العلّامة المقرئ الفقيه الأديب الزاهد الشيخ شكري اللحفي
وُلد في حي القنوات بدمشق سنة 1920 م نشأ في كنف والديه ، وكان والده يعمل حذّاءً ، وكان متسامح في عمله ، وكانت والدته من آل الجزائري من الصالحات من أهل الشام ، وأصل أسرته من كلس- بطرف حلب .
نال الابتدائية والإعدادية سنة 1944 م حرة وبينهما سنة واحدة ، ثم نال الثانوية بعد أربع سنوات .

بدأ حفظ القرآن الكريم وهو في سن التاسعة ، عمل مع أخيه في دكان لبيع الصوف لمدة وجيزة ، ثم مال إلى تعلم أنواع الخط العربي لدى بعض الخطاطين ، ومنهم ممدوح الشريف ، وبعد مدة أصبح خطاطاً ماهراً وناجحاً ، وانتسب إلى الكلية العلمية الوطنية لتعليم الدروس والخط والرسم ، وعندما نجح بمسابقة انتقاء عُين معلماً في حلب ثم درعا بمدرسة الطائي، ثم انتقل إلى المدارس الابتدائية بدمشق .
وتزامناً مع ذلك طلب العلم على أيدي عددٍ من العلماء ، فأخذ الفقه الحنفي على الشيخ عبد الحميد كيوان ، وحضر في علوم النحو واللغة العربية على الشيخ محمد لطفي الفيومي في المدرسة الآجرية في العقيبة ولازم المجالس العامة للمحدث الأكبر الشيخ محمد بدر الدين الحسني ، وحضر مجالس الشيخ محمد المكي الكتاني ، والشيخ محمد الشريف اليعقوبي ، والشيخ محمد سعيد البرهاني ، والشيخ حسن حبنكة ، والملا رمضان البوطي .

عين معلماً في منطقة الأشرفية في الغوطة الغربية بدمشق ، إلى أن أصبح مديراً فيها ، وكثيراً ما كان يذهب سيراً على الأقدام إلى الأشرفية . كان مديراً ناجحاً ، خدوماً ، نظامياً ، ومتسامحاً ، كُرِّم من قبل وزارة التربية ، ثم ندب لمديرية التربية ، ومن ثم إلى وزارة التربية .

أجرى دورات لتعليم الخط للمعلمين والمعلمات والمديرين والمديرات في دمشق والمحافظات بعدما أصبح من أبرز الخطاطين في دمشق وكلف بكتابة لوحات بعض المساجد على الرخام ، ووهبه الله موهبة الرسم فأبدع به ، فهو رسام بارع تظن إذا رأيت رسمه أنه حقيقة .

لم نسمع في عصرنا هذا عن رجل أزهد منه ، كان ساخراً من الدنيا وزخرفها لا يأبه بها ولا يلقي لها بالا .

عندما تم تكريم قراء الشام عام 2006 في مسجد الشيخ عبد الكريم الرفاعي ، كان رحمه الله قد دخل المسجد وخرج منه وهو واضع يديه في جيبه حتى لايقبل أحدا" يديه وكانت هذه صفة من صفاته ، التواضع والزهد ، وقد تبرع بالجائزة كاملة التي كانت تصل قيمتها للنصف مليون ليرة ولم يأخذ منها ليرة واحدة ...
كان مع جزيل علمه ممن جمعوا بين الزهدين الباطن والظاهر يعيش في حجرة تحت أرض عمارة قسمها بستارة بين مبيته مع زوجته ومجلس لاستقبال ضيوفه ؟؟

{" ولقد أكرمني الله بزيارته في مضجعه هذا فلقد إصطحبني أحد تلامذته من الجزائر الشقيق الذي كان مريضاً عندي ... وشاهدت منزله هذا ولم أستغرب ذلك وقتها كونه مريض عادي وبدا أيضاً كذلك فلم ألاحظ مايدل على مكانته كغيره من العلماء المبجلين بمظاهرهم !!!! فأنا لم أسمع أو أعرف عنه شيئًا إلا عندما شاهدته في حفل تكريم القراء " }

والله إن أمره لعجيب .. ياسبحان الله ...!!!

وقد عرض عليه محبوه من تجار الشام المنازل المريحة فكان يجيبهم بأنه لم يبق من العمر ما يتسع لذلك ...!!!
كان صاحب تواضع وانكسار ووفاء كان يصر على أن يدور هو بسقاية الماء على الحاضرين في مجلس الذكر الذي هو شيخه بالرغم من تجاوزه التسعين من العمر ، وكان هذا شرطه لقبول المشيخة .

رحمه الله عندما كان يدخل إلى مسجد التوبه المبارك يأتي إليه الأخوة المسؤولين عن المسجد كي يجلسوه في صدر المسجد او مع إخوانه من المشايخ فيأبى إلا أن يجلس في مكان من أطراف المسجد ....

كان ذو خلق كريم ، ونفس سمحة ، ويد سخية ، متواضع أشد التواضع، لا كبر في نفسه ألبتة ، فهو الأب المحبب للجميع ، لا ينتقص قدر وقيمة عالم أوطالب علم . أحبه طلاب العلم حباً جماً لمعاملته الطيبة ، يتستر على الناس ، يحترم الزائر ويلبي حاجته رغم تعبه وألمه في بعض الأوقات ومهما طالت زيارته ، ويعاملهم بالمداراة والحكمة والموعظة الحسنة، ومن تواضعه أنه كان يخدم نفسه بنفسه ، ولا يحب تعب الآخرين حتى أولاده ، ولا يحب ترأس مجلس ما، ولا يطلب وظيفة ولا منصباً، بل كان يزهد بها حتى يُرشح ، فلقد عرض عليه منصب مدير معهد القراءات فأبى كرامة لشيخه ، وعرض عليه أن يكون مشرف خط في (مراكش) فاعتذر لكي لا يبعد عن أهله وأولاده . ولم يكن يبرز شيئاً من علمه في الزيارات ، وهو الفقيه الذي اشتهر بسعة اطلاعه ودقة معلوماته الفقهية .
توفي الشيخ اللحفي عن عمر ناهز 96 عامًا، في دمشق سنة 2015 في ثاني أيام عيد الفطر المبارك ، وهو كما قال عنه الشيخ عبد الرحمن الشاغوريّ رحمه الله :

حجّة الله على الخلق في أنّ الناس يستطيعون العيش في عصرنا مثل عيش الصحابة . لزهده ، وتركه تكاليف الحياة .
هناك أناس تعيش في ضجيج وتموت في ضجيج ، وهناك أناس تعيش في صمت وتموت في صمت لا يعلم بها إلا الله ومنهم شيخنا هذا .

رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
كتبها السيد عماد شيخ الارض
#علماء_الشام
#دمشق #سوريا #سير_الصالحين