يوميات محامي

في يوم زارتنا سيدة ترتدي عباءة سوداء .. ضخمة الحجم طويلة وعريضة المنكبين .. وجهها قبيح مخيف .. تشبه الرجال أكثر من النساء .. تريد مشورة قانونية من مكتبنا الذي يقدم الاستشارة والمساندة القانونية المجانية ..

بدأ المحامون بالتسلل للخارج تجنبا لاستقبالها .. ومن لم يخرج تصنع الانشغال .. حتى لم يتبقى غيري لاستقبالها ..

تعاملت معها بحذر وتجنبت النظر في وجهها القبيح .. وكتمت ضحكتب علٌّى تعليقات زملائي المتخفية حفاظاً على مشاعرها ..

بدأت التحدث وهي مبتسمة ابتسامة قبيحة فقالت: بلغت الأربعين من عمري ولم يطرق بابي طارق للزواج بي .. لم يكن همي إن بقيت بلا زواج ، لكنني كنت أخشى أن أموت وحيدة .. كنت أتمنى أن يرزقني الله بأطفال أحبهم وأرعاهم يكونون سنداً لي في شيخوختي ..

وفي يوم جاءت جارتي تعرض علي الزواج من مقاول يسكن بجوارنا .. أرمل ولديه أربعة أطفال .. واشترط علي أن أخدم أطفاله الأربعة ..

فقلت لقد تحقق نصف ما طلبت .. لكنه اشترط أيضاً ألا يكون بيني وبينه مايكون بين الرجل وزوجته ..

وافقت رغم أني كنت أقرب للخادمة مني للزوجة .. فهذه أول مرة يطلبني أحدهم للزواج ..

تزوجت وكنت ألاقي نفورا من جميع الناس بما فيهم زوجي كما وجدت منكم هنا ..

ومرت السنوات وأنا أرعى أولاده كأنهم أبنائي وغمرتهم بحبي وحناني حتى أصبحت لهم أما يحبونها ويقدرونها .. ورزق الله زوجي رزقاً واسعا .. وأحبني كما أحبني أولاده .. وبدأ يعاملني كزوجة أخيرا ..

- طيب بماذا أخدمك يا سيدة؟
- أنا هنا ﻷن زوجي توفاه الله منذ عدة أيام وفوجئت بأنه كتب لي من أملاكه عدد من العقارات التي تقدر بالملايين .. ولم يعترض أولاده أبدا إلا أنني أريد أن أعيد إليهم كل ما كتب لي .. وأريدك أن ترشديني لاتخاذ اﻹجراءات اللازمة ..
ثم أخرجت لي اﻷوراق والعقود التي تثبت صحة كلامها !!

وتعجبت لأمرها .. كيف تتنازل عن هذه الملايين!؟؟

بدوت صغيرة جداً أمامها وأصبحت جميلة في نظري .. وخجلت من نفسي

سألتها بحب: ألا تودين الاحتفاظ بشيء مما ترك لك زوجك ؟ عقار واحد على اﻷقل لو مرضت أو لو قسى عليك أولاده أو الزمن؟

قالت: لا .. أريد أن أنقل لهم كل ما ملكني زوجي ففي النهاية هذه أموالهم وليس لي حق في شيء منها .. وأنا يكفيني حبهم فهذا جُلّ ما كنت أتمناه .. والذي رزقني الحب بعد مرارة المنع سيرزقني الستر في زمن الغدر ..

قمت بإتخاذ اﻹجراءات القانونية وتم نقل اﻷملاك إلى أبناء زوجها بالفعل ..

وتحسرت على حالنا نعيب الناس لظاهر شكلهم والعيوب تملؤنا ..

لقد كان ما بداخلنا أنا وزملائي أكثر قبحا من وجه تلك المرأة الطيبة ..

منقول