"عقــــارب" في العدد (816) من مجلة أسامة (أيار 2021)
قصة: ميساء الحلواني
رسوم: صباح كلا
.................................................. .............
دخلَ عمر من الباب يحملُ حقيبةَ التَّدرُّب، ويَـجُـرُّ أذيالَ الـخيبة. ركلَ الأرضَ، وجلسَ غاضباً: فاتَـتْني الحافلة. تأخّرتُ مُـجدّداً.
قالت الأمُّ بأسف: كان التَّدرُّبُ مهـمّـاً اليوم.
نظرَ عمر إلى الساعة الـمُعلّقة على الحائط بغيظٍ، وشعرَ بعقاربِـها كأنّها تضحكُ عليه، فقال: هذه الساعةُ تعملُ ضدّي دائماً. تضعُ لـيَ الكمائنَ لتَسبِقَني. تُباغِتُني بعقاربها دائماً، وأجدُها قد تَـجاوزَتْني حقاً. تركضُ، فيصبحُ موعدي وراءَها، إنها تكرهُـني.
فكّرتْ أمُّهُ مليّاً، ثـمّ قالت: إنْ كنتَ تَظُـنُّها عَدُوّتَك فـخُذْ حذرَكَ منها، واعملْ لها كمائنَ أيضاً.
تـعجّبَ عمر، وسألَ: كيف يا أمّـي؟!
تَلفّتَتِ الأمُّ يميناً وشمالاً، ثـمّ همستْ لعمر كأنّـها تخشى أن تسمعَـها العقارب:
أعِـدَّ نفسَكَ لـمُجابَـهتِـها. حارِبْـها بالسِّلاح الذي تُـحارِبُكَ به. اسبِقْها، واجْعَلْها لا تُبصِر مواعيدَكَ إلّا وهي مُـنـجَـزَة!
همسَ عمر لأمِّـهِ أيضاً: هذه العقاربُ سريعةٌ ومُـخاتِلَة، أظنُّها لأوّلِ وهلةٍ في مكانٍ بعيد عن موعدي، فأنشغلُ قليلاً، ثـمّ أعودُ، فأجدُها قد تَـحرّكتْ، كأنّـها تقصدُ القفـزَ حينما لا أكونُ مُنتبهاً، وتتعمّدُ البُطءَ والكسلَ أمام ناظري.
أجابتِ الأمُّ ضاحكةً:
لقد عرفتَ طبْعَ الوقت يا عمر! إنّهُ يـمـرُّ بسرعةٍ في غفلتِكَ عنه، ويمـرُّ ببُطءٍ حينما تنتبهُ له.
سألَ عمر بحماس: هل يحدثُ هذا معَكِ أيضاً؟
أجابتِ الأمُّ: يحدثُ هذا معَ الجميع.
فكّر عمر، ثـمّ صاح: سأخـبِّئُ مواعيدي عن العقارب، وأُعِـدُّ نفسي سرّاً قبلَ أن يحينَ موعدُ التَّدرُّب، وسأصِلُ قبلَـها كي تصلَ إلى الـموعد، فتَـجِدَني قد تَـجاوَزْتُـها، وخلّفتُـها ورائي.
ضحكتِ الأمُّ، ومَسَـحَـتْ على رأسِ صغيرها، وقالتْ له: ستُواجِهُ العقاربَ إذاً؟!
أجابَ عمر بـجِدٍّ وحزمٍ بالِغَينِ: نعم، إنّـها الحرب!
في اليوم التالي، صعدَ عمر الحافلةَ، وضحكةُ الـمُنتصر باديةٌ على وجهه، وجلسَ على كُرسيِّه، وهمسَ لنفسِه:
وأخيراً تَغلّبتُ على تلك العقارب. لقد سَبقتُها...