض ويغير خطته أو يعدل شروطه في ضوءها. لكنهم ستة شهور وهم ثابتون على شروطهم!
ونتنياهو يفاخر أنه هو الذي منع قيام دولة فلسطينية؛ فهو الذي وقع اتفاق واي ريفر عام 1998 في أمريكا وتعهد أن يسلم أجزاء من المنطقة (ب و ج) للسلطة وما أن وطأت قدماه مطار بن غوريون أعلن في مؤتمر صحفي: أنه لن ينفذ الاتفاق! وعارض خطة شارون فك الارتباط مع غزة من طرف واحد، وكان نائبه وقتها، لأنه ضد إعادة أي شبر من الأرض للفلسطينيين، يعني هو يصحح ما يعتبره خطأ شارون بالخروج من غزة، ويرفض وقف إطلاق النار ويُفشل محاولة التوصل لأي اتفاق ليطيل زمن الحرب ليتمكن من إبادة أكبر عدد ممكن من أهل غزة وتدمير عمرانها، وغزة لم تعد صالحة للحياة، وأصبحت منطقة منكوبة. وحماس مازالت متمسكة بشروط المنتصر التي أعلنتها بداية الحرب وترفض تغييرها سواء مناورة أو حقيقة للحفاظ على ما تبقَ في غزة من أحياء وعمران! أين هم من فقه الواقع والمستجدات على الأرض؟!

حل الدولتين
وبعد 7 أكتوبر أصبح الجميع في (إسرائيل) مع استمرار الحرب حتى يتم القضاء على حماس، وضد قيام دولة فلسطينية، والاختلاف بينهم فقط على استعادة أسراهم، منهم مَن يوافق على إطلاق سراح عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل أسراهم، ونتنياهو وحلفاءه يرفضون ذلك، والإعلام المضلل يهول الأمر حتى يخيل للبسطاء أن اليهود اقتربوا من الحرب الأهلية بينهم، وهم اقتربوا منها فعلاً ولسوء تقدير الموقف من حماس كان 7 أكتوبر المنقذ لهم ليوحدهم ضدنا ونحن مازلنا ممزقين!
أين فقه الواقع؟! لم يكفِ خالد مشعل وإسماعيل هنية وحماس أنهم منذ أن أعلن رئيس وزراء العدو أيهود أولمرت عام 2008 أنه سيُعطي السلطة دولة أعلنوا للعالم أننا نقبل بدولة في الأراضي المحتلة عام 1967، وطوال 10 سنوات من تجاهل عرضهم عام 2017 قام خالد مشعل وحماس بدل أن يتراجعوا عن ذلك وغيروا ميثاق حماس من فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز لأحد أن يتنازل عن شبر منها، وثبتوا حماس تقبل بدولة في الأراضي المحتلة عام 1967!
وفي بودكاست عَمار بتاريخ 10/1/2024 يبرر مشعل ذلك التغيير للميثاق أن "الحركة بينت في وثيقتها السياسية عام 2017 أنه في سبيل تشكيل أرضية وبرنامج وطني مشترك مع القوى الفلسطينية ومع الموقف العربي نقبل بدولة على حدود عام 67 وعاصمتها القدس وباستقلالية كاملة ومع حق العودة دون الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني". وأشار إلى أن "هذا الموقف يأتي لتسهيل التوافق الفلسطيني والتوافق العربي في هذه المرحلة؛ لكن دون التخلي عن أي جزء من حقنا أو من أرضنا ودون الاعتراف بالكيان الغاصب".
وللعلم حماس عام 2001 اتفقت في مفاوضاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية أثناء انتفاضة الأقصى على الحل المرحلي الذي غير مشعل الميثاق من أجل التوافق معهم عليه، ومشعل نفسه رفضه؟! ويبقَ السؤال: لماذا تغيير الميثاق لتشكيل برنامج وطني مشترك وتسهيل التوافق الفلسطيني والعربي، ألا يكفِ قرار من المكتب السياسي لحماس بذلك؟! ثم أين هو تسهيل التوافق طوال 7 سنوات وبعد ستة شهور من إبادة غزة؟! لم نرى أي تقارب فلسطيني – فلسطيني جاد ومخلص ...
ونعود لفقه الواقع؛ جاءت موافقة حماس على دولة في الأراضي المحتلة عام 1967 مشروطة:
"وعاصمتها القدس وباستقلالية كاملة ومع حق العودة دون الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني".
"دون التخلي عن أي جزء من حقنا أو من أرضنا ودون الاعتراف بالكيان الغاصب".
هل فقه الواقع يقول: أن (إسرائيل) والغرب لم يُعطوا دولة في الأراضي المحتلة عام 1967 كان موعوداً بها ياسر عرفات و م. ت. ف الذي كان أقدر من حماس على تمريرها وأكثر ثقة عندهم منها، وتنازل عن 78% من فلسطين، واعترف بحق (إسرائيل) في الوجود، واعتبر الكفاح المسلح إرهاباً، واكتشف في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 أن الدولة هي: بقايا أرض من الضفة بدون القدس، منزوعة السلاح، غير متصلة جغرافيا، بلا سيادة لا على الأرض ولا الحدود، لا عودة للاجئين، ولأنه رفض وحاول العودة للثورة قتلوه مسموماً، فهل سيُعطوها لحماس وهي لم تتنازل عن شيء!
وكم كتبت أنني عام 1985 نصحت ياسر عرفات وجهاً لوجه بأن (إسرائيل) وأمريكا لن يُعطوك دولة وكفَ تضييع الوقت وارجع للثورة، والأمر نفسه نصحته لحماس عام 2005 وجهاً لوجه وكررته لهم لسنوات وللآن،
فهل فقه الواقع بعد ما تقدم يُجيز لإسماعيل هنية طوال ستة شهور وهو يكرر نقبل بحل الدولتين؟!