. . . أكرمتني منذ يومين صحيفة الوطن السورية بأن نشرت مقالي عن الشاعر أنور العطار .
. . . وهذا نص المقال مع الرابط لمن يرغب بالاطلاع عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...................................... الشاعر أنور العطار ......................................
. . . إذا كان لكل مهنة علامات تدل عليها وإشارات تشير إليها فإن لمهنة الشعر علامات تجسدت في روح أنور العطار وإشارات سمت على محياه ؛ حتى لتكادُ تلك الإشارات والعلامات تنطق بشعره وهو صامت ، إذا ما تراه إلا ساهماً هائماً حالما .
. . . ولد أنور العطار عام 1913 في أجواء الحرب ، ولد محاطاً بالفقر واليتم فنشأ والحزن يعتمل في نفسه ؛ فقد توفي أبوه صغيرا فكفله أخوه الأكبر ، لم يفرح فرح الأطفال ، ولم يلهُ لهو الشباب ، فعاش منطويا على نفسه بعيداً عن المجتمع والناس .
. . . درس المرحلة الابتدائية في بعلبك ، والثانوية في مكتب عنبر ، وتخرج من كلية الآداب في جامعة دمشق .
. . . إن رجلاً كهذا ذا نفسٍ مرهفة وحسٍّ ذائق لَهوَ أرضٌ خصبةٌ لقريحةٍ شعريةٍ متميزة ، كيف لا وقد كان دوماً كأنه في حالةِ شبهِ غيبوبة ، ينظرُ إلى الشخص وكأنه لا يراه ، يعيشُ في عالمٍ آخر يتابعُ أحلامه الضائعة . . . حتى إذا ما توفَّر له لسانٌ فصيحٌ وواتتْهُ لغةٌ رائقة انطلقت شاعريته تدغدغُ خيالَهُ وتُلهِمُهُ أبكار المعاني فأتى بقصيدته الأولى وهو في التاسعة عشرة من عمره ، وهي ستة وخمسون بيتاً ، عنوانها ( الشاعر ) ، وصف فيها الشاعر وحلل مشاعره بدقة كبيرة ( الشاعر ) ، وكان مطلعها :
خليَّاه ينُحْ على عذباتِهِ
ويَصُغ من دموعِهِ آياتِهِ
ويرتِّلُ آياتِهِ بخشوعٍ
مُستمِدَّاً من العُلى نفحاتِهِ
. . . لقد عشِق أنور العطار الطبيعة وفني فيها حتى أسَرَه حبها فكان مثالاً كبيراً لبراعة الوصف ودقة التصوير . . . ها هو يصف الغوطة وصفا شاعريا دقيقا ؛ يقول :
عالم من نضارة واخضرار
فاتن الوشي عبقري الإطار
وأقاصيصُ تُسكر القلب والرو
ح روتها قيثارة الأطيار
وأناشيد رددتها السواقي
والتفاف الأنهار بالأنهار
. . . ويندفع الشاعر في تصوير الطبيعة متأثراُ بجالها الأخاذ وسحرها النفاذ فتتوالى القصائد ملأى بأبكار المعاني وفرائد الأبيات . . . انظر إليه كيف يصور المنتزه الشهير ( دمر ) بأجمل الصور :
كل شيء يحيا بدمر فالسط
ح يغني والدوح يندى ويعبق
هوذا الياسمين مد على الصخـ
ر شباكاً من نوره وتسلق
تتغنى الحقول سكرى من العطـ
ر ومن سجعة الحمام المطوق
. . . وحين توفي أنور العطار رحل بصمت ولم يشعر برحيله إلا القليل ، ولم تكترث الصحافة كثيرا لوفاته ولم تنشر عن ذلك إلا أقل القليل ؛ ولعل السبب في ذلك أن أنور العطار قد ظلم نفسه في حياته حين اعتزل النقاد ولم يتصل بأرباب الصحافة .
وكم في تاريخ الأدب من شعراء وكتاب كبار ظلموا أنفسهم حين اختاروا العزلة وحجبوا أنفسهم عن الأضواء .
ألا ليت الصحافة تعود لتكرم الشاعر الكبير أنور العطار الذي ظلم نفسه حيا وظلمناه ميتا .
ظلمته الصحافة . . . وظلم نفسه حيا . . . وظلمه الناس ميتا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ أنس تللو