تبادل الناس يوم الجمعة التهاني بقولهم: (جمعة مباركة أو طيبة أو معطرة) ليس بدعة منكرة؟

ورد علي تسجيل بصوت امرأة تحذر فيه بشدة مجموعتها في "الواتساب" من التهنئة في يوم الجمعة بكلمة: (جمعة مباركة) أو (جمعة طيبة) أو (جمعة معطرة) وحتى لو كانت بصيغة الدعاء؛ مثل: (طيب الله جمعتك)؛ وبأن كل ذلك بدعة وضلالة من يهنئ به يدخل النار، وتحلف بالله الذي لا إله إلا هو على أن من فعل ذلك آثم ومذنب؛ مستدلة بقول النبيﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وأن من يفعل ذلك سيكون مثل اليهود الذين مسخهم الله قردة وخنازير...
وكانت زوجتي الكريمة معهن في المجموعة فسألتني عن صحة ذلك؟

فأجبتها بما يلي:

أولا: يجب أن نعلم أن يوم الجمعة عيد من أعياد المسلمين لغة وشرعا:
أما في اللغة؛ فالجمعة عيد اتفاقا؛ لأنه يعود علينا كل أسبوع؛ وكل يوم عاد عليك بذكرى معينة أو حالة معينة فهو عيد لغة بالنسبة لك؛ مثل: الأعياد الوطنية لكل دولة، وحتى دولة بلاد الحرمين فيها هذه الأعياد الوطنية اللغوية، ويهنئ بعض العلماء بعضا هناك رسميا.
قال القاضي عياض المالكي: "سمي العيد عيدا لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وقيل: بل بعوده بالفرح والسرور على الناس، وقيل: تفاؤلا لأن يعود على من أدركه من الناس، كما سميت القافلة فى ابتداء خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة وهو رجوعها"(1). وقال العلامة الخرشي المالكي: "...والعيد أيضا ما عاد من همٍّ أو غيره"(2). وفي هذا قال الشاعر المتنبي:
عيد بأية حال عدت يا عيد * بما مضى أم بأمر فيك تجديد(3)
أما في الشرع؛ فالراجح أن الجمعة أيضا عيد؛ قال ابن تيمية: "يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد"(4)، وقال تلميذه ابن القيم في خصائص الجمعة: "الثالثة عشرة: أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع"(5)، وقال بدر الدين العيني الحنفي: "يوم الجمعة عيد المؤمنين باعتبار ما لهم من وعد المغفرة والكفارة"(6)؛ ودليله ما روى ابن ماجه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللهﷺ: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين؛ فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيب فليمس منه، وعليكم بالسواك»(7).
وفي مقابل الراجح أن الجمعة سمي عيدا من باب التشبيه فقط؛ قال فيه العلامة الخرشي: "مشتق من العَوْد وهو الرجوع والمعاودة؛ لأنه يتكرر لأوقاته، ولا يرد مشاركة غيره له في ذلك؛ كيوم الجمعة ويوم عرفة؛ فلا يقال لشيء من ذلك عيد، وإن كان قد جاء «أنَّ يوم الجمعة عيد المؤمنين» فمن باب التشبيه؛ بدليل أنه عند الإطلاق لم يتبادر الذهن إلى الجمعة ألبتة؛ إذ لا يلزم اطراد وجه التسمية"(8).

ثانيا: يجب أن نعلم أن التهنئة بما جرى به عرف الناس وعاداتهم في عيد الجمعة: (جمعة مباركة) أو (جمعة طيبة) أو (جمعة معطرة) هو من العادة وليس من العبادة؛ والعادة هي ما تعارف الناس عليه واتفقوا على فعله؛ إما تلقائيا، أو فرض عليهم قانونيا، وتسمى بالعرف، والعرف دليل من الأدلة الشرعية المعتبرة في الفقه إذا لم يخالف بقية الأدلة الشرعية، ومنها: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستصحاب، والاستصلاح، والاستحسان، وسد الذرائع، ومراعاة الخلاف، والأخذ بأقل ماقيل... وغيرها، ولا يصح شرعا ولا يمكن واقعا أن نأتي لكل شيء بدليل من القرآن والسنة.

ثالثا: يجب أن نعلم أن التهنئة بمثل: (جمعة مباركة) أو (جمعة طيبة) أو (جمعة معطرة) هي أمور توفيقية وليست توقيفية؛ بمعنى أن الناس وُفِّقوا للأخذ بها عادة وليس أمورا تتوقف على نصوص شرعية محددة؛ والأمور التوفيقية ننظر فيها فقط ألا تخالف الشرع لتكون جائزة.

رابعا: يجب أن نفرق بين البدعة في العادة، والبدعة في العبادة؛ نعم متفقون جميعا على أن «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»؛ ولكن ما معنى هذه البدعة؟
1) البدعة في العبادات هي: كل أمر اتخذ للتعبد ليس له أصل من فعل الرسولﷺ ولا من قوله ولو بصيغة العموم؛ مثلا: القراءة جماعة أو الحزب الراتب كما جرى عندنا في المملكة المغربية أبا عن جد ليس بدعة؛ لأنه يدخل ضمن عموم قول الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}(9)، وأنا هنا أتحدث عن القراة جماعة ولا أتحدث عن بعض الكيفيات التي فيها مخالفات.
وأصلها ما روى النسائي (وصححه اللألباني) عن عقبة بن عامر الجهني قال: بينا أنا أقود برسول اللهﷺ راحلته في غزوة إذ قال: «يا عقبة؛ قل»، فاستمعتُ، ثم قال: «يا عقبة؛ قل»، فاستمعتُ فقالها الثالثة؛ فقلت: ما أقول؟ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، وقرأتُ معه حتى ختمها، ثم قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }، فقرأتُ معه حتى ختمها، ثم قال: «ما تعوذ بمثلهن أحد»؛ فقوله: «قرأت معه» يدل على القراءة جماعة(10).
2) البدعة في العادات؛ هي: كل أمر اتخذه الناس لهدف دنيوي متلبس بأحد الأمرين:
الأمر الأول: متلبس بمخالفة دليل شرعي؛ مثلا: الاختلاط مع العري بدعة ضلالة؛ فمن حق كل واحد (رجلا أو امرأة) أن يتعرى لكن إذا كان وحده أو مع زوجه، ومن حق كل واحد أن يختلط مع غيره لكن إذا ستر عورته؛ فالاختلاط مع العري هو البدعة الضلالة المخالف للأدلة الشرعية، وقل مثل هذا في كل المصائب التي خالفت الأدلة الشرعية؛ مثل المخدرات، والاعتداء على أغراض الناس في الواقع، وعلى أعراض الناس في المواقع... وغير ذلك.
الأمر الثاني: متلبس بالتشبه بغير المسلمين؛ مثل التهنئة بأعياد رأس السنة، ومثل ما تفرضه آخر صيحات "الموضة" من الألبسة والهيئات وقصات الشعر على الذكور والإناث معا.

خامسا: التهاني عموما هي من العادات؛ والأصل في العادات الإباحة، عن طريق دليل الاستصحاب؛ بل هي تدل على العلاقات الطيبة وجميل الأخلاق وحسن الجوار، وتركها يدل على الجفاء الأخلاقي والجفاف السلوكي؛ وللإمام السيوطي كتاب خاص بالتهاني سماه: "وصول الأماني بأصول التهاني" أورد في خاتمته حديثا يجعل التهاني من حقوق الجار ونصه: أن رسول اللهﷺ قال: «أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنتَه، وإن استقرضك أقرضتَه، وإن أصابه خير هنأتَه، وإن أصابته مصيبة عزيْتَه»(11)؛ والحديث وإن ضعفه العلماء فقد أرود السخاوي عقبه ما يدل على جواز الأخذ به فقال: "بل أقوى منه ما في الصحيحين من قيام طلحة لكعب -رضي الله عنه- وتهنئته بتوبة الله عليه"(12)؛ يشير إلى قول كعب بن مالك: «فقام إلي طلحة بن عبيد الله يُهَرْوِلُ حتى صافحني وهنَّأني»(13)؛ ويقصد بالتوبة قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(14).

سادسا: هذا أمر عادي لا يمكن أن نقول فيه (حرام) إلا بدليل، ومن التشدد والتنطع أن ندرجه في البدعة الضلالة التي تؤدي إلى النار، وأن نهدد من فعله بالمسخ قردة وخنازير، وما أفسد هذا الدين على مر العصور إلا المتشددون الذين قال فيهم النبيﷺ: «إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكُهُم»(15)، وقال أيضا: «هلك المُتَنَطِّعُون؛ قالها ثلاثا»(16).

سابعا: نعم؛ هناك فتاوى عابرة للقارات وفدت علينا من الشرق تقول بأن ذلك بدعة؛ مثل فتوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ سليمان الماجد حفظهما الله(17)؛ وهذا على مذهبهم المعروف بالإكثار من التبديع والتكفير.

الخلاصة: بناء على ما سبق فإن قولك لأخيك المسلم يوم الجمعة: (جمعة مباركة أو طيبة أو معطرة) ليس عبادة توقيفية؛ بل هو عادة توفيقية وعرف لم يخالف نصا شرعيا، وليس فيه تشبه بغير المسلمين؛ لأنهم لا يعترفون -ولا يعرفون أصلا- بعيد الجمعة؛ فهو جائز ولا حرج فيه إن شاء الله.
هذا فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فسبحان الله.

الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض: (3/289)، وشرح النووي على مسلم: (6/171).
(2) شرح مختصر خليل للخرشي: (2/98).
(3) شرح ديوان المتنبي لعبد الرحمن البرقوقي: (2/139).
(4) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (24/211)
(5) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم: (1/369).
(6) البناية شرح الهداية للعيني: (3/97).
(7) سنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلوات: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة: (ح: 1098).
(8) شرح مختصر خليل للخرشي (2/98).
(9) [المزمل: 18].
(10) سنن النسائي: كتاب الاستعاذة: (ح: 5430)، وصحيح سنن النسائي للألباني: (3/1104 و1105).
(11) وصول الأماني بأصول التهاني للسيوطي: (ص: 49 و50)، تحقيق يحي بن علي الحجوري.
(12) المقاصد الحسنة للسخاوي: (ص: 271)، وانظر أيضا: كشف الخفاء للعجلوني: (1/368).
(13) صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب حديث كعب بن مالك: (ح:4418)، وصحيح مسلم: كتاب التوبة: باب حديث توبة كعب بن مالك: (ح:2769).
(14) [التوبة: 119].
(15) أخرجه الإمامان مالك ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: في الموطأ: كتاب الكلام: باب ما يكره من الكلام: (ح: 3607)، وصحيح مسلم: كتاب البر والصلة: باب النهي عن قول: هلك الناس: (ح: 2623).
(16) أخرجه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: كتاب العلم: باب هلك المتنطعون: (ح:2670).
(17) ينظر موقع: (الإسلام سؤال وجواب).

خادمكم: عبد الله بنطاهر
إمام وخطيب مسجد الإمام البخاري أكادير
29 ربيع الأول 1441هـ 27/ 11/ 2019م.