في ذكرى إحراق الأقصى هم يبنون باطلهم ونحن نهدم حقنا...!!!
مصطفى إنشاصي
"كبير علماء الآثار في إسرائيل: لا دليل يثبت علاقة لليهود بمدينة القدس" لقد لقي هذا الخبر الذي نشرته صحيفة "جيروساليم ريبورت" الصهيونية بتاريخ 6/8/2011 اهتماماً كبيراً، حيث شكك عالم الآثار الصهيوني (إسرائيل فلنكشتاين) الذي يُعرف بأبي الآثار بوجود أي صلة لليهود بالقدس!
وأكد أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة بما في ذلك قصص الخروج والتيه في سيناء وانتصار يوشع بن نون على كنعان. كما شكك في قصة داود الشخصية التوراتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب معتقدات اليهود والذي سيأتي (المسيا) من صلبه للإشراف على بناء الهيكل الثالث، مؤكداً أن شخصية داود هو مجرد وهم وخيال لم يكن لها وجود حقيقي. كما شكك في وجود باني الهيكل (سليمان بن داود)، وأعلن أن قدس داود لم تكن أكثر من قرية فقيرة بائسة.
أما فيما يتعلق بـ(هيكل سليمان) فلا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنه كان موجوداً بالفعل.
ومن جانبه قال رافاييل جرينبرج -وهو محاضر بجامعة تل أبيب- إنه كان من المفترض أن تجد (إسرائيل) شيئا حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع غير أن (الإسرائيليين) في مدينة داود بحي سلوان بالقدس يقومون بالحفر دون توقف منذ عامين ولم يعثروا على شيء. واتفق البروفيسور يوني مزراحي –وهو عالم آثار مستقل عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية– مع رأى فنكلشتاين، وقال إن "إيلعاد لم تعثر حتى على لافتة مكتوب عليها: مرحبا بكم في قصر داود برغم أن الموقف كان محسوماً لديهم في ذلك الشأن كما لو أنهم يعتمدون على نصوص مقدسة لإرشادهم في عملهم".
إن ما قاله العلماء الصهاينة الثلاثة ليس جديداً فقد سبق أن قاله علماء آثار صهاينة. كما أن ما قاله فرانكشتاين يكاد يتطابق نصاً ومضموناً مع ما كتبه البروفيسور (زئيف هرتسوغ) عام 1999 في نقده لمزاعم اليهود عن التاريخ والحضارة والقوة و...إلخ التي يزعمون أنهم كانوا عليها في فلسطين قبل أن يتم تشريدهم منها وتشتيتهم في جميع بقاع الأرض! كما أنه يأتِ متطابقاً لما قام به علماء الآثار الغربيون منذ منتصف القرن التاسع عشر من حفريات وتنقيبات أثرية في كل شبر من جبال وأرض القدس للبحث عن قلعة اليبوسيين على ضوء ما أوردته التوراة، ولم يعثروا على قطعة أثرية واحدة أو أي دليل يشير لما زعمته التوراة عن (مدينة داود) و(هيكل) وسليمان، أو الوجود التاريخي والحضاري الأسطوري والمزعوم لليهود في فلسطين منذ فجر التاريخ! فعلى مدار (164 عاماً) قَدم لفلسطين (55 بعثة) بحثت ونقبت ولم تجد أثراً واحداً في القدس يدل على أحقية اليهود فيها!
ففي سنة 1869 إلى 1870 قام عالم الحفريات البريطاني الأُستاذ شارلز وارن بحفريات خارج السور الجنوبي الشرقي من المسجد الأقصى، وقام بعده بثلاثين عاماً العالم بلس والعالم الأمريكي ديكى بتنقيبات أُخرى في المكان نفسه، وبعد ثلاثين سنة أُخرى جدد مكلستر الحفر والتنقيب، وفي سنة 1960م قامت الآنسة كاثلين كيون باسم المدرسة البريطانية، وانضمت إليها المدارس الفرنسية والأمريكية بإعادة البحث والحفر والتنقيب في المكان الذي نقبت فيه البعثات السابقة، وبدأت الحفريات في السفح المنحدر من وادي سلوان إلى عين أم الدرج فظهر لها أن ما ظنته البعثات السابقة سور المدينة اليبوسية التي احتلها داود كان هو السور الروماني القائم على أسس يونانية لا تتجاوز القرن الثالث قبل الميلاد، كما عثرت على آبار وصهاريج تعود إلى المدينة الرومانية التي بناها هادريان سنة 135م باسم إيليا كابتولينا!
وأتمت الدكتورة كاثلين موسم حفرياتها الأول بنتائج عدم العثور على أي أثر لليهود، ثم في موسمها الثاني سنة 1962 ثبت لها أن أسوار القدس هدمت أربع مرات وأُعيد بناؤها أربع مرات أيضاً. وفي موسم البحث الذي كان في سنة 1964 خلصت كينيون إلى أن: المدينة اليبوسية المسماة (أورشليم) أو (يبوس) كانت في الشرق من أسوار المسجد الأقصى وعلى السفح إلى وادي قدرون، ولم تكن على جبل موريا حيث يقوم المسجد اليوم. وأكدت أن (هيكل) سليمان لم يكن تحت الحرم في جبل فريا، ولم يكن في الجزء الجنوبي الغربي منه، حيث يتم مخطط الحفريات (الإسرائيلية) منذ الستينيات من القرن العشرين"!
تلك النتائج التي أكدها علماء الآثار عن عدم صحة ما ذكرته التوراة من خرافات وأساطير عن (هيكل) سليمان، في خط زمني موازِ لها أيضاً أثبتت تحقيقات قانونية تاريخية بريطانية أيضاً عدم صحتها، ونفي أي حق لليهود في السور الغربي للمسجد الأقصى الذي يزعمون أنه (حائط المبكى). جاءت نتائج تقرير لجنة شو عام 1930 الذي قدمته بريطانيا إلى عصبة الأمم مُثبتاً للحق الإسلامي في حائط البراق الذي يسميه اليهود (حائط المبكى):
"فاللجنة تصرح في هذا المقام استناداً على التحقيق الذي أجرته بأن حق ملكية الحائط وحق التصرف به وما جاوره من الأماكن المبحوث عنها في هذا التقرير عائد للمسلمين، ذلك إن الحائط نفسه هو ملك المسلمين لكونه جزءاً لا يتجزأ من الحرم الشريف". كما أن "الرصيف الكائن عند الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، وأن أدوات العبادة أو غيرها التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط إما بالاستناد لأحكام هذا القرار أو الاتفاق بين الطرفين، ولا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر أو أن تكون من شأنها إنشاء حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له"!
ويبدو أن صدمة بعض علماء الآثار والمؤرخين والباحثين اليهود بعد أربعة عقود من التنقيب بأنفسهم في القدس وتحت المسجد الأقصى وعدم عثورهم على دليل أثري واحد يثبت أنه كان لهم وجود وتاريخ في القدس؛ جعلهم يخرجوا عن صمتهم ويكشفوا الحقيقة وزيف مزاعم توراتهم وتلمودهم عن (أسطورة الهيكل)! حيث أعلن في تموز/يوليو 1992 فريق من علماء الآثار العاملين في دائرة الآثار (الإسرائيلية) بطلان الادعاء بأن "داود التوراتي" هو الذي أنشأ القدس!
كما أن أشهر علماء الآثار في (إسرائيل) ويدعى (مائير بن دوف) قال عن الزوبعة الصهيونية حول أعمال الترميم في المسجد الأقصى: بأنها غير مبررة وإنها لأغرض سياسية. أكد عدم صحة ما يقال عن أن بقايا (الهيكل) موجودة أسفل الحرم القدسي، كما أكد أنه خلال مسيرة الحفريات والدراسات التي أجريت خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية تبين أنه لا يوجد (هيكل) أسفل الحرم "أي لا توجد بقايا من ذلك (الهيكل)". كما عاد وأكد (بن دوف) على ما قاله سابقاً عام 2009، عندما دعا سلطات الاحتلال الصهيوني لإعادة الحجر الأثري المسروق من المسجد الأقصى إلى مكانه، مشيراً إلى أنه هو من اكتشف ذلك الحجر قبل أكثر من 30 عاماً خلال عمليات حفر أجراها هناك. كما أنه كشف عن عمليات تدمير ممنهجة تنفذها سلطات الاحتلال الصهيوني للآثار الإسلامية التي تم اكتشافها في إطار الحفريات الجارية في محيط المسجد الأقصى المبارك.
كما أكد المؤرخ اليهودي (يهودا رايمان) "أنه لم يتم العثور على أي دليل أثري يمكن أن يكون أساساً للاعتقاد أن المسجد الأقصى قد أُقيم على أنقاض جبل (الهيكل)، بل إن رايمان يشكك في حقيقة أن يكون هناك أصلاً (هيكل) في المكان".
وفي عدد شباط/فبراير 2010 نشرت مجلة (التايمز الأمريكية) على لسان علماء آثار يهود صهاينة اعترفوا فيه أن نتيجة التنقيبات والحفريات التي أجراها كيان العدو الصهيوني فشل طوال سنوات الاحتلال في القدس وتحت المسجد الأقصى، في العثور على أي آثر أو دليل يثبت صحة وجود (الهيكل الأسطوري) في القدس، أو حتى يثبت أنه كان هناك وجود يهود في فلسطين أو القدس قديماً كما يصوره الفكر الصهيوني في الوقت الحاضر!
وعلى الرغم من كل ما تقدم إلا أن الكيان الصهيوني مستمر في عمليات استئصال التاريخ والجغرافية والواقع الفلسطيني واستبداله بأساطيرهم، كما يكشف الباحث (الإسرائيلي) المعروف (ميرون بنفنستي) في حديث له عن المشهد المقدسي لصحيفة هآرتس عام 2010 قائلاً: "في هذا المشهد الذي تكشف أمام ناظريهم، بحثوا عن بقايا لا تزال موجودة من حلمهم، ورويداً رويداً رسموا لأنفسهم خريطة جديدة، غطت المشهد المهدد، ولكن لم يكن هذا مجرد خريطة من الورق والأوهام، فقد أصروا على أن يصمموا الواقع، المشهد المادي، وفقاً لرؤياهم وأحلامهم، فقد حطموا المشهد الفلسطيني وبنوا مكانه مشهدهم الخاص، حيث تشكل الأسطورة العتيقة مبرراً وذريعة"!
كما سبق له أن أعلنه: أن الهدف من تلك الحفريات والإدعاءات الصهيونية عن (مدينة داود والهيكل) هو اغتصاب الأرض من أصحابها الأصليين وإسكان مغتصبين يهود جدد مكانهم، وتهويد المدينة المقدسة القضاء على المعالم التاريخية العربية والإسلامية، والوجود الفلسطيني فيها!! وذلك نفسه ما أكد عليه العلماء الثلاثة بداية هذا الشهر؛ بأن الهدف الرئيس من وراء أنشطة الحفريات هو دفع الفلسطينيين للخروج من المدينة المقدسة وتوسيع المستوطنات اليهودية فيها. فقد أكد رافاييل جرينبرج أن ما تقوم به (إسرائيل) من استخدام لعلم الآثار بشكل مخل يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في سلوان وتحويله إلى مكان يهودي. أما إريك مايرز أستاذ الدراسات اليهودية وعلم الآثار في جامعة (دوك) الأميركية فقد اعتبر ما تقوم به جمعية (إيلعاد) يعد نوعاً من السرقة!
وفي الوقت الذي فشل فيه علماء الآثار الصهاينة في العثور على أي دليل يثبت صحة دعواهم بعد ما يربو على أربعين عاماً من التنقيب تحت منطقة الحرم القدسي الشريف بحثاً، أنفقوا خلالها أكثر من 37 مليار دولار على مؤامرة السيطرة على المسجد الأقصى كليّاً، إلا أنهم زيفوا وغيروا أكثر من 1200 مصطلحاً داخلها لجعل باطلهم حقيقة وواقع في نظر العالم، وحرب المصطلحات أكبر وأنكي من الحرب السياسية والعسكرية، وفي المقابل كم أنفقنا كفلسطينيين أو عرب ومسلمين للحفاظ على حقنا في أولى القبلتين وثاني المسجدين وإفشال المؤامرة والمخططات الصهيونية لتهويد قدسنا وجعلها عاصمة أبدية لكيانهم المسخ القائم بالسلب والاغتصاب في قلب الأمة والوطن؟!
لكِ الله يا قدس ..! ولك الله يا أقصى...! وإن كنا لا ولن نفقد الخير في الأمة الغائبة والمُغيبة بسبب تقاعس رجالها الواعين عن مواجهة باطل قادتها وخاصة في فلسطين ...