البيئة الكمومية تفضي إلى نمط جديد من الحواسيب تذهل منه العقول ...
هشام الخاني

لو تفكر أحدنا لرأى من آيات وإبداع الله ما يؤكد بأن كل موجود في الكون قد سخره الله لخدمة الإنسان الذي أراده خليفة له على الأرض. فالتفكر أمر من الله، وهو خير وفائدة وتوسيع للمدارك، وزيادة في اليقين برحمة الله بعباده وحبه لهم. وكم هو الفرق كبير بين المتفكرين وبين أولئك الذين يقتلون الوقت ويرثون الخسارة مما تمتلئ به الوسائط اليوم من التفاهة والعبث والغرور والهراء.

منذ فترة وأنا أتابع أخبار ما يسمى بالحواسب الكمومية (أو الكوانتية). فالحواسب الكمومية هي شبيهة بحواسب اليوم لكنها تستند إلى تقنية حديثة من شأنها أن ترفع سعة التخزين إلى مليارات الأضعاف مقارنة بأعلى السعات التي نعرفها اليوم، وأن تزيد من سرعة المعالجة وفق تصاعد أسي ربما يبلغ المليارات من الترددات المقيسة بالتيراهيرتز مما نقتني اليوم بل ويزيد ... الأمر الذي يجعل مثل هذه الحواسيب قادرة في أجزاء قليلة من الثانية على إنجاز العمليات التي تحتاج أعظم المعالجات اليوم لأزمنة طويلة كي تنجزها.

مامن شك بأن هذا الخرق الذي بات وشيكا سوف يغير نمط وأسلوب معيشة البشرية رأسا على عقب. فكما كان أحدنا منذ عقدين أو يزيد لا يمكنه تصور ما تفعله اليوم تقنيات الاتصال والمعلومات التي جعلت الأرض جميعا بمثابة حيز صغير سهل المنال في الوصول والتواصل، فإننا اليوم أمام تقنية جديدة يوشك العلم أن يبلغها ... فلئن برزت هذه التقنية إلى متناول الإنسان باتت الحياة مختلفة بكل ما فيها بشكل لا يصدق .. إيجابا فيما لو استغلت لصالح الخير وفائدة للبشرية والعكس بالعكس.

نجهل جميعا الكثير من الآيات المذهلة التي فطر الله عليها كثيرا من مخلوقاته. ورغم أن المقام لا يناسب الغوص في الشرح والتفصيل العلمي في المفهوم الكمومي، إلا أنه يتوجب على الناس أن يعلموا بأن للذرات والجسيمات المتناهية في الصغر (الذرات ومكوناتها مثل الالكترونات والنيوترونات والفوتونات ... الخ) أساليب وقوانين للحركة والتحريك تختلف تماما عما ألفناه فيما يتعلق بالأجسام الملموسة والكبيرة نسبيا مما نتعامل معه في حياتنا. ولقد أفضت هذه الخصوصية التي تنفرد بها الجسيمات المتناهية في الصغر إلى ما يسمى بعلم الفيزياء الكمومية Quantum Physics ذلك العلم الذي كان له الأثر الهائل في فهم الفيزياء النووية، وطبيعة الذرات، وسلوك ومسالك الالكترونيات التي أمست جزء لا يتجزأ من حياة البشر.

إن التطور التقني الذي قاد إلى عتبة إنجاز مثل هذه الحواسيب ليس إلا خطوة من قبل الإنسان في محاكاة منطقية للسلوك الذي فطر الله عليه الذرات والأجسام المتناهية في الصغر. ولولا أن الله كشف هذا الغيب (أي النمطية الكمومية) لأهل العلم من الناس، من خلال تسخيرهم بإذنه ليقوموا بالتفكر والقياس والتجارب، لما كان من الممكن أن يصل الإنسان إلى هذا الإنجاز عبر محاكاة مبادئ الميكانيك الكمي والاستفادة من قوانينه لصالح تخزين ومعالجة المعلومات. وإن الوحدة التخزينية (البت Bit) توشك أن تستبدل بوحدة تخزينية أخرى أسمها (ال Qbit ) ليتبدل الحال عند الإنجاز والتطبيق الفعلي إلى واقع يصعب التنبؤ بأبعاده.

إن المتمعن في أمر الفيزياء والميكانيك الكمومي Quantum Mechanics يجد تباينا حقيقيا مقارنة بما ألف من قوانين الفيزياء والميكانيك التقليديان (ميكانيك نيوتن)، لكنها فطرة الله تفرض نفسها بأمر ربها في الآفاق وفي الأنفس. ولولا أن الله (تعالى) قد فطر هذه المكونات الصغيرة جدا على هذا النمط المبدع من الحركة والتفاعل لفني الكون من أساسه، ولانعدم استقرار الذرات، ولربما أضحت المواد تتحرك من تلقاء نفسها أو تتبخر أو تتصعد أو تنشطر أو سوى ذلك دون أي مؤثر ... الأمر الذي يفضي دون شك إلى انعدام الحياة على الأرض.
.....