جوائز نوبل وخرائط البحوث العلمية المعاصرة

ظهرت جوائز نوبل لهذا العام 2007 بصبغة غربية, كأنها تعكس حالةً نفسية أو سياسية قصد التعبير عنها وإعلانها للعالم، لتوحي بأن الحضارة المعاصرة تكافىء صانعيها، وتجاهلت جهوداً عظيمةً, قام بها علماء كبار في الصين، واليابان، وكوريا، وروسيا، ممن نشروا أبحاثاً متقدمة، وجديدة ولها تأثيرات كبيرة في تطوّر العلوم.
وقد منحت جوائز الطب والفيزياء والكيمياء للولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي التقطت على يد إحدى أديباتها أيضاً جائزة الآداب.
وكذلك هبطت جائزة السلام في واشنطن لسياسي سابق هو آل غور الذي كان نائباً للرئيس بيل كلينتون ومنافساً سابقاً لجورج بوش الحالي، وبعد فشل ترشح غور للرئاسة... انصرف إلى قضايا البيئة، وحقق فيلماً تسجيلياً عن الاحتباس الحراري، وسلامة كوكب الأرض، وظهر في كثير من المقابلات التلفزيونية، في الولايات المتحدة، وأوروبا، ليرتفع بعدها «كبطل بيئي» على مستوى العالم، إضافةً إلى منظمات الأمم المتحدة التي عملت بتوصياته في الحد من ظاهرة انبعاث الغازات الصناعية التي تغيّر من طبيعة الأرض.
وبما أن هذه الجائزة الأكثر شهرةً ونفوذاً في العالم الحالي تُعتبر مكافأة نهاية العام لكل بحثٍ كبير، وتقدم لعلماء بزّوا أقرانهم، فقد خرجت عن طورها هذا الموسم حقيقةً، خصوصاً في المجالات العلمية، وهذا ما يتيح لنا الخوض بأحدث المنجزات العلمية، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية لمخابر البحث، فالإمكانات التي تتوفر للخبراء الفرنسيين لا تتحقق للعلماء المصريين الذين بدؤوا بإجراء جراحات عصبية تنظيرية بالأشعة، وخاصةً في المخ، آخذين بالعلم بخطورة هذه العمليات ودقتها، واعتمادهم على مناظير نانوفيزيائية، أي الفيزياء الدقيقة التي تتعامل مع الجزئيات والروابط التي تؤلفها، هذا مثال بسيط لمقارنة النتائج بين مخابر الدول المتطورة، ومخابر دول من العالم الثالث.
وبمتابعة التطور العلمي المعاصر نجد أن هناك خطوطاً محددةً يتركز فيها البحث العلمي، أكثر من غيرها، دون إغفال أن البحث تناول كل ماهو خاضع لمحاكمة العقل البشري، في المادة، والطبيعة، وما بعد الطبيعة.
وطفت في هذه المرحلة أربعة اتجاهات على سطح العلم الحديث، فرضتها الوقائع السياسية، والظروف الحالية لحياة الإنسان الاجتماعية، إضافةً إلى الظواهر الطبيعية التي تشهدها الأرض، والفضاء الهائل الذي يرهق الخبراء ومناظير هم ومجساتهم بأحداثه وتنظيماته.
الاتجاه الأول هو الإنسان، حيث انتقل العلم من إنجاز إلى آخر, فيما يتعلق بصحته, وكان التشريح خطوةً هامة لنجاح الجراحة، إلى أن حلّ التنظير الكثير من مشاكل الجراحة، وامتلأت الموسوعة الدوائية بعشرات آلاف العقاقير والأكاسير, وتناهت الأبحاث اليوم إلى المعالجات الخلوية، ومن المتوقع أن تصبح الأشعة مكيفةً إلى الدرجة التي تستطيع فيها تأدية عمل في فضاء كل خلية على حدة في أمراض خطرة معينة، وإلى جانب هذا التطور ظهرت أهمية القياس الكهربائي لكل حالة مرضية، مما دعم مبدأ العلاج غير الكيماوي، وهذا مايسعى الطب الحديث إلى الوصول إليه... انطلاقاً من أن الجسم البشري يمتلك مقومات طبيعية تجعله يتجه إلى الاستشفاء، وليس على العلم إلا أن يمنح هذا الكائن فرصته دائماً، وقد وُجدت صلات كهربائية غاية في الدقة بين جميع خلايا الجسم، وفي الأسابيع الأخيرة أي في مطلع شهر تشرين الأول من هذا العام... ظهرت فتوح تشريحية وفيزيولوجية هائلة، أهمها أن الخريطة التي أعلنت سنة 2000 للموروثات ليست كاملةً، وهناك تبدلات وظيفية تنشأ في مرحلة نمو معينة للأجنة، إذا طرأت عليها متغيّرات معينة، كذلك فالزائدة التي تنتهي إليه الأمعاء ليست زائدةً في حقيقة الأمر، بل هي مخزن احتياطي للطفيليات التي يستضيفها الجسم لمساعدته على الهضم والتهام الفيروسات، ويعمل هذا المستودع على تموين جهاز الهضم خاصةً بعد الإقياء الذي يتخلص الجسم فيه من البكتريا والفطور المفيدة.
وفي طبيعة الحال... فإن البحوث العلمية المتعلقة بالكائن البشري لا تنتهي، وتسعى دائماً إلى تطوير الأجهزة الطبية، وكشف المزيد من الحقائق فيما يتعلق بالتناغم الفريد الذي تحقق الحياة الإنسانية لمكونات هذا المخلوق.
أما الاتجاه الثاني... فهو بحوث الفضاء، وقد شهدت الشهور الأخيرة نشاطاً آسيوياً فيما يتعلق بهذه الأبحاث، تركزت في الهند والصين التي أطلقت هذا العام عدة أقمار صناعية متطورة، وقررت الانضمام إلى زوار القمر، إضافةً إلى جهود الهند في توسيع نطاق عمل أقمارها الصناعية للاستكشاف خارج نطاق القوس الإرسالي، واستعادت روسيا موقعها العلمي الفضائي... ولكن باتجاه شرقي، لتتعاون مع ماليزيا والصين في تحقيق رحلات جديدة، خاصةً بعد استبدال الموظفين الروس المناوبين في المحطة الفضائية الدولية هذا الشهر.
وتأتي أبحاث البيئة والطاقة في الاتجاه الثالث، ولأهميتها ستكوّن مع بداية العام القادم شغلاً شاغلاً للعالم، كما تتوقع منظمات الأمم المتحدة المعنية بهذا الأمر، وبالتدقيق فإن معظم الدراسات التي انتشرت في المرحلة الأخيرة من هذه القضية، هي دراسات إحصائية واجتماعية، تناولت أرقاماً عالمية حول الاحتباس والضغط وكميات الانبعاث الغازي، وترتيب الدول المصدّرة للكربون الصناعي، وجدول الغازات السامة الصناعية الدولي، وتناولت الدراسات الاجتماعية إحصاءات شاملة للمجتمعات المتضررة بالترتيب والمناطق السكانية الأكثر تعرضاً في المستقبل للتلوّث الصناعي، مع الاحتمالات الأكثر دقةً للمدن والقرى التي قد تصل إليها الأعاصير، أو تقع بدائرة الخط الزلزالي الذي يسببه تراجع القشرة الأرضية في المناطق القلقة مثل جنوب شرق آسيا، وقد برهنت سومطرة وجاوة في أيلول الماضي عن صحة أغلب هذه الافتراضات بتعرضها لعشرات الهزات الأرضية في حدود 22 يوماً، تراوحت شدتها مابين 4.6 و6.8 على مقياس ريختر.
وارتبطت الأبحاث البيئية التي تدور في فلكها أبحاث الطاقة المتجددة بأبحاث الزراعة والغذاء، فسلامة الكوكب لابد أن تأخذ بالحسبان أولاً سلامة ساكنيه، وكانت النتيجة أن الطاقة البديلة الفضلى التي ستحل محل الوقود الحالي، هي طاقة حيوية، وهنا تضاعفت أهمية الغطاء النباتي على سطح الأرض لثلاثة عوامل، أولها: إنه أحد مصادر الغذاء للبشر، وللعديد من الكائنات الحية الأخرى وثانياً: سيلعب دوراً في إنتاج الطاقة للمحركات المنتشرة على الأرض بمختلف أنواعها وأحجامها واستهلاكها، وثالثاً، فإن هذا الغطاء الأخير هو المدافع الأكثر أهميةً عن الأرض، وشروط الحياة الطبيعية فيها، لأن مصدر الأكسجين الأساسي، وهو الذي يمتص ضمن عمليات التنفس والتمثيل الضوئي ملايين الأطنان من غاز الكربون.
أما الاتجاه العلمي الرابع الذي تتصدى له مخابر الدول المتقدمة، فهو تطوير أجهزة الدفع، وتكنولوجيا الحركة الذاتية، وينصرف هذا الجهد إلى تيارين: أحدهما مدني يتولى تطوير أجهزة الحركة في السيارات والطائرات، وقد نجحت روسيا في تطوير طائرة جديدة، فيما يرتبط الجانب العسكري بتطوير أنظمة الدفاع، وتشير المنشورات الأمريكية على شبكة الانترنت إلى أن الحكومة الأمريكية تختبر نتائج بحوثها الصاروخية في ثلاث قارات، في ثمانية مراكز هائلة، ولها الفضل في جر العديد من الدول الصناعية إلى مثل هذه البحوث العسكرية.
وتقوم مختبرات الفيزياء الدقيقة والكيمياء بمساندة أبحاث الطاقة والتقنيات الالكترونية، في حين ستكون البحوث العسكرية ونتائجها جزءاً من المخاطر، التي تهدد حياة الإنسان وحياة الأرض الطبيعية بكاملها.
وبالعودة... إلى نتائج نوبل «المكافآت» يمكن استقراء النتيجة التالية، هي أن الغرب يحاول أن يتجاوز النهوض الآسيوي الإفريقي، وهو لذلك يؤكد استحواذه على مفاتيح مستقبل حضارة المستقبل القريب، ترى هل يستطيع الغرب أن يحكم سيطرته من جديد, كأنه يستعمر الحضارة الإنسانية مثلما استعمر أبناء الإنسانية قبل دهر من الزمن؟!.

تفيد أبوخير