تلخيص كتاب الجنس الآخر ل سيمون ذي بوفوار

يعدّ كتاب "الجنس الآخر" كتابا فلسفيّا مهمّا في نشاةِ الحركات النسوية الغربية يتضمن تحليلا مفصلا حول تاريخ اضطهاد المراة التي عاشت طويلا في ظل السلطة "الابوية" او ما يعرف "بالبطرياركية" ويناقش سؤالين مركزيين: كيف وصل الحال بالمراة الى ما هو عليه اليوم بان تكون "الآخر" ولماذا لم تتعاون النساء وتعمل جنبا الى جنب لمواجهة الواقع الذكوري الذي فرض عليهم متتبعة الاسباب المانعة لذلك محاوِلة من خلال هذيْن السؤالين الوصول بالمراة الى الحصول على حرياتها المسلوبة في المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه

صدر الكتاب لاول مرة بالفرنسية عام 1949 واعتبِر العمل الرئيس للفلسفة النسوية ومحركا لانطلاق الموجة الثانية من النسوية وقد كتبته "بوفوار" في حوالي 14 شهرا عندما كان عمرها 38 سنة ونشرته في مجلدين وقد صنف في الفاتيكان على انه كتاب تنويري ووضع على قائمة الكتب المحرمة حتى الغيت هذه القائمة عام 1966

يناقش كتاب "الجنس الآخر" الجدلية التي اثيرت حول ماهية المراة والرجل فالرجل يعتبر جسمه مستقلّا يتصل مع العالم اتصالا حرا خاضعا لارادته اما جسم المراة فهو حافل بالقيود فالمراة بمفهومها هي "انثى" والرجل "ذكر" كما يتطرق الى اسئلة مثل: من الذي سمح للرجل ان يترفع باصله الذكوري ومن الذي حدد جنس المراة كجنس دنيوي وهما جنسان من اصل واحد لا تمييز بينهما سوى اعضاء خصِّصت للذكر واخرى للانثى هدفها التكاثر والتناسل وقد حددت بيولوجيّا بما لا يمكن تغييره فلم يظلم المجتمع جنسا دون آخر؟ ولماذا صنع الرجال تاريخ المراة وامسكوا بمصيرها ولم يقروا بمصلحتها بل اخذوا اهدافهم ومخاوفهم وحاجاتهم

لقد اوضح "الجنس الآخر" ان المعطيات البيولوجية التي حددت مفهوم الذكر والانثى بالاعضاء التناسلية ليست مبررا للنظر الى المراة على انها "جنس آخر" والتعامل معها وتقرير مصيرها والحكم عليها بناء على تلك المعطيات او تحديد التمايز بين الجنسين بناء عليها وقد ناقش "الجنس الآخر" رايا لفرويد لتفسير "الآخر" فهو يرى ان السلوك البشري ينجم عن الرغبة وان النقص عند المراة حاصلٌ من حرمانها من العضو الذكوري الذي يعتبر امتيازا خاصّا بالذكر وقد رات بفوار ان التحليل النفسي لاعتبار المراة "جنسا آخر" بناء على العضو الذكوري تحليلا غير مقنع

وفي دراسة الكتاب للاسباب التاريخية للسيطرة على المراة يعرض فكرة ان المجتمع الانساني كان امميّا ثم تطور حتى انقلبت موازين السلطة من المراة الى الرجل فاصبح العالم ذكوريّا والمراة المسيطرة اصبحت امراة تابعة وهي جزء من ملكية فردية خاصة برجل بذاته وهنا دخلت المراة مرحلة من الصراع الذاتي الداخلي حول "انوثتها ورغبتها في ان تكون "كيانا مستقلا" غير تابع لاحد انما لنفسها فقط ففي طفولتها تربى لتصبح امراة وهنا تدخل مرحلة اكتشاف "الانثى" ويتبلور ذلك الشعور في مرحلة المراهقة عندما تظهر عليها علامات الانوثة وتكتشف اسرار جسدها وغموضه لتصبح امراة انثى بكل المقاييس وتهيّا لتصبح زوجة رجل تكون تابعة له وخاضعة بجسدها الانثوي وفي هذه المرحلة التي تخضع فيه بجسدها الانثوي للرجل خضوعا جنسيّا تدخل المراة مرحلة الصراع الداخلي وتجد نفسها "جنسا آخرا" يتمتع فيه الرجل كيفما اراد وهذا "الآخر" لا وجود له امام الرجل صاحب الكيان المستقل بذاته بعيدا عن حضور المراة والذي يجد في جسد المراة متاعا يحاول من خلاله الغاء شخصها كونها ملكا مطلقا للرجل

وبحسب ما ورد في كتاب الجنس الآخر فان "الرجل هو الذي يمسك زمام المبادرة في اغلب الاحيان فيغازلها ويداعبها وتتلقى غزله وعروضه بكل استسلام وسلبية فهو الذي يقودها الى المخدع" وحين تصبح زوجته فان البيت هو نهايتها وهنا تنتقل الى لتصبح ربة منزل شغلها الشاغل رعاية البيت وتربية الابناء والخضوع خضوعا اجتماعيّا وماديّا تاما للرجل وهذه النظرة من المراة لذاتها ومسلكها مع ذاتها بهذا الشكل دون اي محاولة منها لتغيير هذا الوضع او الخروج عنه اما خوفا من هجر الرجل لها او نظرة المجتمع المحتقرة لها والمقللة من شانها هو ما يؤكد فرضية ان المراة ذاتها هي من حولت نفسها لـ "جنس آخر" بالنسبة للرجل

وقد تطرق الكتاب الى نقاط مهمة منها ان المراة لا تؤمن بتحريرها فهي ترى حريتها ضمن نطاق منزلها وتلك انموذج للمراة الراضخة للواقع والتي تجد في معنى الحرية الفضفاض "انحلالا اخلاقيّا" وعلى النقيض تماما فهناك نساء تمردن على عادات المجتمع وقيوده ويجدن في الحرية منطلقا لتحقيق رغباتهن واحلامهن فالحرية بمعناها الواسع "حرية الفكر والتعبير والحياة"

اما النقطة الثانية التي ناقشها الكتاب فهي "اذا ما حررنا المراة فاننا نحرر الرجل ولكنه يخشى ذلك" فهل يخشى الرجل من حرية المراة ام من تفوقها عليه؟ وهو الذي كان بطبيعته مسيطرا على انسان ضعيف اسمه "امراة"؟ ويذهب الكتاب الى ان الرجل ايضا مسلوب الارادة في مجتمعه بسبب الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمارس عليه صنوف القمع ولا يشعر بالحرية لذلك يتجه الى السيطرة على المراة الضعيفة لضعفه امام السلطة الاعلى منه وما دام الرجل خاضعا لسلطة عليا غير قادر على التحرر منها فبالتالي لن يتحرر ولن تتحرر المراة الخاضعة لسلطته وهذا ما يجعل الرجل يعتبر المراة هي "الآخر" غير معترف بانها كيان منفصل عنه وهي لا تستطيع الاستغناء عنه لحاجتها له وينسى حقيقة انه ايضا لا يمكن له الاستغناء عن المراة فحاجته لها اكثر من حاجتها اليه

ويناقش كتاب "الجنس الآخر" ظلم المراة للمراة من خلال حلقة دائرية تتكرر فيها الظروف نفسها فالمراة المضطهدة او التي عانت من ظلم مجتمعها الذكوري ومن محاباة الذكر على المراة في التعليم والحياة السياسية والاجتماعية تنقل لابنتها الظروف ذاتها والظلم ذاته دون ان تحاول التغيير من واقع ابنتها ثم تضغط على ابنتها لتزويجها وان كان طموح ابنتها يخالف فكرة الزواج وعندما تتزوج الفتاة وتكون حياتها الخاصة في بيتها الخاص التابعة فيه للذكر تعود لتعيد دائرة الظلم ذاتها التي عانتها وتفضيل الذكر عليها رغم ذكائها على ابنتها دون مراعاة لرغباتها وتطلعاتها لحياة حرة تعيش فيه صنو الرجل

ويرى الكتاب ان تكرار الظلم بدائرة مغلقة ومستمرة يشعر المراة بانها لم تحقق شيئا لذاتها امام حياتها الذي قدمتها للآخرين ولذلك يقدم الكتاب تصورا لحصول المراة على حريتها ويكون ذلك من خلال عمل المراة وحصولها على استقلالها المادي الذي يجعلها مكتفية بذاتها دون حاجتها للآخرين وبالتالي يتيح لها مجالا اكبر للالتفات لحقوقها الاجتماعية كالطلاق وحضانة الطفل والاجهاض وحقوقها السياسية كالانتخاب والعمل او حتى حقها في ان يكون الرجل في حياتها خيارا لا شرطا فتعيش حياتها كاملة دون الاقتران برجل وهذا التصور الاخير لحق المراة في اختيار عدم الاقتران برجل والزواج منه او الخضوع له بتاتا قد يدفع الكثيرات لاختيار الجنس المثيل بدلا من الرجل فتمارس السحاق.