اللهم صلّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

المرحوم السيد أبو أنور محمد زكي المفتي ابن العلامة الشيخ محمد صالح بن مصطفى بن عمر المفتي الآمدي رحمه الله.
تاجرٌ وحِرفيّ أريب، ومُحسِن ٌ نسيب
رائد من رواد الصناعة في سورية ...
ينتسب السيد المذكور لأسرة علمية مُعرِقة في دمشق، منسوبة لدوحة بيت النبوة المحمدية على صاحبها أزكى صلاة وأتم تسليم، توارثت العلم والإفتاء كابراً عن كابر..

نشأ مترجٓمنا في حي (القيمرية) في كنف والده العلامة المفتي محمد صالح الآمدي رحمه الله..وبين الصالحين وأهل الخير من أسرته ومعارفهم..
تلقى تعليمه الأوليّ في مكتب (عنبر)..ثم اتجه للعمل التجاري مبكراً إذ وجد فيه ضالتٓه وبغيتٓه، فانخرط في السوق الدمشقي لصناعة النسيج، وتدرّج في هذه المٓهنة وارتقى في مراتبها وسٓبٓر أغوارها حتى غدى من أربابها وأركانها،، أعانه على ذلك -بعد توفيق الله عزوجل له ورضا والديه- حِدّةٌ في الذهن وسُموّ في الخلق وفِراسة في الحكم، صاحبتها هِمةٌ عليّة وإرادة قوية وأمانة جلية وخوف من بارئه سبحانه وتعالى، وبورك له فتملك معملا لصناعة النسيج في باب شرقي بشراكة مع أخيه الحاج حمزة المفتي (أبي إحسان) وكان يعد -بفضله تعالى- واحداً من أكبر مصانع النسيج في وقته، ينتج شتى أنواع الأقمشة التي كانت مشتهرةً حينها، ثم كانت له الريادة في صناعة (البشكير) فكان أول من أدخلها إلى سوريا، إذ لم تكن معروفة من ذي قبل، واستورد لذلك الغرض أحدث الآلات من اليابان وغيرها، فذاع صيتُه في صناعته، وفتح الله عليه في تجارته، وبورك له في خدمة بلدته ووطنه، وصار علماً من أعلام مدينة دمشق رحمه الله ...
ومع كل ذلك فلم تشغله دنياه عن آخرته، إذ ساهم بالمشاريع الخيرية ببعض المال و الكثير من الجهد والوقت والسعي في مصالح الناس ونفعهم.

يقول ابنه الأستاذ السيد محمد أبو هشام:
(( كان – رحمه الله – يحب الخير للجميع، فأصبح محبوباً من كل الناس، و لم أصادف شخصاً اجتمع به و لو لوقت قصير إلا و قد ترك بصمته عليه فلا يذكره إلا بالخير , كان ناصحاً كريماً عفّٓ اللسان، طلقٓ اليد بالمال و فعل الخير، وكان متواضعاً حيياً، فرغم أنه لم ينل درجة عالية من الشهادات العلمية...لكنه كان في حيه و بلده دمشق [...عَلَمَاً...] ، و قد حصل على هذه المنزلة العالية بتواضعه الشديد، و بوعيه لأحوال الناس، ونصحه لهم، وكان يحب أن يُعلِّم أسرار المهنة و لا يكتم أسرارها...[قلت: وهذا نادر في أهل الصناعات]
.
عمل بجد وإخلاص مع الجمعيات الخيرية، و اشتهر بالبذل و العطاء بكل أنواعه، و كان نشاطه الرئيس في مجال عمارة المساجد، فكان أحد المؤسسين للجنة بناء جامع (عمر بن عبد العزيز) في المزة الشرقية، وشارك أيضا في بناء جامع (الشافعي) .

ساهم مع آخرين بإنشاء جمعيات تعاونية استهلاكية قبل أن يسمع (المتحذلقون) شيئاً عن كيفية عملها، كان ذا نظرة ثاقبة و فِراسة في الرجال، وكان يحتوي الناس و يتقبلهم بصدر رحب، يتجاهل هَناتهم و يرفع من معنوياتهم ، كان يتفهم مشاكل من حوله و يساعدهم على حلها.
كان رحمه الله صالحاً في نفسه مصلحاً لنفسه و لغيره , فلا يقصده طرفان إلا وفَّق بينهما بما أوتي من عقل و إخلاص في النية.
.
لقد عرفناه أباً حانياً، وصديقاً وفياً، و جاراً منصفاً، متعاوناً عطوفاً شفوقاً بسيطاً، يشاطر الناس أفراحهم و أحزانهم ، و يشد على أياديهم بالنصح و الإرشاد و بذل المال، كان يٓشعر أن العمال الذين يعملون لديه هم شركاء و ليسوا أجراء، فكان يجزل لهم العطاء حتى يرضوا..

كان رحمه الله مؤمناً تقياً في دينه قوياً لا يعبأ بالمظهر، بل يبحث عن الجوهر، الإخلاص ديدنه ، و الحمد حاله ، فكانت لذلك كل حاجاته ميسرة .

كان رحمه الله وٓصولا للرحم محسنا لذوي القربى، خدم والده (الشيخ صالح المفتي الآمدي) لسنين طويلة و كان باراً به ، ينفذ طلباته و لا يخالف رغباته ، كما كان شديد الثقة بالله تعالى ، لا يهاب المصائب بل يستعد لاستقبالها، ولا يفرح بما في يديه ، بل يرجو أن يحسن الله إليه.

كان رحمه الله حاضر البديهة، حاد الذكاء، ذا نكتة محببة مع خفة ظل عفوية، سريع الألفة مع الناس حتى ممن يفوقونه علماً أو سناً، أو غرباء يقابلهم لأول مرة.
كان رحمه الله قليل الكلام كثير العمل، يحب العاملين المخلصين، و يكره الثرثارين المنافقين.
كان رحمه الله يسعى أن يكون عادلاً بين الأبناء و الأصدقاء في العواطف و الأعطيات، يحب إكرام الضيف ، وبذل المعروف...
.
رحمك الله يا والدي رحمة واسعة , و أسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً , - نحن لا نزكي على الله أحداً - و لكن نقول بعض ما نعلمه عن والدنا رحمه الله ، و ما أذكره ليس إلا نبذة صغيرة ، أذكره ليس إفتخاراً ، بل استمطاراً لرحمات تتنزل على روحه الطاهرة من مخلص يدعو له بعد أن يقرأ هذه الكلمات، إضافة إلى دعوات أبناءه و بناته و أحفاده و حفيداته و أسباطه و كل أقربائه و جيرانه و كل معارفه، دعوة قد يكون هو بحاجة إليها رغم كل ما قدم ، فنحن جميعاً بحاجة إلى رحمة الله بعد عدله ، و هو الآن بين يدي الرحمن الرحيم ، و أعدل العادلين)) .

المصادر: من ترجمة بقلم ولده السيد محمد (أبو هشام) بتصرف.

اللهم بخفي ّ لطفك فرج عن الشام يارحيم