وداعاً أيها الشامي العتيق...

كان لقائي الأول به قبل قرابة العشر سنوات، عندما طلب مساعدتي على تصوير قصر الأمير عبد القادر الجزائري في زقاق النقيب في حيّ العمارة. عرّف عن نفسه قائلاً: "أنا مثلك...شامي عتيق...مصوّر...بحب دمشق...وبحب أمي."

سألته: "كيف بدي اعرفك؟"

فأجاب: "ما بضيّع حدى...فردة مالي أخت."

دخلت إلى بهو فندق الأورينت بالاس في ساحة الحجاز، حيث كان موعد اللقاء، ووجدت رجلاً وسيماً انيقاً بشوشاً يرتدي قبعة أجنبية مصنوعة من القش، يشبه في هندامه سوّاح أيام زمان. "عرفتني؟ أنا محمود نويلاتي."

من يومها ولدت صداقة جميلة بيننا، تخللها الكثير من الجلسات الوجدانية، دار فيها أحاديث مطوّلة عن الشّام وأهلها، عن ماضيها الجميل وحاضرها المُتعب. كان يمر على مكتبي في سوق ساروجا بشكل دوري، راكباً على دراجاته الهوائية، إمّا للسلام أو لمناقشة صورة معينة. وعندما أطلقت صفحة "وشوشات شامي عتيق" سنة 2014 أوجد لها محمود باباً يُدعى "عتيق بالألوان" لنشر صورة أسبوعية عن امكنة دمشق العتيقة، يقوم بالتقاطها بنفسه.

لعلها صدفة بأني أغلقت صفحة "وشوشات شامي عتيق" يوم أمس، قبل ساعات قليلة من سماعي خبر صادم: وفاة محمود. مات الشامي العتيق قبل أن يرى شامه متعافية، وكان آخر تواصل بيننا في يوم 17 تشرين الأول 2021 عندما اتصل لتهنئتي بعيد المولد النبوي، وقد شاركني بصورة له من داخل الجامع الأموي.

صورة الجامع لاتزال محفوظة على جوالي وصورة محمود لا تفارق مخيلتي منذ الصباح الباكر وهو يقول: "أنا فردة مالي أخت." كان فعلاً كذلك، رجلاً فريداً، أنيساً، خدوماً، شهماً، وعاشقاً لأهله ولمدينته. لقد رسم البسمة على وجه كل من عرفه وترك جرحاً نازفاً في قلب كل من أحبه.

بكرت كتير يا محمود...ولكن قدر الله وماشاء فعل. نلتقي بمكان أفضل في يوم من الأيام....إلى أن يحين ذلك اليوم، وداعاً يا صديقي العزيز، أيها الشامي العتيق.
منقول