"مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكْ فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِكْ"؛ صدق سيدنا الشافعي، رضي الله عنه! وقد تيسرت لي المشاركة عام 2019، في "المصطلح في العربية: القضايا والآفاق"، مؤتمر قسم اللغة العربية وآدابها الدولي الرابع، بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية من جامعة السلطان قابوس، فجعلتها بمقالي "مصطلحات النصية العروضية بين القدامة والحداثة"! نعم؛ وفيه ذكرت حركة البحث العلمي العروضي من مرحلة الجزئية إلى مرحلة الكلية، وأنه لم يخل في هذه من آثار تلك، لا تحليلا، ولا تركيبا، ولا تقويما! ولقد نبهت في أوائله على أن إطار البحث إما أن يضيق فيقيد الباحث بالتخصص من داخل التخصص من داخل التخصص ليتحرك متوجسا من الوقوع في وهدة التشتت، وإما أن يتسع فيغريه بالاستفادة من كل ما يمكن أن يفيده، وأننا -وإن لم نستطع أن نعيب سالك المسلك الأول- ندعو من يقدر على سلوك المسلك الثاني ألا يفرط فيه؛ فعندئذ يستفيد من علوم الموسيقى والأصوات والبديع والنحو والفلسفة وغيرها، فوائد لا غنى به عنها. ثم في مقام الاصطلاح نبهت على أن للمصطلحات حياة مثل حياة أصحابها، تتحول فيها من كلام في المفاهيم كثير، إلى كلمات يختارها من انتبه إليها لينبه عليها: فإما أن يوافقه غيره عليها، وإما أن يخالفه؛ فإذا وافقه كانت المصطلحات، ثم إنه إذا بقيت المفاهيم على حالها ثبتت المصطلحات، وإذا تحركت المفاهيم اضطرت المصطلحات إلى أن تتحرك: إما بأن تتسع، وإما بأن تنتقل، وأننا ينبغي أن نعترف بظاهرة المصطلحات العروضية -وبحسبي التمثيل بصفحات "نظرية النصية العروضية" الثماني التي ارتكمت فيها ثلاثمئة مصطلح تقريبا!- مهما يكن منا من يستثقلها؛ فإن منا من يستدل بها على التدقيق العروضي! لقد تميزت في هذه المصطلحات بحركة البحث العلمي العروضي من مرحلة الجزئية إلى مرحلة الكلية، طوائف أربع مختلفة، تنبه الباحث أبدا على أنه لا يجري وحده: أولاها قديمة باقية على مفاهيمها عند العروضيين، والثانية قديمة معالجة عن غير العروضيين، والثالثة حديثة باقية على مفاهيمها عند العروضيين وغيرهم، والرابعة الأخيرة حديثة معالجة عن النصيين العروضيين! ثم إن هذه المصطلحات إما أن تكون على مفاهيم سكونية، أو على مفاهيم حركية، وأنه قد جرت عادة العروضيين بأن يصطلحوا على السكونية بأسماء الأجسام، كمصطلح "بيت" مثلا- وعلى الحركية بأسماء المعاني، كمصطلح "تدوير" مثلا! وقد وجدت مقدار أسماء الأجسام ومقدار أسماء المعاني متساويين في الطائفة الأولى من المصطلحات (القديمة الباقية)، ومقدار أسماء المعاني أكبر من مقدار أسماء الأجسام فيما بقي من طوائف؛ فذهبت أتأملها من داخلها، فوجدتها تتحرك صعودا من المصطلحات القديمة الباقية إلى القديمة المعالجة فالحديثة الباقية فالحديثة المعالجة، وكذلك وجدتها تتدرج في التعقيد اللغوي من الإفراد المغلق إلى الإفراد المفتوح فالتركيب المفتوح فالتركيب المفتوح الملتبس بالإغلاق، حركة متصاعدة بتطور العلم الطبيعي يخترعه مخترعه ثم يتوسع فيه من يخلفه، لكنني وجدتها تلتبس في آخرها بالسكون، فأحسست أن حركة الاصطلاح كأنها مستديرة، غير أن القدماء ساكَنوا العلم (عايشوه من داخله)، أما من بعدهم ممن كانوا عيالا عليهم أو ممن تأخروا منفصلين أو متصلين، فلاحَظُوه (تابَعوه من الخارج)!