منذ عدة سنوات انتشرت في سورية موضة وظاهرة جمع وتشغيل الأموال .. حيث يقوم شخص بجمع الأموال من عدد من الأشخاص بحجة تشغيلها .. وليعطيهم فوائد ربوية شهرية كبيرة وفاحشة ..

كان بعض هؤلاء النصابين يتبع طريقة في النصب تنفعه لفترة قصيرة ومحدودة .. حيث ينكشف عنه الغطاء .. ويصبح غير قادر على المتابع والاستمرار

كان يأخذ المال من شخص .. ويعده ويمنيه بفوائد ربوية كبيرة ما دام المال معه يشغله .. وهذا ما يدفع هذا الشخص لتأمين المزيد من المال لإعطائه له .. مدخراته وربما يستدين من أشخاص آخرين .. أو يقنع آخرين بالتعامل مع ذاك النصاب ..

طبعا النصاب لم يكن يعمل ولا يشغل الأموال .. وليس لديه عمل أو مورد آخر إلا الأموال التي يقنصها من ضحاياه .. كان يأخذ من الثاني ليدفع فوائد للأول .. ويأخذ من الثالث ليدفع للثاني والأول .. ويأخذ من الرابع ليدفع للثالث والثاني والأول وهكذا .. إلى أن يتوقف بعد شهرين أو ثلاثة أو ستة أشهر على الأكثر عن الدفع للجميع .. ويكون قد أنفق المال كله .. وما عاد قادراً على تسديد الفوائد ولا رأس المال لأحد ..

انتبهت الدولة لهذا الأمر آنذاك وأصدرت القانون 8 لعام 1994 ليمنع ويكافح هذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها .. وفعلاً تم معاقبة عدد من الفاعلين .. وتم الحكم عليهم بالحبس لسنوات طويلة ..

ما ذكرني بهذه القصة .. هو القرار الأخير للحكومة بفرض تحويل جزء من ثمن البيع عن طريق المصرف .. في وقت لا يتمكن صاحب المال من سحبه إلا بعد مدة طويلة وبسقف يومي محدد .. (وهذا القرار بحده قرار خاطئ يخالف القوانين وعقد الأمانة والإيداع بين المصرف والعميل .. ويُفقِد الناس ثقتها بالمصارف .. ويحد بالتالي من رغبة الناس بالتعامل معها إلا من كان مجبراً لسبب ما)

وقد تساءل الجميع عن الأسباب الموجبة لهذا القرار .. وكثرت التحليلات والتخمينات والتنجيمات

تخمين العبد الفقير والجواب الشافي كما أظن هو في القصة التي أوردتها أعلاه .. إذ يبدو أن الحكومة تريد إتباع نفس طريقة وسياسة جامعي الأموال هؤلاء .. ويبدو أن الحكومة أعلنت ضمناً عجزها عن إيجاد الحلول .. وتجمدت عقول مديروها ومسؤوليها وباتت غير قادرة على حل الأزمة إلا بهذه الطرق الذكية .. فقررت جمع الأموال من الناس بأي طريقة من الطرق قانونية أو غير قانونية .. لكي تتمكن من تأمين مصاريفها الآنية وما أسموه خطهم الأحمر الجديد الذي هو رواتب موظفيها .. إلى أن يحدث الله أمراً .. أو عسى أن تحدث معجزة تنقذ الحكومة من ورطتها الاقتصادية .. وأنى لهذا أن يحدث إذا صدقت تخميناتي ؟؟!

فالأموال التي يتم إيداعها شهرياً من عمليات البيع .. تستفيد منها الحكومة لدفع الرواتب والأجور شهر بشهر .. مستغلة المدة التي تحجز بها هذه المبالغ لديها .. على أمل حدوث بيوع جديدة وإيداعات وتحويلات جديدة .. وهكذا

مصدروا هذه القرارات يظنون وبعض الظن إثم أن هذا سيؤدي لضخ الكثير من الأموال في المصارف تساعد الحكومة للخروج من ورطتها وتساعدها في حل أزمتها الاقتصادية ودعم الاقتصاد الوطني ..

هذا سينفع لحين أو بعض وقت ..

ولكن أظن أن هذه البيوع ستتوقف أو تقل يوماً .. بسبب أن هذه القرارات المتتالية ستؤدي لإحجام الناس عن الإيداع بالمصارف وسيقل الضخ ولن يزيد .. ولن تبقى الحكومة بعد مدة بسيطة قادرة لا على إعادة الأموال المودعة أو المحولة لأصحابها .. ولا على دفع الرواتب والأجور .. ولا على دعم أحد حتى نفسها

والحقيقة أن الحفرة التي تحفرها الحكومة تزداد اتساعاً .. وكلما كبرت الحفرة .. ازداد عمقها .. وازدادت صعوبة الخروج منها .. وربما أصبحت مستحيلة

وقد أُعذر من انذر

#ميمنونميم
عن صفحة المحامي ناهل المصري