صباح الأربعاء 14/11/2012، بقاعة الاجتماعات من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، حاضرت جمهور المشتغلين بعلوم العربية وآدابها، في "نظرية النصية العروضية"، واستحسنتُ لزميلي الذي سألني ما يقدِّمني به، أن يُصَنِّفَني في المشتغلين بتحليل التفكير النصي العروضي! أشرتُ إلى تَأَخُّر التَّنْظِيرِ عَنِ التَّطْبِيقِ، فذكرتُ أنني لما رأيت في كتاب تنظيريٍّ لأحد أئمتنا، أنه متأخر الزمان عن كتبه التطبيقية، على ما صرت أومن به من أَنَّ التَّنْظِيرَ تَفْكِيرٌ كُلِّيٌّ لَاحِقٌ، وَالتَّطْبِيقَ تَفْكِيرٌ جُزْئِيٌّ سَابِقٌ- خالفني ابنُه على الملأ إلى ضِدِّ ما رأيتُ، فكَفْكَفْتُ من عِزَّة الرأي، وراعيتُ مُسْتَوْدَعَ الأسرار -وإن لم تكن مخالفته إلا من غَيْرة الابن على أبيه، أن يَسْتأثر غيرُه بسَبْر أَغْوَارِه!- فما أكثر ما انطوى المُنَظِّرون على تطبيقاتهم؛ فلم يعلنوا عنها، حتى أسسوا نظرياتهم؛ فدَهِشَ كُلُّ من تَوَهَّمَ أنها نشأتْ لهم واكتملتْ فجأة! ثم ذَكَرتُ أنني أُثْبِتُ الآن بدليل حالي صواب ما رأيتُ؛ فقد اشتغلتُ من قبلُ زمانا طويلا بأبحاث كثيرة، تَنْسَلِك عَفْوا لا قَصْدا من نظرية النصية العروضية في سِلْك تطبيقاتها، ثم ها أنا ذا بعد ذلك الزمان الطويل، أبني بنيانها النظري، ولا أنكر تفاوتها ولا تصاعدها! ثُمَّتَ نبَّهتُ على ألا مُؤاخذةَ بسَعْيِ تلامذةِ المُنَظِّرين بالتطبيق على أثر تنظير أساتذتهم، وبنائهم التطبيق على التنظير؛ فليس لهم من هذا التنظير إلا نَقْلُه! فأما ما رُوِيَ عن بعض المخترعين من أنه يكفي مخترعَ العلم اختراعُه، ولا يلزمه شرحُه، فينبغي أن يُفْهَم على أنه قد اصطنع في التأتي إلى اختراعه من التجارب التطبيقية ما استفرغ وُسْعَهُ، ولم يدع فيه لشرحٍ فُسْحة! ثُمَّتَ وَزَّعْتُ على الحاضرين رَسْمَ بَيَانِ النَّظريَّة، وأَلْمَمْتُ فيها بين يدي قوانينها باثنتي عشرة فكرة، ثم في قانون المجال بست أفكار، ثم في قانون الطول بخمس، ثم في قانون الفصل بخمس، ثم في قانون الفقرة بأربع، ثم في قانون الجملة بخمس، ثم في قانون التعبير بست، ثم في قانون الكلمة بخمس، ثم في قانون المقطع بست، ثم في قانون الصوت بست، ثم في توالي القوانين وترابطها بخمس، ثم أغلقت دائرة المحاضرة بثلاث أفكار في تقدير النظرية (أنها مطبقة على أنواع مختلفة من الشعر العربي القديم والحديث، وأنها مبنية على استيعاب مقالات اللغويين النصيين واللغويين العروضيين جميعا معا، وأنها متحققة بفهم مسيرة التفكير العلمي الإنساني)، شَبَّهْتُ في أُخْراها مسيرة التفكير العلمي الإنساني، بِنَظَرِ الصاعد في طوابق العمارة الشاهقة مِنْ خلالها؛ فأما التفكيرُ الجُزْئي فَكَالنَّظَرِ من خلال الطوابق الدنيا، وأما التفكير الكلي فَكَالنَّظَرِ من خلال الطوابق العليا، ونَبَّهْتُ من هذا التمثيل على أن الصاعد إلى الطوابق العليا، لا بد أن يمر بالطوابق الدنيا، وألا بقاء للطوابق العليا إلا بالطوابق الدنيا!

سَرَّني أثر المحاضرة الطيب، ولاسيما دعوة بعض زملائي لي إحقاقًا لحقّي، إلى تسجيل هذه النظرية باسمي؛ فأعلنت رغبتي في التقدم باسم قسم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، إلى الدكتور عبد الله الكندي عميد الكلية، بطلب براءة اختراع مشفوع بكتاب يشتمل على مقدمة تنظيرية وثلاثة فصول تطبيقية ومكملات، ولم آتِ المحاضرة أصلا إلا وقد أسررت هذه الرغبة كاملة الأفكار، ثم لم أظهرها تَحَرُّجًا حتى دُعيتُ إليها! ثم صباح الخميس 15/11/2012، أطلعتُ على ذلك عميدَ الكلية، فاحتفى به -جزاه الله عني خيرا!- وطالبني بملخص كاف، فصنعته له بأهم أفكار المقدمة التنظيرية وثلاثة الفصول التطبيقية، وقدمته بطلب براءة اختراع صريح، وصورت الملف كله للدكتور محمد البلوشي مساعد العميد للبحث العلمي، والدكتور هلال الحجري رئيس قسم اللغة العربية وآدابها. ثم صباح الأحد 9/12/2012، أرسل عميد الكلية الملف، إلى الدكتور عامر الرواس نائب رئيس جامعة السلطان قابوس للدراسات العليا والبحث العلمي، وقدمه بهذا الخطاب: "(…) يسرني أن أحيل إليكم طلب الزميل الدكتور محمد جمال صقر الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها، للحصول على براءة اختراع لنظرية قام بوضعها، وهي بعنوان "نظرية النصية العروضية"، والتي تجدون وثيقة شارحة لها مع هذا الخطاب، راجيا منكم التكرم بالاطلاع والتوجيه في هذا الشأن. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير (...)"! دار الخطابُ بالملف دورتَه، ثم صباح الثلاثاء 18/12/2012، جاءنا من الدكتور ريجنالد فكتور عميد البحث العلمي، عن طريق الأستاذة شيخة بنت ناصر الأخزمية القائمة بأعمال مدير دائرة شؤون الابتكار- هذا الجواب: "(...) نود إفادتكم بأنه يشترط للحصول على البراءة أن يكون الاختراع قابلا للتطبيق الصناعي، بالإضافة إلى عنصري الجدة والخطوة الابتكارية. وهذا يعني أن البراءة لا تمنح إلا للاختراعات القابلة للاستغلال في مجال الصناعة، مثل اختراع سلعة أو آلة أو مادة كيميائية معينة. أما الأفكار المجردة والنظريات العلمية البحتة، فهي لا تحمى في ذاتها عن طريق البراءة، وكذلك الاكتشافات المتعلقة بالطبيعة وقوانينها والمعادلات الحسابية أو الرياضية، مهما كانت القيمة العلمية لهذه الأفكار والنظريات العلمية الجديدة، ومهما بذل في سبيل التوصل إليها من مجهودات وأبحاث؛ إذ يلزم لكي يكون الاختراع مؤهلا للحماية أن يتضمن تطبيقا لهذه الأفكار أو النظريات العلمية عن طريق تصنيع منتج جديد أو طريقة صناعية جديدة. لكن يمكن حماية التعبير عن النظرية في مصنف أدبي ضمن قانون حماية المؤلف حسب اتفاقية بيرن. وتفضلوا بقبول فائق الشكر والتقدير"! وبحَسْب هذه المغامرة أنها حفزتني إلى نشر تلك المقدمة التنظيرية عام 2016، مقالا علميا رفيع التحكيم، بالعدد الأول من المجلد الثالث من مجلة كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، ليكون التنظير النصي العروضي الذي سعى إليه التطبيق!