منقولظننتُ أنه "خادم المسجد" حين كنت أجلس بين الناس في أحد مساجد دمشق وقد جاء إليّ ذو الستين عامًا، بلحيةٍ يكسوها الشيب، يحمل إبريق ماءٍ، وكأسًا نحاسيةً ممتلئةً عبَقًا.. فرفضتُ ضيافتَه لجهلي وصغر سني، فبقي واقفًا وهو يتمتم بسورة يس، فاستحيَيتُ منه، وشربت..ضاق الذي بجانبي ذرعًا من تصرّفي، ونظر إلي نظرة لا تخلو من تعجّب، فأسرعتُ له بالقول: (جزاه الله خيرًا، خدمة المسجد أشرف الأعمال)، فتبسم ضاحكا من جهلي وقال: (هذا الذي سقاك الماء مقرئٌ حافظٌ جامعٌ للقراءات العشر متمكنٌ منها، ذو سند رفيع، وأديب شاعر، وخطاط ماهر، وفقيهٌ عالِم، يقصده طلاب العلم من أقصى الشام لينالوا شرف القراءة عليه، ألم تسمع بالشيخ شكري اللحفي!!)، فذُهِلتُ من قوله، وساد فيّ صمتٌ مُخزٍ، وبقِيَت عيني لا تفارق الشيخ وهو يسقي عشرات الناس حتى طلعت الشمس..المصيبة: أنني اعتدتُ أن أرى أشخاصًا تمتطيهم عمامة العلم، هُم أقلّ من هذا الشيخ بألف درجة علمية، وقد كانوا يمُدون يدهم للناس ليُقبّلوها، ويَسعَدون بذلك، ولو ركع أحد الجهلاء يريد تقبيل أقدامهم، لازدادت سعادتُهم !رحل الشيخ شكري اللحفي إلى ربه ، وبقي حالُه واعظًا فينا لا يرحل !رحمك الله يا مَن فَقَدَكَ التواضع