هناك شيء خاطئ في عبارة "يحق لكل شخص أن يرتدي ما يريد"!

مقال منقول

قد يصلح هذا المنطق عندما نقول: يحق لكل شخص أن يأكل ما يريد!
فالأكل علاقة خاصة للغاية بين المرء وجسده، لا أحد سيشعر بطعم الصلصلة الحارة على لسانك، ولا أحد سيزعجه أنك تأكل السمك مع المايونيز!

أما اللباس، فإنه ليس علاقة خاصة وخالصة بين المرء وجسده، بل إن له وظيفة اجتماعية، وهو في جزء كبير منه علاقة بين المرء ومجتمعه، وطريقة للتواصل، وشيء يشبه الحوار بين الإنسان ومحيطه.

ولذا نجد من يرتدي الماركات الغالية يريد أن يقول للآخرين "أنا غني"، ومن يرتدي الألوان الفاقعة يريد أن يقول "أنا جريء ومرح"، ومن يرتدي الملابس السوداء يريد أن يقول "أنا حزين أو غامض"، ومن يضع قبعة ووشاحا يريد أن يقول "أنا مثقف وأحب قراءة الشعر العمودي"!

إن كل قطعة ملابس هي عبارة ينطقها المرء بشفتين مطبقتين، مهما كانت هذه العبارة صاخبة أو هادئة.
ولا عجب أن الأزياء الجديدة تسمى"صيحات الموضة"، فكل قطعة ملابس هي صيحة في وجه المجتمع، وكلما كانت الملابس أكثر غرابة وتميزا، كانت الصيحة أعلى.. "انظروا .. أنا هنا.. التفتوا إلي!"

وإذا سلمنا أن من حق المرء أن يلبس ما يريد، فهل يعني هذا أنني سأتفاجأ برجل البريد يسلمني الطرد على باب منزلي وهو عاري الصدر، وسأتفاجأ بجاري يلقي علي تحية الصباح من الشرفة المجاورة بدون سروال؟
وهل يعني أن بإمكان زميلتي أن تأتي للعمل، وترفع ساقًا فوق ساق، وهي بملابس السباحة؟ أو أن موظفة الصندوق ستبيعني البقالة وثدياها مكشوفان؟

ما الذي يقوله لي هؤلاء إذن؟ وأي صيحة يصيحون في وجهي؟ وما العبارة التي يوجهونها إلي؟

إن لكل من هؤلاء جسدا، ولكن عليهم ألا ينسوا أن لي عينين أيضًا...
وإن عبارة "كل إنسان حر أن يرتدي ما يريد".. تعني ضمنيا أن مثل الخيارت متاحة، وأنني لن أعرف حينها أين أذهب بعيني.. إن حرية أجسادهم ستضيق على حرية بصري!
فنحن نحب حين نتواصل مع الآخرين أن ننظر في وجوههم، إن الصدور العارية، والأفخاذ المكشوفة تشتتنا عن ذلك، وتشعرنا بالتوتر وأننا في امتحان دائم، خاصة حين نتذكر الحقيقة الأزلية "إن الأجساد العارية مرتبطة بممارسة الجنس!"

وحين نقول أن كل إنسان حر في أن يرتدي ما يريد، فإننا نجعل ستر الجسد مثل تعريته، خياران لا فرق بينهما، وبالتالي نحن ننزع القيمة عن فعل الستر، ونجعله مساويا تماما لفعل التعري.

ولكن هذين الفعلين لا يمكن أن يتساويا، إن فعل الستر ذو قيمة إيجابية، لأنه يعني أن الشخص الذي يستر جسده، ويتحمل كلفة القماش، ودرجة الحر، وعبء كي الملابس، فإنه يفعل ذلك من أجل الآخرين، لأنه يعرف أن كشف جسده قد يشعر الكثيرين بعدم الارتياح..

كما أنه يفعل ذلك مضحيا بالأفضلية المجانية، التي قد يمنحها له جسده في المجتمع، إذا كان جسدا جميلًا.
فكشفُ الجسد قد يدخل النساء في منافسة غير عادلة على كسب اهتمام الرجال، تفوز فيها الأكثر شبابا وجمالا، حتى لو لم يكن هدف المرأة من كشف جسدها هو التنافس.. إن هذه الأفضلية أفضلية إجبارية، لا علاقة لها بنوايا المرأة، ولا يمكنها بالتالي رفضها أو الزهد بها..

كما أن كشف الجسد قد يدخل الرجال أيضًا في منافسة غير عادلة على نيل إعجاب النساء، يفوز فيها الأكثر حظًّا جينيا، والأطول نفسا في ممارسة التمارين الرياضية.. بينما يعاني الرجال نحيلو الجسد، ومتهدلو البطن من الإقصاء..

ولذا، فإن تجنيب المجتمع مثل هذه التوترات والمنافسات غير العادلة، باتخاذ قرار ستر الجسد، يعتبر فعلا إيجابيا ذو قيمة عالية، لا يجب نزعها أو التقليل منها..

أما فعل التعري، فإنه لا يحمل أي قيمة إيجابية، لأن الشخص يفعله لأجل نفسه، فهو يتحلل من كل الالتزامات التي يفرضها ارتداء ملابس ساترة، لأجل تحقيق راحته، دون أن يلقي بالا لما يمكن أن يسببه تعريه من عدم ارتياح للآخرين، وحد من حريتهم..

وقد يفعله المرء عندما يكون محظوظا جينيا، أورثه والده أكتافا عريضة، أو أورثتها أمها وركا مستديرًا ومؤخرة ممتلئة.. فالمرء هناك قد يغريه التمتع بهذه الأفضلية على الآخرين، حتى لو لم يكن له يد في الحصول عليها...

كل ذلك يجعل المساواة بين فعل الستر وفعل التعري من حيث القيمة حكما ظالما.

إنني أفهم أن من يستخدم عبارة "يحق للمرء أن يرتدي ما يريد"، يستخدمها للدفاع عن حرية المرء في اختيار لباسه، دون وصاية المجتمع، وأنا أيضا أتفق مع هذه الفكرة من حيث المبدأ.
ولذا ترعبني "الأزياء الموحدة"، دينية كانت أم مذهبية أم جماعاتية أم شيوعية، إنها تذكرني بأرتال الجنود، وبالدول الشمولية، وبمسلسل لعبة الحبار، وبفانتازيا الأخ الأكبر..

ولكننا في خضم دفاعنا عن حرية المرء في اختيار ملابسه، علينا أن نستخدم منطلقا أكثر تماسكا من عبارة "يحق لكل إنسان أن يلبس ما يريد"، لأنها ستنتهي بنا لأن يكون اللباس والعري شيئًا واحدًا.

أما مقدار ما يمكن للمرء أن يستره وأن يظهره من جسده، فهذا أمر يختلف بين المجتمعات والثقافات والأديان، فالحشمة مفهوم نسبي.
من حيث المبدأ أميل عمومًا إلى أن يكشف المرء من جسده ما يحتاجه للحركة والعمل، فيتخفف الجسد هنا من ارتباطه بجنس المرء وجاذبيته، إلى كونه أداة للعمل..
أما كل ما يذكر بجنسانية هذا الجسد دون إنسانيته، فالأكمل ستره، حتي يستطيع الناس أن ينظروا في عيون بعضهم البعض، دون أن يشعروا أنهم في امتحان أو في منافسة طوال الوقت!

أ . ديما مصطفى سكران

#مبادرة_إنصاف