. . . بدايةً أقولُ وأؤكدُ أنني ما أنا إلا نقطةُ نورٍ في شعاعِ ضوءِ العظمةِ الكبرى والتفردِ الأوحدِ الذي يتحلى به أستاذُنا الدكتور أسعد علي . . . فإن أعجبكم مني شيءٌ فإنما هو لأني قد رشفتُ قطرةً من المنبعِ الأسعديِّ العظيم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
. . . أشكرُ بحرارةٍ مَنْ تفضَّلَ ونصحني بألا أقومَ بتلخيصِ محاضرتي ذاتِ العنوان ( دراسة في فكر العلاَّمة الدكتور أسعد علي ) ، وذلك بعد أن أشرتُ إلى أنني في هذهِ المحاضرةِ إنما أحاولُ أن أتعلَّقَ بالرداءِ الصوفيِ للعلامةِ الدكتور أسعد علي ، وأن أربط نفسي الضئيلةَ بوشيجةٍ من قلبِهِ الواسع .
. . . ولقد صدقَ ، إنَّ ما حاولتُ أن أقولَهُ هو أوسعُ بكثيرٍ مما قلتُه . . . فأنا أزعُمُ أنَّ تعلُّقي بأستاذي الدكتور أسعد علي لا يعادلُهُ أيُّ تعلق في هذا العالم ، فلقد زرعَ في نفسي بذاراً لا يكفيني العمرُ كلُّهُ لكي أجنيَ ثمارَها . . . من هنا فإن هذه المحاضرةَ إنما هي تلخيصُ تلخيصِ التلخيص . . . فكيف ألخِّصُ هذا إلى الأقل .
. . . إن المحاضرةَ برمَّتِها لا تعدو أن تكونَ قشَّةً في مهبِّ رياحِ الصوفيةِ العاتي ، وهي إنْ أخذتْ شيئاً من صوفيةِ العلَّامةِ الدكتور أسعد علي فلا تلتقطُ إلا كما تلتقطُ إبرةُ الخياطة قطرةً إن هيَ غُمِستْ بماءِ البحر . . . فكيفَ أُلخِّصُ هذه القطرة .
. . . لذلك أشكرُ بحرارةٍ من عفاني من مغبةِ التلخيص ؛ وكفاني مشقَّةَ التقطيرِ والتمحيص .
وأستميحكم عذراً في أن أنشرَ المحاضرةَ كلَّها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ العلَّامة الدكتور أسعد علي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. . . كان نابليون بونابرت كلما أراد أن يقدم محاضرة يقول :
. . . أنا ما صنعته والدتي فأنا أحد تماثيلها ، واليوم أنا أقول : أنا ما صنعته والدتي ووالدي والدكتور أسعد علي .
. . . هذه المحاضرة كان موعدها منذ أسبوع يوم الأحد قبل الماضي ، ثم تأجل الموعد إلى اليوم يوم الخميس ، حين كانت يوم الأحد كنت قد أعددت لها مقدمة ، واليوم الخميس عدلت المقدمة .
. . . فماذا كانت مقدمة يوم الأحد ، وما الفرق في الكلام عند أستاذي الدكتور أسعد علي بين الأحد والخميس .
. . . لو كان الدكتور أسعد علي هو الذي يتحدث الآن لقال اليوم يوم أحد وأنا أتحدث بالأحدّ . . . وسأتحدث إليكم الآن باسم الأحد الصمد .
. . . محاضرتي السابقة عن الدكتور أسعد علي كان عنوانها ( مفهوم الحب في فكر الدكتور أسعد علي ) وكانت منذ ثلاث سنوات ، وعندما كنا ننزل على الدرج بعد المحاضرة كان هناك شخص يتحدث بصوت عال .
. . . قال حرفيا :
. . . يا أخي شو هادا أنس تللو لسا نازل فينا أسعد علي أسعد علي ، يا سيدي هذا أنس تللو عاشق لأسعد علي يعني كل ما يقوله أسعد علي يحبه أنس تللو مهما كان نوع الكلام .
. . . أنا سمعت هذا الكلام وتظاهرت وقتها بعدم السمع ، ولم ألتفت إطلاقا ، لكن كلام الأخ الكريم هذا شحذ همتي وحفزني جدا وجعلني أفكر ، هل الأمر هكذا فعلا ، هل هو مجرد إعجاب بشخص ما يجعلنا ننساق وراء كلماته بهذا الشكل الكبير ، أم أنه هناك أمر آخر عقلي ونفسي وروحي ثابت .
. . . والآن هذا الشخص موجود بيننا وقد سلَّم علي بحرارة قبل الدخول إلى القاعة ، وفي هذه المحاضرة سوف أرد على هذا الكلام .
. . . أستاذنا الدكتور أسعد علي يصوم عن الكلام ويدخل في خلوة مدتها ثلاثة أيام جمعة وسبت وأحد ، وهذه الخلوة طبعا أنا لا يُؤذن لي أن أدخل في تفاصيلها ، فقط هي صوم وقد تكون صياما ، الصوم امتناع عن الكلام والصيام امتناع عن الطعام .
. . . هذه الخلوة اسمها ( رياضة زكريا ) . . . سيدنا زكريا حين طلب من رب العالمين غلاما وقال إنه قد وهن العظم منه ، وإن رأسه قد اشتعل شيبا ، وإن زوجته عاقر بشره الله بغلام اسمه يحيى ، وقال له آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا .
. . . من هنا كان أستاذنا الدكتور أسعد علي لا يكلم الناس أيام الجمعة والسبت والأحد إلا فيما ندر وإذا كان في الأمر نفع لعيال الله ، وفي كل يوم اثنين تكون عنده ولادة جديدة يحيى . . . يأتيه يحيى كل يوم اثنين . . . ومرة اضطر إلى التحدث يوم الأحد في مناقشة رسالة دكتوراة فقال : اليوم جاء يحيى مبكرا ، اليوم يحيى سبيعي .
. . . هذه كانت مقدمة يوم الأحد ، أما وقد تأجلت المحاضرة إلى يوم الخميس ، فاليوم قد اكتمل سيدنا يحيى ، لم يعد سبيعي ، بل لقد نضج تماما في بطن أمه .
. . . الدكتور أسعد علي يقول في قصيدة طويلة
الآن قد وصل الخطاب إليا وعرفت ما تعنيه يا زكريا
. . . وأعود بالذاكرة إلى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي .
. . . أعودُ إلى حيثُ كانَ الأستاذ الدكتور أسعد علي يدرِّسُنا علومَ الأدبِ والبلاغةِ في المدرجِ الأولِ في جامعة دمشق كلية الآداب . . . أعودُ لأذكرَ كيفَ كانَ يتميَّزُ عن سواه في عدةِ أمورٍ بل في كلِّ الأمور .
. . . كانَ يطلبُ منا أن نكتبَ حلْقةَ بحثٍ بعنوان ( من أنا ) . . . فنتساءلُ نحنُ الطلابَ ماذا تعني ( من أنا ) .
. . . فيقول : إنهم معتادونَ على أن يكتبوا عن أبي فراس الحمداني وعن الأخطل الصغير وعن نزار قباني . . . لكنهم ليسوا معتادينَ على اكتشافِ نفوسهم فلا يعرفونَ من هم .
. . . ثم أدركْنا أنَّ حلقةَ البحث ( من أنا ) هي مدخلٌ لمعرفةِ الذاتِ الإلهيةِ ومقرٌّ لسَبرِ النفسِ البشرية ومَوطِئٌ لطردِ وساوسِ الشياطين الجِنِّيةِ والإنسيَّة .
. . . لقد علَّمتنا حلْقةُ البحثِ ( من أنا ) أنْ نسبِرَ أغوارَ نفوسِنا ، وأنْ نَلِجَ إلى أعماقِ قلوبنا ، وأن نتأمَّلَ في معجزاتِ أدمغتِنا وعقولنا .
. . . أعودُ بالذاكرةِ إلى كلِّ لحظةٍ من لحظاتِ العمرِ الذي مضى .
. . . في عُمُرِ الإنسان ساعاتٌ هي العُمُر ، وفي حياة الأُمم لحظاتٌ هيَ الحياة .
كانت هذهِ الساعاتُ وهذه اللحظات ؛ لحظاتُ العمر هيَ تلكَ التي كُنَّا نقضيها مع أستاذِنا الكبير الدكتور أسعد علي .
. . . أول لقاء لنا مع الدكتور أسعد علي كان في المدرج الأول في جامعة دمشق كلية الآداب عام 1988 ، كان يطلق في كل عام جديد على مجموعة جديدة من الطلاب اسماً محددا ، وقد سمَّانا وقتها ( مدين ) . . . وقد بدأ كلامه قال لنا إن العصفور الحبيس في القفص لو تم إطلاقه فإن الجهد الذي كان يبذله داخل القفص يمكن أن يوصله إلى أقاصي الدنيا ، كذلك السمكة التي تحوم في الحوض المغلق لو أطلقناها لوصلت إلى أبعد البحار والمحيطات . . . وفي المحاضرة التالية طلب منا أن نعنون المحاضرة فجاءت عدة عناوين وكان عنواني أنا شخصيا ( الخروج من القفص ) .
. . . وأذكر أني عند نهاية المحاضرة اقتربت منه كما الجميع ، وبعد أيام رآني أتأمل نظراته وحركاته قال لي : أنت حاول أن ترفرف قليلا ، ومن وقتها وأنا أحاول أن أرفرف وما أزال أحاول .
. . . أنا شخصيا كنت في المراحل كلها أخشى النظر في عيون الناس ، وأرتجف كلما خاطبني أحد . . . كان أحيانا يطلب من بعض الطلاب أن يعتلوا المنصة لكي يقرؤوا أمراً ما من الكتاب ، وحين جاء دوري في الخروج إلى المنصة قرأت ما قرأت بسرعة وهممتُ أن أعود إلى مكاني ، فأشار لي الدكتور بيده وقال : لا ابق هنا ، نعم ما زلت حتى هذه اللحظة أذكر يده التي أشار بها إلي وعينيه اللتين كانتا تقدحان شرراً وتفيضان أمرا حازما ، وبقيت واقفا ساعة كاملة حتى نهاية المحاضرة ، ثم عرفت أنه كان هذا تدريبا لي .
. . . اليوم هذه المحاضرة لي هي المحاضرة السابعة والعشرين بعد المائة ، 127 مرة وأنا أحاول النظر إلى العيون في خوف ووجل شديد ، فأرجو أن تغفروا لي زلاتي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


. . . الدكتور أسعد علي الذي ينظر إليه ويتأمله بإمعان يشعر تماما أنه تصبو في روحِ هذا الإنسانِ الكبيرِ أماني الحياةِ الكريمةِ الحرة . . . في مُحَّياهُ جلالٌ نورانيٌ عميق ، وفي عينيهِ بريقٌ إيمانيٌ مهيب يتَّقِدُ كالكوكبِ الدُرِّي .
. . . الدكتور أسعد علي رجلٌ يَسُدُّ على محدِّثيهِ المنافذَ كلَّها بالعلمِ والفنِّ والمعرفة فيستسلمونَ لرأيِهِ السديد . . .
. . . إذا خاضَ ميدانَ السياسةِ فهو الفارسُ المغوار ، وإذا بحثَ في الأدبِ والتاريخِ رأيتَهُ كالبحرِ الزاخر ؛ كأنَّ مجموعةً من الشعراءِ قد تقمَّصوا في روحِهِ ولسانِه ، وإذا ما سَعِدتَ بمجلِسِهِ الأنيسِ شاهدتَ ملَكَاً بصورةِ إنسان ، وسمعتَ من أفانينِ رواياتِهِ السحرَ الحلال ، وخلتَ نفسكَ بين ندماءَ وسمَّارٍ وأعلام .
. . . الدكتور أسعد علي ترى في خصالِهِ ومحامدِهِ وفي خَلْقِهِ وخُلُقِهِ كلَّ الأنبياء وكلَّ الأولياء وكلَّ الصالحين ، ذلك أنه يجمع في شخصيته المتفردة في هذا الكون أبوَّة آدم وأمومةَ حواء عليهما السلام . . . فهو أبٌ وأم للجميع ، وقد لمستُ هذا بيدي ورأيته بعيني خلال ثلاث وثلاثين سنة .
. . . ومازال الدكتور أسعد علي أطال الله عمره وحفظه يكتب لنا التاريخ والأدب بصمت وهدوء .
. . . كل حركة لها معنى فإذا ما أشار إلينا . . .
. . . ما معنى هذه الحركة ، من يعرف .
. . . وعلى ذكر المدرج الأول أذكر أنه دخل مرة إلى طلاب جدد يلقونه للمرة الأولى ، طبعا أنا كنت أتابعه وأنتقل من محاضرة إلى أخرى ، فنظر إلينا مليَّاً ثم قال :
. . . أنا مروض جواميس فانتبهوا ، فضج الطلاب ( جواميس ) ؛ فتريث قليلا ، ثم قال :
. . . وأولى هذه الجواميس هي نفسي ، نفسي التي أدربها وتتعبني ؛ أغالبها فتغلبني ، نفسي التي أعاني كثيراً في محاولة تشذيبها وتهذيبها ، انظروا إلى الإمام البوصيري كيف كانت نفسه تتعبه ، وكيف كان يتعارك معها ؛ إذ يقول :
يا لائمي في الهوى العذري معذرة ً
مني إليك ولو أنصفتَ لم تلم

محضتني النصحَ لكن لستُ أسمعه
إن المحبَّ عن العذال في صمم

فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت
من جهلها بنذيير الشيب والهرم

من لي بردِّ جماح من غَوايَتها
كما يُردُّ جِماحُ الخيل باللُّجُم

فلا ترمِ بالمعاصي كسرَ شهوتِها
إنَّ الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النهِمِ

والنفسُ كالطفل إن تهملْه شبَّ على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن تُولّيَهُ
إن الهوى ما تولى يُصمِ أو يَصِمِ

كم حسَّنت لذةً للمرءِ قاتلةً
من حيث لم يدر أن السم في الدسم

أمرتكَ الخيرَ لكن ما ائتمرتَ به
وما استقمت فما قولي لك استقم

. . . ثم في المحاضرة التي تلتها دخل إلينا فقال :
أنتم غضبتم في المحاضرة الماضية لأني قلت لكم ( جواميس ) .
أنا أتمنى أن أكون من جوى الميس ؛ إن كلمة ميس هي نوع من النبات الراقي وتعني ( الإلهام ) ، والجوى هي ( ربات ) فجوى الميس تعني ( ربات الإلهام ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. . . في ليلة من الليالي وقف أستاذنا فجرا ينظر إلى دمشق ، واستمع إلى أذان الفجر من مآذنها العديدة ، فكتب قصيدة أذان الصبح في دمشق ، بدأها بقوله :
دمشق عاصمة للقلب مذ خفقا
فيها الأذان يريل الهم والقلقا
عشقته تتغنى فيه مئذنة
ليرتمي بصلاة الوصل من عشقا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. . . في المحاضرة السابقة التي كان عنوانها ( مفهوم الحب في فكر الدكتور أسعد علي ) بدأت بثلاثة أبيات من شعر الدكتور أسعد علي ، وهي عن الحب . . . يقول :
أحبك الحب لم يمزج بأوقات
يا من يريني صفات الحق بالذات
قد جئت في زمن لم يفهموك به
وكل جيل يحيل الفهم للآتي
ذكراك تبقى مع الأيام خالدة
وذكر غيرك يفنى بعد ساعاتِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. . . أعود الآن إلى ذلك الشخص الذي قال بأن حبي للدكتور أسعد علي وعشقي له هو الذي أوصلني إلى ما أنا عليه . . . وطبعاً هذه يسمونها ( شهادة مجروحة ) ، أن نشهد أو نتحدث عمن نحب هذه شهادة مجروحة ، ينبغي أن يتحدث من لا يعرف الشخص ، هذا الذي يسمونه إنسان محايد .

. . . نعم هذا صحيح يا سيدي ؛ أنا فعلا عاشق للدكتور أسعد علي ، وحين كنا في الجامعة ، كان الطلاب كلما يرونني في مكان يعرفون أن الدكتور أسعد علي هنا ، يستدلون على وجوده من خلال تحركاتي ، فأنا كنت لا أتحرك إلى مكان إلا إذا كان فيه الدكتور أسعد علي . . . حتى أني مرة سمعت أن هناك تبرعا للدم بزمرة نادرة وأن المريض بحاجة إليها بشكل ملح ، وكانت الزمرة زمرتي ، فتوجهت إلى المشفى وشاهدني هناك طالب من طلاب الجامعة فرفع حاجبيه ونظر إلي وقال : ها شو الدكتور أسعد علي هون .
لماذا أنا عاشق له لماذا . . . سأخبركم الآن .

. . . رجلٌ يذهب في كل يوم إلى شاطئ البحر ليجمع الأصداف ، وقد واظب على عمله عدة سنين ، وكان يلمعها ويحملها إلى المدينة ليبيعها ، وكان يعمل في كل يوم ربع ساعة أ ونصف ساعة ، وفي يوم أراد أن يجدَّ على نفسه ويتعبها لكي ينال ربحا أكبر ، فذهب قبل طلوع الشمس ، وبدأ يصول ويجول على كل أطراف الشاطئ ، وحين حل العصر كان قد جمع ثلاثة أكياس ، وحار كيف يجرها ويحملها لينقلها بعد أن نال منه التعب الكبير .
كل كيس يحتوي تقريبا على خمسة آلاف صدفة ، وكل صدفة ثمنها ألف ليرة سورية أي إن كل كيس يباع بخمسة ملايين ليرة والأكياس الثلاثة قيمتها خمسة عشر مليونا . . . كنزٌ ثمين ، هذا يوم عظيم من أيام عمره .

. . . وبينما هو يفكر في كيفية سحبها وحملها لمعت أمامه بين الرمال إحدى الأحجار الكريمة . . . فتبينها فإذا هي لؤلؤة ، تفحصها فوجد أنها ألماسة لونها أزرق غامق . . . طبعا الذين يعرفون بالمجوهرات والأحجار النفيسة يعلمون أن الألماسة هي أغلى أنواع الأحجار الكريمة ؛ وأنها كلما اشتد لون الزرقة فيها كلما كان ثمنها أعلى . . . وكانت هذه الألماسة تساوي في قيمتها مليارات الليرات السورية .
. . . حملها ونفخ عنها الرمل ومسحها بمنديله ووضعها في جيبه ورمى بالأكياس ولم يعد يبال بها .
. . . لقد رضخت نفسه لما رأى ما رأى ، وكفته هذه الألماسة عن الطمع بالأصداف العادية طول العمر . . . ولم يعد يخشى الفقر والعوز لا على نفسه ولا على أولاده من بعده .
هذا ما كان حالي عليه حين كنت أتوه وأتوه وأضيع بين الجميع حتى التقيت بالدكتور أسعد علي . . . نفضت يدي من كل شيء وتوجهت بقلبي وبعقلي إليه .
. . . هل تستاهل قطعة الألماس هذه أن يعشقها الإنسان . . . فكيف إن كان الأمر يتعلق بمنجم من الألماس . . . طبعا أنا هنا لا أتحدث عن الألماس الحقيقي كما قد يؤول كلامي البعض ، وإنما أقصد بالألماس الصفاء النفسي والنقاء الروحي واتقاد الفكر وتجدد العقل . . . إن هذا المنجم من الألماس هو بالنسبة لي كتب الدكتور أسعد علي ومؤلفاته التي تربو على الآلاف .
طبعا هذا هو نصف الجواب ، لماذا أنا عاشق للدكتور أسعد علي . . . أما النصف الثاني فسآخذه من رجل لم يعرف الدكتور أسعد علي مسبقا ولم يلقه في أي مكان ، وإنما جاءت المصادفة أن التقى به في إحدى المحاضرات .
وهو رجل شاعر عظيم وله قصيدة مشهورة تغنيها فيروز ويبدؤها بقوله :

قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب
شآم ما المجد ، أنت المجد لم يَغِبِ

إذا على بردى حَورٌ تأهّل بي
أحسست أعلامك اختالت على الشُّهُبِ

ويختمها بقوله :
شآمُ لفظُ الشآمِ اهتزَّ في خَلَدي
كما اهتزازُ غصونِ الأرزِ في الهُدُبِ

أنزلتُ حُبَّكِ في آهي فشدّدها
طَرِبْتُ آهاً فكُنْتِ المجدَ في طَرَبِي
هو الشاعر الكبير سعيد عقل .

. . . الأستاذ يوسف علي عافاه الله ورعاه شقيق الدكتور أسعد علي ألف كتابا سماه الزمن الحكاية أسعد على والحكاية ، ضمَّنه قطفا من شهادات الكبار ، فيه فصل عنوانه ( المحطات الأرقى والأنقى ) .
يقول في الصفحة / 153 / سأقتطع مقاطع من كلام الأستاذ سعيد عقل .
. . .
ــــــــ مقتطفات من تعليق الشاعر المفكر سعيد عقل على محاضرة ( الحرية في القرآن ) التي ألقاها الدكتور أسعد علي في بيروت ( المنبر الحر ــ نادي خريجي الجامعة الأمريكية ) كانون الأول 12 / 12 / 1996 م . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الشاعر الكبير سعيد عقل :
. . . أنا عمري 84 سنة ، أنا على المنبر منذ 65 سنة . . . أنا خبير كلمة .
كلما. . . ت الدكتور أسعد علي . . . وقد سمعت ما يماثلها مستوى في أوربا وفي الشرق . . . أنا زرت ثماني بلدان عربية . . . وسمعت وحاضرت في هذه الثمانية بلدان . . . ولكن المستوى . . . الضرب من الكلام الذي تكلم به الدكتور أسعد علي أُخذت به .
. . . تكلم عن الحرية . . . الدكتور أسعد علي تكلم من منظار رفيع وأنيق ومقنِع ، ويحبب الناس بالقرآن وبحرية القرآن .
. . . أنا أُعجبت بهذا المستوى ، وأُخذت به ووجدته جديداً علي .
. . . أنا قرأت القرآن ست عشرة مرة . . . الدكتور درسه ثلاثين سنة ، هذا أكثر مني بكثير .
أقول لكم :
ذُهلت. . . بالمنحى الذي تناول بهالحرية في القرآن ، إنه مستوى آثر . . . لا أكلمكم عن السحر الذي يتلاعب به وهو يكلمنا . . . كان حديثه سائغا بسيطا يراكم الأشياء ثم يفرزها . . . كان عنده طريقة في الكلام ولا أروع .
. . . كان الدكتور الليلة ساحرا . . . ساحراً في طريقة محاضرته وعظيما . . . وأُجلُّه عن السحر ، في الحقائق التي جاء بها ليشرح الحرية في القرآن .
الليلة . . . هذا الدكتور . . . الصديق الجديد . . . الذي أعرفه لأول مرة . . . كان في شكل محاضرته وفي روح محاضرته خلاقاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
. . . انتهى كلام الأستاذ الشاعر سعيد عقل .
. . . طبعا هذه شهادة من مئات بل آلاف الشهادات من العرب وحول العالم . . .
أرجو أن يكون الجواب قد وصل إلى الأستاذ الذي تساءل على الدرج .
يا سيدي من تربى على أصابع الدكتور أسعد علي وإشاراته وحركاته ، ومن نشق من عبير كلماته ، ومن تاه وساح وراء معانيه وذاق طعم عباراته . . . . لابد من أن يصيبه العشق الكبير ويعتمل في قلبه طول العمر .
. . . الأستاذ العظيم مهما كان عظيما فإن طلابه ومريديه ومستمعيه هم الذين يرفعونه إلى سدة المجد .
. . . كان يقول لنا : العلم ثلاثة أشبار . . .
. . . وكان يعلمنا كيف نبحث عن أمر ما في المكتبة ( التاءات الخمس ) .
ص / 263 / لن أبوح هنا الآن بعدد كتبه المنشورة في اللغة العربية وغير العربية ، أذكر أنه قال لنا منذ عشرين عاماً إن عدد كتبه المترجمة إلى اللغة الإنكليزية في أمريكا يتجاوز المائة ، والكتب العربية عددها يفوق هذا بكثير ، إنه يصل إلى الآلاف .
. . . الآن أنا أشعر فعلا أني وصلت إلى حال من أحوال الدكتور أسعد علي ، أنا أنظر إليكم الآن وأرى ما أرى . . . هذه الأعصاب المشدودة ، وهذه العيون البراقة وتلك القلوب المتوثبة المتحفزة هي التي تشد الكلام ، الآن عيونكم هي التي تتكلم ، أنا لا أقول شيئا من عندي .
أنا الآن أقلب في صفحات وجوهكم ، لذلك فإن كلاً منكم يجد خيطا بين نفسه وبين ما أقول ، وقد شعرت الآن تماماً من خلال ذكري وتذكري لمجالس الدكتور أسعد علي ؛ شعرت أنه قد وصل إلينا هذا التحفيز المثالي وتلك البركة العظيمة .
. . . الآن لو امتلكنا مصورة نفسية تصور ما في عقولكم وقلوبكم عن طريق هذه العيون لأثريتم المكتبة العربية بمؤلفات غنية جدا .
. . . وهذا يذكرني بكلام الدكتور أسعد علي حين قال إنه قد طاف الكثير من بلدان العالم ودرَّس في عدة جامعات عربية وغير عربية ووجد أن الطلاب العرب هم من أخصب طلاب الدنيا ، ولكن أين معلمو الزراعة الذين يستنبتون الثمار من البذار .
. . . الدكتور أسعد علي علَّمنا كيف ننطلق ، ودرَّبنا على الخروج من أقفاص نفوسنا الضيقة ، وكيف نحلق عاليا فوق المحيطات والبحار .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. . . أشكر إدارة المركز الثقافي المتمثلة بالسيدة رباب الأحمد Rabab Ahmad التي تنوء بعبقريتين اثنتين ؛ عبقرية أبيها المرحوم أحمد أسكندر وعبقريتها هي .
. . . كما أشكر مديرية الثقافة بدمشق المتمثلة بالسيدة نعيمه سليمان المديرة التي ترعى الثقافة الأصيلة حق الرعاية .
. . . كما أشكر أمانة دمشق للثوابت الوطنية التي أشرفت على هذه المحاضرة متمثلة بالدكتور فرحات الكسم Farhat Alkasem العالم المتنور والعارف .
. . . وأشكر الأستاذ الدكتور أسعد أحمد علي لما حباني به من علم وحكمة وأدب عبر رسائله ونصائحه .
. . . وأرجو لكم جميعا تفتحات الأنفس الزكية وغمرات البحر الصافية . . . وكما يقول :
غمرت مياه البحر قلبي لحظة ، فعشت حياة ألف ألف ربيع .
. . . ونهايةً أقول إن الشكر الأول والأخير هو لأستاذي الدكتور أسعد علي الذي مايزال يظللني بظلال تلك المظلة الأسعدية العظيمة ويتكرم علي بأن يهبني نفحات من روحه المقدسة .
أدامه الله وأمدَّه بظلال العظمة الإلهية الكبرى .