صارح نفسك....انقدها....طوّرها.....إياك والغفلة

"إسباغ المكاره على القلب"
للكاتب: محمد أحمد بارحمه

(إذا كنتَ تريد النجاح؛ فثمنه الوحيد سنوات طويلة من الفكر والعرق والدموع ..! القصيبي)

من رحمة الله بك أن يرتطم قارب عمرك ببعض الصخور لتجدّّ وتجتهد في التجديف ..!

في الحج الماضي كنت مع أحد الأصدقاء الذين اقتسمت معه كل شيء من أيام المرحلة المتوسطة وهو من البقية الباقية الذين ما اقتلعتهم رياح الإرتخاء.. تناولنا العشاء وحدثني حديثاً خاصاً عن برنامجه الثقافي في شهر ذي الحجة.. ( ثمان ساعات ) يقضيها في القراءة والسماع والإطلاع ويَعدّه كالدوام الوظيفي !
ثمان ساعات لا أظنها مستساغه ومستلذة ، لكنه إسباغ المكاره على القلب..!

الملاكم الراحل محمد علي كلاي يحكي عن تجربته في إسباغ المكاره على قلبه :
(كنت أكره كل دقيقة في التدريب ، لكن كنت أقول لنفسي : تحمّل الآن، وعش بقية حياتك بطلاً ) .

أحتفظُ بورقة كتبتها مطلع العام 37هـ فيها قرابة (11) هدفاً من الأهداف الشخصية،
تعثرثُ في تحقيق 3 منها، وبالتفتيش عن الأسباب أجد ضمور (الجدية) وعدم إسباغ المكاره على القلب..! أحد الأسباب الرئيسة.

المُشاهِد للمحاضن _وحياة الشباب عموماً _ يجد أبرز آفة اجتاحتها حياتهم هي؛ (نقص الجدّية).

ولعل الواحد منا يشاهد أن الجلسات العامة وحتى الخاصة أصابها الترهل واجتاحتها قيم السوق والمادة، فصار حديث المجالس؛ الأفلام وأبرز المباريات والسفريات والمطاعم، وفي أحسن الأحوال مناقشات في قشور السياسة !
ثم نتعذر وننوح بعبء الإلتزامات وضيق الوقت..!

الوقت_لو صارحنا أنفسنا_ لعلمنا أنه ينساب من بين أصابعنا كالماء، ويحتاج لقبضة حديدية توقف هدره !
فالوسادة أصبحت مقوسة من كثرة النوم ، والجوال يُشحن مرتين في اليوم لفرط الإستهلاك..!!
والأيام في عدٍّ تنازلي سريع .

من صدف العام الفائت أنّ آخر كتاب قرأته (عظماء منسيون في العصر الحديث)..
القاسم المشترك بينهم على اختلاف أنماطهم هو؛ (التعب والجدية) ، سِيَرٌ يقف الواحد أمامها مشدوها فاغراً فاه..
برنامج مليء (بالمكاره) من مكافحة الإستعمار والتأليف والتعليم والتربية والمشاركة الإجتماعية والضرب في الأرض لمناصرة القضايا العربية والإسلامية .

تخْرج من هذا الكتاب وأمثاله بدرس بسيط نظرياً عسير عملياً :
"لن تتذوق النجاح مالم تُكابد المشاق وتلعق الصبِر.. فالنعيم لايُدرك بالنعيم".
ولو سألنا كم يوماً من 360 يوماً في عامنا المنصرم يستحق أن نسميه يوم الإعياء والتعب و( إسباغ المكاره على القلب) ؟
لماخرجنا بالعدّ_ربما_عن أصابع اليد الواحدة !!

هناك صورة بلاغية تغريني للأديب محمد الراشد يقول في إحداها :
(لن يذوق المسلم حلاوة (الحياة) مالم ترتجف يده انهاكاً إذا رفع قدح الماء إلى فمه يريد أن يرتشف ، ولا يحق له أن يظن أنه (مشارك) مالم ينم جالساً يغلبه الإعياء )..!!
_الله يستعملنا في مراضيه _

من فترة ونظرية (غادر منطقة الراحة) تعبث برأسي..
وهي تعني خوض تجارب جديدة وشاقة على النفس، ومثلها في التراث مقولة التابعي إبراهيم الخواص : ما هالني شيء إلا ركبته !

تعلمتُ السباحة في العام الماضي ومررت بالتعب النفسي الذي يسبق دخول الماء.. وكمية اللترات والجوالين التي تجرعتها كرهاً ،
وبعد تعلم المهارة استفدت أن: كل ماتستصعبه بالمجاسرة؛ يغدوا من مُتَعِك..!

إلى جانب أهداف العام ضع هدفا سامياً سمه ( مشروع العام) واسقه من يومك،
فأفضل مؤشر على انتظام المسير نحو تحقيق أهداف العام هو (اليوم) بدقائقه وساعاته..
فالأشياء الصغيرة في(يومك).. تصنع الفرق الكبير .

يَحكِي المفكر عبدالوهاب المسيري عن تجربته في إسباغ المكاره على قلبه كي يتعلم اللغة الإنجليزية فقال :
"حبست نفسي في غرفة لمدة شهر كامل لا أسمع إلا الإذاعات المتحدثة بالإنجليزية ولا أقرأ سوى الجرائد والمجلات الإنجليزية، وعُدت بعد الفصل الدراسي الأول وقد تَمَلّكْتُ ناصيةَ اللغة بشكل أدهش أساتذتي! ".

وفي المدهش لابن الجوزي نصٌ مدهش يقول :
( شجر" المكـاره" يثمر المكارم...، والجِدّ جناح النجاة ) !!

معسكر الوقت_ياسادة_ الذي تسوده البطالة؛ يقود لمزبلة( الفناء) !
وبإسباغ المكاره على القلب_بِحَوْل الله وقوته وعونه_يُكتب لنا (الخلود) !
وعلى الله فليتوكل الطالبون .

محمد أحمد بارحمة
محرم1438هـ
مقال مميز