(الأسلوب هو رجلان)من إشكاليات التناص في نظرية نحو النص

التناص أحد الشروط أو المعايير التي بها يكون النصّ نصًّا،وقد أثيرت في نظرية نحو النص إشكالات تتعلق بالتناص،ولكننا نتحدّث عن إشكالين فحسب،وهما:

١_هل يحدث التناص على مستوى اللغة مثل حدوثه على مستوى الكلام؟.
٢_هل التناص شرط حتمي لا بد منه في كلّ نصّ؟.

أشار ميخائيل باختين إلى استحالة وجود تلفّظ مجرّد من التناص، و وفق ثنائية سوسير(اللغة والكلام) ينتسب التناص إلى الكلام (=الخطاب) لا إلى اللغة أو النظام،وإذّاك يقع ضمن مجال اختصاص عبر اللسانيات ولا يخصّ اللسانيات (انظر:المبدأ الحواري ميخائيل باختين،تودوروف:١٢٢)غير أنّ باختين يعود فيحتاط إلى إمكان وقوعه على مستوى النظام في حال تعلق التلفظ بالعلاقات الشكلية والنحوية كالإحالة والتوازي.

ويبدو أن سبب هذا الإشكال هو أنّ الحدود التي تفصل اللغة عن الكلام حدود هشّة،إذ لا يستقل أحدهما عن الآخر،وهما متداخلان أشدّ التداخل.

والحقّ أنّ التناص الذي يقع في مستوى النظام يتعلّق بالجانب البنائي للغة و لكن يظلّ تأثيره قويًّا على الصعيد الفني و الإعلامي للنص ،ومن أمثلة ذلك_لا على صعيد الحصر_ حين يتحدث سيبويه عن حذف ((الفعل في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل))(الكتاب:١ /٢٨٠) وأنّهم حذفوه(( لكثرة استعمالهم إياه في الكلام ولعلم المخاطب أنّه محمول على أمرٍ.....))(الكتاب:١ /٢٨٣) وبما أنّ كلام سيبويه لم ينحصر باللغة بل تجاوزه إلى أطراف الخطاب(المتكلم _المخاطب)فإنّ العلاقات التناصية تحاصر التلفظ على صعيدي النظام والخطاب،ومن هنا يكون التناص شرطًا لا بدّ منه لنصيّة النصّ مهما ضؤُل حجمه أو كثُر.

أمّا الاعتراض الذي سيواجه هذا الطرح،فيتعلق بالنصوص المستوية في جملة واحدة أو في ملفوظ واحد،إذ يكاد نحاة النص أن يجمعوا على إمكان مجيء النص من جملة يتيمة أو من كلمة واحدة يتوجه بها مرسل معين إلى مخاطب معين،و وجه الاعتراض هنا هو استحالة العثور على علاقات تناصية في هكذا ملافيظ مختزلة.

ولكن هذا الاعتراض سيزول بمجرد الاطلاع على استدراك نحاة النص في حديثهم عن نصيّة هذه الملافيظ،فهم جميعا يؤكدون على ضرورة ((استيعاب النص من خلال المتلقي على أساس بيانات النص والموقف والذاكرة))( انظر:مدخل إلى علم لغة النص،واور زنياك:15).

إنّ الإشارة الى قبول النص من المتلقي ليتطايق مع إشارة سيبويه السابقة الى(عِلْمِ المخاطَب)الذي يشارك بفعالية الكلام ويفرض وجوده على المتكلم،و فضلا عن ذلك فإن حديث سيبويه في الكتاب عن سنن العرب وإشاراته إلى(المجموعة الاجتماعة)أجلّ من أن يُذكر، وهو بهذا يكون قريبا من حديث باختين عن التناص وحتميّة عود كلّ خطاب بالضرورة على فاعلين اثنين أضعف الإيمان،ومن ثمَّ إلى(حوار محتمل)،وبهذا صار باستطاعتنا الحديث عن (أنّ الاسلوبَ رجلانِ)على أقل تقدير بين المتكلّم ومجموعته الاجتماعية(ينظر:١٢٤).

لا يتوقف مفهوم التناص في نظرية نحو النص و الحجاجيات عند علاقات النص بغيره من النصوص،ولا بعلاقات النص الداخليّة(تفسير النص بعضه بعضًا) فحسب،بل يتّسع ليشمل المنحى الحواري للغة،هذا المنحى الذي يعمل على تهديم الحواجز التي تفصل اللغة عن الكلام.



https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/D...84%D9%86%D8%B5