الغرب والإسلام
موقف الدول العدو (46)
مصطفى إنشاصي
وقد جاء في كلمة أندريه غروميكو رئيس وفد روسيا في الأمم المتحدة: "إن الدول الغربية قد أثبتت عجزها في الدفاع عن الحقوق الأولية للشعب اليهودي، وهذا ما يبرر طموح اليهود إلى إنشاء دولتهم بأنفسهم ومن غير العدل ألا يوافق على هذا الطموح أو أن ننكر حق الشعب اليهودي في تحقيق ما يصبوا إليه".
إنها الحرب الصليبية التي لا تنتهِ ضد الإسلام والمسلمين ومركزها اليوم فلسطين، والروح الصليبية كانت قائمة ولا تزال ولا يغير منها دعاة العلمانية والاشتراكية في وقتنا الراهن "وإذا ما راجع المرء محاضر جلسات الأمم المتحدة لعام 1948م غداة القرار بقيام دولة يهودية في فلسطين فإن التشابه المذهل بين لهجة غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتي والمندوب الأمريكي، والمندوب البريطاني والفرنسي يشكل تصديقاً للقبول الوطيد بأن القوم سواء في كراهة الإسلام والتعصب ضده لأمر يمت إلى تحدي الحق للباطل على امتداد الحياة الإنسانية. وبأن القوم مهما اختلفت كنائسهم وتوجهاتهم وصبغة دولهم فهم جميعاً ملتقون في معارك الإسلام".
أعلن القائد البريطاني أللنبي عند دخوله القدس عام 1918م انتهاء الحروب الصليبية. وقال القائد الفرنسي المتعجرف غورو وهو واضعا قدمه على قبر قبر صلاح الدين الأيوبي: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين". دون أن يراعي حرمة ميت أو يحترم إحسان وتسامح وخلق صلاح الدين في معاملته لأبناء جلدته من النصارى بعد أن تخلى عن إخوانهم في الدين، إلا أنها الروح الصليبية الحاقدة. كما أننا لا ننسى ما فعله قائد الجيش البريطاني "عندما دخل الخرطوم وحفر قبر المهدي وقطع رأسه وأرسلها إلى أحد عاهري بريطانيا مطفأة للسجائر. هذا ورغبته في هدم الكعبة وأخذ جثة رسولنا الكريم صلَ الله عليه وسلم لوضعها في متحف اللوفر في لندن". وتتجلى الروح الصليبية فيما قال مسيو جورج بيدو وزير خارجية فرنسا عن المعركة عن المعركة الدائرة في مراكش : "إنه لن يترك الهلال يتغلب على الصليب".
أما راندوف تشرشل حفيد السياسي البريطاني تشرشل الذي دفع السياسة البريطانية لإرساء دعائم الكيان اليهودي في فلسطين قال بعد سقوط القدس عام 1967: "لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود، لأن القدس خرجت من أيدي المسلمين ولن تعود إلى أيدي المسلمين في أي مفاوضات مقبلة بين اليهود والمسلمين". الكلمة نفسها سبق أن قالها البابا عام 1917 عندما سقطت القدس قي يد البريطانيين مع أن البابا كاثوليكي وتشرشل بروتستانتي.
إن كان ذلك ما قاله ذلك الصحفي البريطاني المغرور تشرشل فإننا نجد جان بول سارتر الفيلسوف الوجودي الفرنسي الجنسية الذي لا يقيم وزناً للمعتقدات الدينية وقيمها يخرج مظاهرات في باريس قبل حرب عام 1967 لجمع التبرعات للصهاينة حاملاً لافتات كتب عليها "قاتلوا المسلمين" ورافعاً بذلك شعار اليهود في بناء حضارتهم العبرانية". وقد تبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الغربية، محاربة الإسلام.
إنها ترسبات قرون من الصراع والعداء في اللاوعي الغربي والعداء الصارخ للإسلام في وعي الأوروبيين وشعورهم مفكرين وسياسيين وغيرهم من الذين يرون في الإسلام خطراً عليهم وأنه الجدار الوحيد الذي يمكنه الصمود أمام الاستعمار والهجمة الغربية، ويقول لورانس براون: "... ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وقدرته على التوسع والاخضاع وفي حيويته، أنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي".
ويعلن غلادستون رئيس وزراء بريطانيا الحقد الصليبي على القرآن الكريم في إحدى جلسات مجلس العموم البريطاني قائلا: "مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان". كما أننا نجد موقف روسيا الشيوعية لا يختلف عن موقف الغرب الصليبي فقد كتبت جريدة كازخستان الشيوعية عام 1952 في افنتتاحيتها إنه: "من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائيا".
كما أن سالازار ديكتاتور البرتغال يصرح عن خوفه من وحدة قيادة المسلمين فيقول في مؤتمر صحفي: "أخشى أن يخرج منهم المسلمون من يوجه خلافاتهم إلينا". هذا ويرى المستشرق جاردنر أن الخطر على أوروبا يكمن في الإسلام، فيقول: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا". أما هانوتو وزير خارجية فرنسا يرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة وذلك مكمن الخطر في نظره، فيقول: "لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تقوف كل دين آخر".
كما أننا نرى المبشرين أيضا دعاة السلام والمحبة يشتركون مع السياسيين والمفكرين والقادة العسكريين في عداءهم للإسلام لأنه القوة والجدار الصلب الذي يقف في وجه تنصير المسلمين، يقول أ.ل شاتيلة "وتقضي إرساليات التبشير لبناتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحفظ كيانها وتراثها إلا بعزلتها وانفرادها". ضيف المستر بلسن: أن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في أفريقيا والمسلم فقط هو اللدود لنا". أما وليام جيبور بلكراف يرى مثل غلادستون أن القرآن هو العقبة في طريق إدخال العرب والمسلمين إلى النصرانية، فيقول: "متى توارى القرآن والمدينة ومكة عن بلاد العرب يمكن حينئذ للعربي أن يتدرج في سبيل الحضارة التي لم تبعده عنها إلا محمد وكتابه".
وهكذا كانت فلسطين وأهلها ضحية المؤامرة الكبرى على الإسلام وكانا كبش الفداء عن الأمة الإسلامية والوطن الإسلامي. وهذه الحقيقة نهيب بالمسلمين أن يعوها اليوم أكثر من أي وقت مضى فقد أدركها كثير من المسلمين في الماضي ومنهم من صرخ في العرب والمسلمين محذراً من أن تصبح فلسطين أندلس ثانية منهم رشيد رضا إلا أنه ناديت لو أسمعت حياً، وقد كتب الداعية والمفكر الإسلامي الجزائري عبد الحميد بن باديس في الشهاب عام 1938م تحت عنوان فلسطين الشهيدة قائلاً: "تزاوج الاستعمار الإنجليزي الغاشم بالصهيونية الشرهة فأنجبا لقسم كبير من اليهود الطمع الأعمى، وقذف بهم على فلسطين الآمنة والرحاب المقدسة فأحالوها إلى جحيم لا يطاق وجرحوا قلب الإسلام والعرب حرجاً لا يندمل.
جاء الزواجان المشئومان الصهيونية والاستعمار الإنجليزي فكانا بلاء على فلسطين كلها عرباً ويهوداً، فليست الخصومة بين كل عرب فلسطين ويهودها، ولكن الخصومة بين الصهيونية والاستعمار الإنجليزي من جهة، والإسلام والعرب من جهة، والضحية فلسطين! والشهداء حماة القدس الشريف، والميدان رحاب المسجد الأقصى وكل مسلم مسئول أعظم المسئولية عند الله تعالى على كل ما يجري هناك. من أرواح تزهق، وصغار تيتم، ونساء ترمل، وأموال تهلك، وديار تخرب، وحرمات تنتهك، كما لو كان ذلك كله واقعاً بمكة أو المدينة، إن لم يعمل لرفع الظلم الفظيع بما استطاع".