عزيزتي حواء: هل فكرت من قبل ماذا ستكون عوامل قوتك عندما تتقدمين في السنّ!! عندما ستبلغين عامك السبعين أو الخامس والسبعين؟ هل ستكونين قادرة على الاعتماد على نفسك؟ أم ستحتاجين أولادك وجيرانك ومعارفك ليتدبروا أمرك ويديروا شؤونك؟...
إن لم تكوني قد فكرتِ في هذا الأمر من قبل فأعيدي حساباتك، ولتعلمي أن الساعات التي ستقنصينها اليوم لتطوري قدراتك أو مهاراتك أو خبراتك ، ولو على نطاق: (تعلم قيادة السيارة ، أو التعلم الذاتي على الإنترنت ، أو تركيب جرة الغاز ، أو التعرف إلى خطوط النقل في المدينة التي تعيشين فيها ، أو حضور محاضرات، أو قراءة كتب للدعم النفسي واكتساب المهارات لقيادة نفسك، والتحكم بمشاعرك وردود أفعالك، أو تعلم لغة جديدة، أو تنمية موهبة قديمة دفنتْها مشاغلك اليومية كالرسم أو الكتابة أو الرياضة أو الأشغال اليدوية أو حتى نصح الآخرين وحفظ القرآن وتلاوته وتجويد، والسعي الدائم لتحقيق هدفك الشخصي مهما كان صغيراً) ، لتعلمي أن كل هذه الأعمال التي تتجاوز أعمالك المنزلية الروتينية والتزاماتك الاجتماعية التقليدية، إنما هي عوامل القوة التي ستكون معك عندما يتقدم بك السن، هذه الخبرات والمهارات هي التي ستبقى معك ولك وتنفعك، وتسعدك، وتشعرك أنك ذات قيمة، وأن لوجودك معنى.
عندما سيغزو الشيب رأسك، وينفضّ الكثيرون عنك وتبقين وحدك، عندما سيكون غاية ما يطلبه الجميع منك الدعاء، عندما ستخفُّ مسؤولياتك وتتضاءل مهامك، لن يقف معك مبالغتك في تنظيف المنزل، ولا قضاؤك الوقت كله في تطبيق الوصفات وطهي أنواع الطعام، ولا زياراتك اليومية للجيران، ولا مكالماتك الهاتفية مع الصديقات، ولا الخوض في قصص هذا وذاك وهذه وتلك، ولا نزولك الدوري للأسواق، ولا جلوسك في المقاهي، ولا تصفحك العشوائي لمواقع التواصل، مهما بدا لك أن هذه الأعمال إنجازات، وأسباب سعادة مع أهمية بعضها بالنسبة لك، ولكن تأكدي أنها كجمع الماء في حفرة من الرمل لا يلبث أن يتلاشى...
عندما سيأتي يوم تجدين فيه نفسك وحيدة أو شبه وحيدة لن تحصدي إلا نتائج الأشياء التي طورتِ بها نفسك، فبها تكونين أكثر قوة وأفضل حالاً، وأحسن مزاجاً، وأقل فقداً، وأقل تكليفاً للآخرين....
عندما يكون لكِ دائماً مشروعاً شخصياً لا يتعارض بالتأكيد مع أدوارك اليوم كزوجة وأم وبنت، ولكنه إنجازكِ أنتِ، إضافة تجعلين فيها الحياة أفضل، بعلمٍ أو مهارة أو خبرة تتعلمينها وتعلمينها لغيرك، بإبداع تزينين به معالم الحياة، بهدف متجدد تضعينه لنفسك وتسعين إليه، هدف لا يرتبط تحقيقه بوجود زوج معك، أو ولد قربك، أو أحد من الأهل والأصدقاء معك، بل يتعلق فقط بسعيك وعملك لتكوني في قابل الأيام قادرة على مواجهة الحياة وعدم الركون لفكرة الإنسان المسنّ الـ (مت قاعد) عديم الجدوى الذي ينتظر الموت لأن دوره في الحياة انتهى، بل تكونين منتجة ومنجزة وسعيدة تنشرين فيمن حولك العزيمة، يحتاجونك فلا تحتاجينهم، ينتظرونك فلا تنتظرينهم، وتذكري أن الإنجاز الحقيقي ليس فقط بأن تقوم القيامة وفي يد أحدنا فسيلة فيزرعها، بل أن تأتي القيامة وما زال في يدينا فسيلة نسعى لنزرعها....
#سهير_أومري