واحد بألف
(من مجموعتي: وردة عند الغروب)

كانت الطريق في منعرج السوق مظلمة، والمدرِّس سارحٌ بخطوات تحاكي عرجها.
درب موحش بلا وحشة، الناس في غمرات سكرتهم بانطفاء جذوة الحرب، وهو منطوٍ على نفسه في أصيص من خيال جارح.
يلوح له عمره خندقًا ذا تجاويف، لا يدري كيف يقفز عنها دون أن تبتلعه إحداها، وبين الثبات على مهنته وضرورتها، واستبدالها بغيرها تتنازعه الآراء.
كلما أحاطت به أحمال اليأس، ذكر (إياس)، ذلك الطالب المجتهد بلباسه النظيف الرتيب من دون إسراف، الحريص على دروسه وتلقي العلم للعلم لا للدرجات وحدها.
- واحد بألف، كلما ذكرتُه عاودني التفاؤل، هناك دومًا مساحة للأمل، لمثله وإن قلّوا يجب أن أتابع، أن أكمل مسيرتي.
اخترق أذنيه صوت أشبه بالشجار، التفت ليرى ظهر بائع جوال يافع، يلاحق سيدة في الطريق وهي تنصرف بتذمر وضيق، لكنه لا يستجيب.
انتظر قليلًا قبل أن يتأكد من وجوب تدخله، فأقبل على الفتى ذي الأسمال البالية، وربت على ظهره.
- يا أخي... لا يصح هذا... إن لم يرغب أحدهم بالشراء منك فلا يجوز أن...
فغر فاه، وتوقفت الكلمة هناك، في أعلى حلقه، وخلال لحظة شعر بكبده ينضغط كأن يدًا تعتصره، ثم تتركه لينفجر كالبالون.
- إياس؟!!
- أستاذ!!
- ما... ماذا... ماذا تفعل؟
- هُجّرنا وفقدنا كلَّ شيء... كان لا بد أن أدع الدراسة لأعمل بعد اختفاء والدي.
كمن هوت على رأسه آجرة بزنة الأكوان جميعًا بدا الأستاذ، وكمخمور تحيط به سماديره تابع مسيره متمايلًا لا يلوي على شيء.