رئيس الحكومة السورية خالد العظم ...و دروس في الادارة و الاقتصاد...
لا يتحول فائض الانتاج او الخير القادم من الأرض الزراعية أو من الثروات تحت الأرض من نفط و غاز ... لا يتحول إلى كابوس إلا في البلدان التي لا تملك مشروعها الوطني الواضح....
عندما خرجت فرنسا من بلادنا لم يكن لدينا مرفأ للاستيراد والتصدير وكانت النافذه الوحيدة للاقتصاد السوري هي مرفأ بيروت ...لذلك كان هناك وحدة جمارك لبنانية سورية مشتركة وادارتها دائما لبنانية و كان اللبنانيون يرفضون اشراك السوريين بالادارة.....وكانت التجارة على السوريين بهذا الشكل تعني ما يلي :
- زيادة الاعباء والمصاريف على المنتجات السورية المستوردة والمصدرة ...
- دعم الليرة اللبنانية على حساب الليرة السورية...
- تفرد اللبنانيين بكل الوكالات الدوليّة الحصرية ...
وبالتالي كان هناك غزو للبضائع اللبنانية على حساب البضائع السورية وعلى حساب الصناعيين الذين أوشك بعضهم على الافلاس...
هنا طلب رئيس الحكومة السورية خالد العظم آنذاك (1949 – 1950 ) طلب من وزير اقتصاده معروف الدواليبي جمع الخبراء الاقتصاديين السوريين لتدارس هذه المشكلة مؤكداً لهم أن ما يرتأيه هؤلاء الخبراء هو ما ستقره الحكومة..
وفعلاً تدارس الخبراء الاقتصاديين مع ممثلين عن غرف الصناعة والتجارة السورية و خلصوا الى نتيجة مفادها :
إما وحدة اقتصادية مع لبنان ....وإما فكاك معه.....و لا يوجد خيار ثالث....
وفي حال الفكاك لا بد من بناء مرفأ في سورية ينهي الاحتكار اللبناني في مرفأ بيروت الوحيد.....بالاضافة الى ضرورة اصلاح مؤسسة النقد السورية .....
وبناء على هذه التوصيات قام رئيس الحكومة خالد العظم بارسال كتاب الى رئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح يشرح فيه مدى الغبن والضرر الذي يلحق بالسوريين وبالتالي لا بد من توحيد وزارتي الاقتصاد ليكون الخير للجميع...وطلب منه الرد خلال فترة معقولة...( و حددها باليوم ..)...
وكان رد رياض الصلح و اللبنانيين بالرفض واعتبار ذلك بمثابة انذار سوري للبنانيين و هذا لا يمكن ان يقبله اللبنانيون ....و هم يرفضونه تماماً....
في اليوم الثاني كانت القرارات السورية التي اقترحها الخبراء الاقتصاديين كانت جاهزة ..
- فصل الجمارك السورية عن اللبنانية وتشكيل جمارك خاصة بسورية تتبع وزارة المالية
- وقف كل الشاحنات اللبنانية القادمة ببضائع لبنانية الى سورية ما عدا الترانزيت الى الخليج ...( كانت الحدود تغلق و تفتح بخشبة متحركة ...الى الأعلى و الأسفل و عندما اعطى خالد العظم أوامره باغلاق الحدود تم انزال الخشبة...و طالما تردد اسم الخشبة في تلك الايام و سميت خشبة خالد العظم....من باب التندر...وذهبت مثلا..)
- والحقت هذه القرارات بقرارين هامين اعتبرا في وقتها ثورة في الاقتصاد السوري:
1 - تحديث قوانين النقد ( العملة السورية ) التي أدت الى رفع قيمة الليرة السورية فصارت تساوي أكثر قليلا من 405 ميلليغراما من الذهب ...
2 - انشاء مرفأ اللاذقية...الذي كان واحداً من أهم المشاريع الاقتصادية والعمرانية التي ينبغي أن ترتبط باسم هذا الرجل المتفرد( بالاضافة لما حققه من مشاريع مد السكك الحديدية ومستودعات المحروقات ومشاريع الري ...والكثير خلال فترة اشهر ...ثم لاحقاً...و هذا مهم جداً..لاحقاً دوره في الدراسات لانشاء سد الفرات مع الالمان و الفرنسيين....و دوره في انشاء مصفاة حمص النفطيه..)
لقد رأى رئيس الحكومة خالد العظم أن الفائض الممكن تصديره من الناتج الزراعي والصناعي السوري متمركز في شمال وشرق البلاد أكثر من جنوبه وغربه. فإذا افترضنا أن حلب هي مركز تخزين للمواد المراد تصديرها، فإن حسبة صغيرة تخبرنا أن مرفأ في اللاذقية سوف يختصر أكثر من نصف المسافة إلى بيروت. فإذا أضيف ذلك إلى ضرورة أن يكون لسورية مرفأ تسيطر به على سياسة التصدير والاستيراد من أجل استقلال اقتصادي حقيقي، علمنا كيف كان العظم يربط بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي، في نسيج فريد في تاريخ سورية.
ما يؤلم حقيقة أنه لا يوجد لهذا الانسان العظيم أي ذكر في كل كتبنا المدرسية ...و الكثير من السوريين لم يسمع به...و هو الشخص الذي كان دائما يصر على انجاز المشروعات الوطنيه بأيد سورية و شركات سورية و مهندسين سوريين....
...........................
رحم الله كل من عمل ويعمل وتوفى في سبيل رفعة سورية وغفر له ولنا جميعا