ومضة من الشيخ"الكَمَلي" : جماعتان و مسجد واحد!!
من شرح الشيخ سعيد الكملي – حفظه الله -الحلقة "61": قال حفظه الله : (الأصل عند الإمام مالك – رحمه الله – أن المسجد الذي له إمام راتب،لا تصلى فيه صلاة واحدة مرتين جماعة.(..) لماذا ؟ قال : لأن صلاة الجماعة إنما شُرعت لجمع الكلمة ،وتأليف القلوب ،وتكثير سواد المسلمين،والتشاور في مصالح أمورهم،ولا ينبغي أن يتطرق إليها التبعيض والتشتيت. يعني إذا بُعضت وشُتت ترتب على ذلك عدم حرص الناس على إدراك الجماعة ،لأن هذا الإنسان "جالس فدارو يتفرج في الكورة "لن يقوم إلى الصلاة لأنه يعلم أنه وقت ما ذهب إلى المسجد سيجد جماعة يصلي معها.سيؤدي ذلك إلى هذا الذي ذكرنا،وإلى تنافر القلوب،وإلى تشتيت الكلمة،وإلى تطرق أهل البدع والنفاق إلى بدعهم ونفاقهم،وإلى مخالفة الأئمة،وإلى الافتئات على الإمام : الآنه ها هو هذا الإمام في هذا المسجد،فما بالك أنت تصير إماما وذاك يصير إماما .. وذاك يصير إماما.){ شرح الموطأ،الحلقة"61"}. قلتُ : وإن كان الكلام هنا عن "الجماعة"في المسجد .. إلا أن الفكرة تبدو أعمق وأشمل .. وكأنها تنظر إلى"الجماعة"بمعنى الأمة كلها .. والخوف عليها من تشتت الأمر .. ولعلنا في زمن الشتات و"الدولة القطرية" – لكل قطر علم وحدود ونشيد وطني – لا نستطيع تصور الأمر الذي كان يخشاه الإمام "مالك" – وغيره من العلماء،رحم الله والديّ ورحمهم جميعا – وذلك لأن الذي يخشاه قد وقعا. كما قال أوس بت حجر :
أيتها النفس أجملي جزعا*إن الذي تحذرين قد وقعا
ولعل الذي لم يكن أحد من العلماء يتصوره قد وقع !! أعني قيام جماعتين – ممن فاتتهم الجماعة الأولى – في وقت واحد!! وقد رأيتُ ذلك أكثر من مرة،وفي أكثر من مسجد.. أما في مسجد سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإذا سلم الإمام الراتب .. قامت عشرات الجماعات .. في أركان المسجد!! أشار الشيخ"الكملي"- حفظه الله – إلى"تنافر النفوس"!ولم أفهد ذلك تماما! ثم رأيت – في مسجد حينا،وهومسجد صغير – رجل جاء بعد انقضاء صلاة الجماعة،وفي طرف المسجد جماعة"مسبوقة" : نظر جهتهم .. ثم كبر !! هل استصغر الإمام مثلا؟! الله أعلم. ثم قال الشيخ"الكملي" - حفظه الله - معلقا : (وهذا الذي ذهب إليه مالك – رحمه الله – مع وجاهته في النظر يسعف فيه الأثر أيضا،وذلك لما رواه الطبراني في "معجمه الأوسط"عن أبي بكرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقبل من ناحية من نواحي المدينة،يريد الصلاة فوجد الناس قد صَلَّوْ ،فمال إلى بيته فجمع أهله فصلى بهم جماعة.قالوا : لو كانت الجماعة الثانية مباحة بلا كراهة لما عدل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن فضيلة الجماعة في المسجد النبوي. وقد روى الطبراني في"معجمه الكبير"أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود يريدون المسجد فاستقبلهم الناس خارجين من المسجد،قد صَلَّوْ،فذهب ابن مسعود مع صاحبيه إلى بيته فأم بهما (..) وهذا الذي ذهب إليه الإمام مالك هو مذهب الحنفية والشافعية في رواية،وذهب الشافعية في رواية خرى والحنابلة إلى أن صلاة الجماعة الثانية مباحة بلا كراهة (..) وبعض العلماء يقول : إذا أذن الإمام للجماعة الثانية فعلوا،وإلى فلا ..) { شرح الموطأ،الحلقة"61"}. وقد أورد الشيخ – حفظه الله – إ حديثأ. ((أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده،فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه))؟أو كما قال صلى الله عليه وسلم : وهذا ليس الحديث الذي أورده الشيخ"حفظه الله" ولكنه أورد حديث سيدنا معاذ – رضي الله عنه – وهو في نفس السياق. وعلق الشيخ – حفظه الله – على هذا الحديث بأنه "واقعة حال"لا تعمم .. كما قال الفقهاء :"إذا أذن الإمام للجماعة الثانية فعلوا .." فهذا إعمال لحديث سيدنا معاذ – رضي الله عنه – وجمع بين هذا الحديث والأقوال المستفيضة بأن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا إذا فاتتهم صلاة الجماعة .. صلوا منفردين أو ذهبوا إلى بيوتهم فصلوا هناك .. وقبل ذلك كله .. فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – حين ذهب إلى بيته فجمع أهله فصلى بهم. قلت : رأيت في أحد مساجد "جدة"مجسما على شكل "قبة ومنارة" يضعها إمام الجماعة الثانية أمامه ،ساترا،ولم يجده في مكانه عرف أن ثمة جماعة ثانية،وهذا – فيما يبدو – كأنه "إذن من الإمام"للجماعة الثانية . . كما يُفترض به أن يمنع وجود جماعتين في لحظة واحدة. ولكن ذلك للأسف قد لا يحدث دائما!! في "جامع حينا"رأيتهم وضعوا"خشبة"يضعها إمام الجماعة الثانية أمامه .. ومع ذلك شاهدت – مرة واحدة – تلك"الحشبة"أمام جماعة .. وفي طرف المسجد جماعة ثانية!! فعل الأمر يحتاج إلى تنبيه من الإمام .. إلى وجود تلك الخشبة .. وفي الختام تحدث الشيخ – حفظه الله – عن حكم إعادة الصلاة مع الجماعة،لمن صلى منفردا،ثم وجد جماعة فصلى معها : ( لجبر نقص أو إحراز فضيلة،فأعاد الصلاة : لا يمكن أن تكونا معا فريضتين (..) اليوم الواحد فيه ظهر واحد،فأيهما الفرض – لابد أن واحدة ستكون فرضا والأخرى ستكون نفلا - أيهما الفرض وأيهما النفل؟ هذه المسألة عندنا في المذهب – أي "المالكية" : محمود –أربعة أقوال (..) القول الأول أن الأولى هي الفرض والثانية النفل. (..) القول الثاني عكسه : الأولى تصير نفلا والثانية فرضا. القول الثالث : أن الأولى هي الفرض،وأن الثانية تكميل لها. القول الرابع : هو قول بالتفويض : يفوض الأمر إلى الله،فأيتهما شاء جعلها فرضا،وأيتهما شاء جعلها نفلا.. وهذا هو الذي ذكره "ابن الحاجب" في مختصره. لما ذكر الأقوا،قال : فرض ونفل وتفويض وإكمال. جاء بعض المتأخرين عن"ابن الحاجب"فوجد هذه الجملة متزنة بيتا،نصف بيت من الشعر ،فجعل لها صدرا وصيرها بيتا ،فقال : في نية العود للفرض أقوال * فرض ونفل وتفويض وإكمال. وسبحانكم اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. والحمد لله رب العالمين.){ { شرح الموطأ،الحلقة"61"}.} نعم. سبحانكم اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. والحمد لله رب العالمين.) أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني