lady of heaven

تجاوزت تكاليف الفيلم الإيراني سيدة السماء، الخمسة عشر مليون دولار، قامت بإنتاجه شركة بريطانية ضخمة، بمشاركة عدد من كبار الممثلين البريطانيين.
تم عرض الفيلم في مهرجان كان وأعطي إحدى الجوائز، لتسهيل تسويقه على أنه عمل فني رفيع المستوى، وفي خضم المساومات النووية بين إيران (وشيطانها الأكبر)، قامت الولايات المتحدة منذ بداية هذا العام 2022 بعرضه في عدد من أضخم صالات العرض الأمريكية وسط حملة ترويج كبيرة، لتؤكد للمعممين الإيرانيين على وحدة الهدف والمصالح.
تبدأ أحداث الفيلم باقتحام مسلحين من تنظيم الدولة لأحد أحياء الموصل وقتل أحدهم لامرأة أمام ابنها دون سبب واضح، وقيام أحد منتسبي الحشد الشعبي الشيعي بأخذ الولد إلى بيته لتقوم أمه بتربية هذا الولد وتلقينه عقيدة الشيعة. فتقول له إن فاطمة ابنة النبي قتلها المسلمون، كما قتل هؤلاء المسلحون أمك، وتبدأ بسرد القصة على شكل عرض تمثيلي لتاريخ رسالة الإسلام (حسب وجهة نظر رافضة الفرس).
فقد أظهر الفيلم النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلياً بوجهين حسنين، بينما أظهر أم المؤمنين عائشة وباقي الصحابة بأقبح المناظر والوجوه، مع وصفهم المتكرر بأنهم خونة، مع مشاهد تنسب إليهم التآمر لقتل النبي، ومشاهد أخرى تظهرهم بمظهر الجبناء والمتخاذلين، ثم التركيز الشديد والمطول على مشاهد تروج بأن النبي قد أوصى بالخلافة لعلي.
أظهر الفيلم عائشة بمظهر المتحكم بأمور المسلمين، فقد طلبت من أبيها أن يؤم الناس في الصلاة حينما مرض النبي. ثم اتهمها بالتعاون مع أسامة بن زيد بإعطاء السم للنبي في مرضه الذي توفي فيه.
وبعد موت النبي يعرض الفيلم مشهداً لأبي بكر يرفض استلام كتاب من علي، يزعم أنه قد تفرد بتسجيل القرآن مع تفسيره في هذا الكتاب، ويقول له عندنا قرآن آخر، يتبع ذلك مشهد مطول لهجوم الصحابة جميعاً، يتقدمهم أبو بكر وعمر، على بيت علي وفاطمة وضرب فاطمة ضرباً مبرحاً أدى لوفاتها بعد بضعة أيام، ثم وصف حركة الردة بأنها ثورة مشروعة على الضريبة (الزكاة) التي فرضها عليهم أبو بكر.
لا أريد التعليق مطولاً، فكل مسلم وكل قارئ للتاريخ يعرف أن الفيلم ركام من الافتراءات والأكاذيب، ليس لها سند من تاريخ ولا منطق، يدعمها إخراج فني وتقنيات متطورة وإمكانات مادية وتسويقية هائلة، لكن لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط
فالفيلم يقدم عرضاً صادقاً وواضحاً لمعتقدات الرافضة، ويؤكد أن دينهم مختلف تماماً عن الإسلام، فهم يمتلكون كتابا آخر غير القرآن، ويتبعون شخصا أعلى مقاماً من النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، الذي أظهره الفيلم كشخصية ثانوية ضعيفة، تسير الأمور من حوله دون أن يدري، ولهم شريعة مختلفة لا تقر بالزكاة، ثاني أهم أركان الإسلام، التي وصفها الفيلم بأنها ضريبة فرضها أبو بكر على الناس.
والهدف من الفيلم إيصال رسالة إلى الجمهور الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً، مفادها أن العدو السني مشترك والهدف واحد.
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى احتواء الفيلم على تهم وافتراءات جديدة على أم المؤمنين عائشة والصحابة الكرام، لم تكن موجودة في منهج الرافضة من قبل.

وللتذكير فأن النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (الذين أظهرهم الفيلم كعصابة همجية لا تعرف سوى الفوضى والقتل)، هم من فتحوا العالم وقدموا أموالهم ودماءهم وأرواحهم في سبيل رسالة الإسلام، وهم من بنوا أعظم حضارة عرفتها الإنسانية. أما أسلاف الرافضة فقد عاشوا وتكاثروا في ظل الخلافة العباسية، كخلايا السرطان في جسد الأمة، وعندما سنحت لهم الفرصة في القرن الرابع، احتلوا بغداد ومصر وارتكبوا أفضع المجازر بحق المسلمين، ثم تعاونوا مع الصليبيين والتتار ثم أقاموا دولة على أنقاض مملكة هولاكو وجثث المسلمين، ولم يذكر التاريخ ولا الحاضر أبدا أنهم حاربوا الروم أو الصليبيين أو حالياً الأمريكان أو فتحوا شبراً من الأرض أو فعلوا خيرا للإنسانية. علماً أن تنظيم الدولة لم يستهدف إيران ولا عصاباتها بأي عملية .
وبما أنه لا حاجة لعرض الفيلم أمام جمهور إيران المشبع بهذه الأفكار، فقد أعلنت السلطات الإيرانية عن عدم رغبتها بعرضه في إيران، دون أن تبدي أي اعتراض على محتواه.

د. أحمد شفيق
أسعد الله أيامكم