#الشيخ_ملا_رمضان_البوطي::
#الأجل_أجلان::
قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله::
((أصيب أبي رحمه الله خلال هذه المرحلة من حياته _ وهي فترة طلبه للعلم _ بمرض عضال، أودى به إلى شفير الموت، وأغلب الظن أنه كان مرض الجدري، ولم أعد أذكر في أي سنة من عمره فاجأه هذا المرض، ولكني على يقين أنه لم يكن آنذاك ناهز العشرين.
يقول أبي رحمه الله: لقد رأيت ملك الموت بعيني رأسي، خلال شدة هذا المرض.
وها أنا أروي على لسانه الخبر العجيب الذي حدثنا به أكثر من مرة، وسمعه من فمه عدد من الإخوة والأصدقاء الذين كانوا يغشون مجلسه بين الحين والآخر.
قال رحمه الله:
اشتد بي المرض حتى يئس الأهل من شفائي، وبينما أنا في الفراش وحولي ثلة من الأقارب والعائدين، إذا برجل مهيب يدخل الغرفة ووراءه شخص آخر يبدو كأنه معين أو خادم له، فحاولت أن أقوم إليه لأقبل يده معتقداً صلاحه وفضله، ولكنه رجع قائلاً: ليس لنا غرض بك، وإنما جئنا نطلب جاركم ياسين، ولما غاب عيني نظر إلي الجالسون قائلين: مالذي دهاك؟ وما الذي حملك على ماصنعت من تقبيل الأرض؟
فقلت: إنني لم أقبل الأرض ولكني حاولت أن أقبل يد الشيخ الذي دخل علينا، غير إنه رجع قائلاً: إنه يريد ياسين، فصاحوا قائلين: لقد مات ياسين الآن، وهاهي ذي أصوات البكاء ترتفع من الدار.
قال والدي:
ثم إن الشيخ المهيب عاد إلي ثانية، ومعه الشخص الآخر، يحمل على كتفه شيئا يشبه جلد حيوان، واتجه هذه المرة وأمسك بي بقبضة يده، فداخلني رعب كبير وصحت مستنجداً بأبي، ونظرت، فإذا بأبي يجذبني إليه ليمنعني منه، ثم إن الشخصين غابا، ونظرت فإذا بالناس الذين من حولي في هلع من أمري، وقال لي أحدهم: فما الذي عراك الآن؟ فحدثتهم بما رأيت.. وعلمت عندئذ أن والدي لما سمع صياحي ورأى هلعي، نذر قائلاً: لئن شفى الله ولدي هذا ، لأتصدقن بكذا رأس من الأغنام، وقد أكرمه الله فشفاه من ذلك المرض الوبيل.
فأذكر أنني سألته عندما قص علي هذا الخبر لأول مرة: إن مجيء ملك الموت دليل على حلول الأجل، وإذا جاء الأجل لم ينفع لتأخيره نذر ولا دعاء.
فقال لي:
إن الأجل الثابت في علم الله لم يكن قد حان بعد، ولكن لعل الله جعل في مجيء ملك الموت إلي وظهوره أمام عيني سبباً لترسيخ معنى الموت في نفسي، وباعثاً لحوافز الاستعداد له في كل ساعة من حياتي.
ثم قال: والأجل أجلان: أجل مبرم وأجل معلق.
أما المبرم فلا يعلمه إلى الله.
وأما المعلق فعرضة للتبدل والتغير لما قد يشاؤه الله من الأسباب، وهو مما يمكن أن يطلع الله عليه الخواص من عباده))اهـ.
"هذا والدي"للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: ص19_20...///.