عندما تصبح الوحدة وطنا!

د. ريمه عبد الإله الخاني



يدعون لك بطول العمر فتؤمن وتنسى سؤال نفسك:
هل أنا ممن طال عمره وحسن عمله؟
هل سيطول عمري دون عجز أو كسل أو مرض وحاجة لمن حولي؟
ليست بدعوة ملائمة للطموح الذي يخشى الحاجة للمساعدوة والذي تعود الاعتماد على نفسه كالأشجار التي تعاني وقوفا!.
ماأسرع مايمر العمر..فالأيام تتراقص غيظا وتلفتا..مرحا وسخرية...هبوطا نحو الضعف والخور...فنحاول شدها للوراء بلقاء الأحبة والترويح عن النفس، علنا نعيش لحظات شبابية ممتعة، فقد أبت إلا أن تسير باتجاه واحد...ونحن نشد حبال المرساة حتى لاتبعد عن الشط...لماذا لانموت بكامل عافيتنا؟ليس ذلك على الله بعزيز فالصحة أمانة أيضا!.هل هو القدر أم الإهمال؟.وكيف يحصل رغم حرصنا؟.فقد تقع على الأرض بقوة دون أن تحسب لهذا حسابه، وقد تقوم بحركة غير محسوبة فتنام على السرير رجل على السرير ورجل على الأرض!،وقد تتوهم أنك بطاقة الشباب فتسير عدة ساعات سعيدا أنك لم تتعب...وقد تستمتع بكتب ترمم بعض ثغرات في جدارك الفكري..فتحسب أن منها مايزيد معارفك الصحية ورغم هذا لاتفلت من يد القدر!.. مؤكد ستضيف لها من تجاربك وإلهامك حتى الملل..في غفلة من كاتبها..فلماذا لاتحكم علة نفسك رباط الحرص والنجاة؟.
وبعد زمن..تتالى الآلام..وتتعاقب..فتقعد حيرانا..وقد تصبح منضدة أو كرسيا، وقد يمل من الصحب والخلان لعجزك وضعفك المتزايد، وقد لايصارحون بذلك لطفا، بل يغرقونك بمجاملات فارغة، وقد يخونك التفاؤل فتغرق في لجة الحسرة على الخسارات المفاجئة..
تسلم بالقدر ولكن لاتسلم بالعوز الاجتماعي..تدفعك المكابرة لخيانة صحتك فتوهم الناس أنك بلا عكاز حقيقية ولاحتى وهمية...
يالله..لقد بكيت أمامها أخيرا تلك الضعيفة كثيرة الشكوى..بعد أن نزعت فتيل الخوف من الآخرذلك الغريب الذي يستثمر حاجتك لصالحه وربما يفكر بأذى..فقد تصبح نفسك هينة عليك عندما تجد أن لامحل لك من الإعراب في الدنيا برأيك لكنك كل شيء بالنسبة للذين أعطيتهم كلك...ناديتها كي تساعدني في أعمال منزل لايتحرك فيه سوى طبق الطعام وكرسي الحمام من تحتي!..ماناديتها إلا لأنني أريد أن أتكلم مع البشر..مللت الواقع الافتراضي الوهم..وأنترنيت الأشياء الكارثة...كل شيء يتحرك افتراضيا حتى الملل..
تساعد وهي تتكلم بلا توقف..تكلم نفسها وتشكو الجدران..
-حتى وسائل المواصلات تنكرت لنا زحمة وانتظارا ودفعا وقلة أدب ووو
-خيرا خيرا
-حتى الخبز نتاج بلادنا صرنا نقف على باب الفران من منتصف الليل...ونحن ندري أنه يتسرب بعيدا عنا بطريقة ما..
-خذي من ثلاجتي حاجتك..
-ابنتي تستميحك عذرا ، اشتاقت للقهوة.
-عندي منها والحمد لله لاعليك تفضلي.
-وهل خزنت مؤونة هذه السنة من الفول الأخضر والبزاليا؟
-مازال عندي من الموسم الفائت خذي منها...
-قمت من سريري غير عابئة بمفصل متهدم ولا حساسية قاتلة ولا صداع رأسي مفزع..
رأيتها تتلصص على الناس من النافذة تاركة الماء تسيل من الصنبور بلا اكتراث...
-أغلقتُ الصنبور فتنبهت..
-شاهدي القطط ..إنه شهر شباط ههه عيد الحب..
عادت إلى عملها وهي تقول:
-هل تسمحين لي بتناول تفاحة؟ لم أتناول فطوري بعد..
-تفضلي..
-وبعض الفستق المالح..آخذ منه لأبو العيال يحبه جدا ...
عندما انتهت من عملها ...ومازالت تتلكا في الخروج وتماطل.. أرعبها بقدوم أحد الأقرباء الصعبين طباعا غير الاجتماعيين سلوكا..تذكرت كيف كنت أناديها على رأس كل شهر مرة واحدة فقط فهي مماطلة حد الفزع...ورغم رفضي لطريقتها المستهترة في العمل ، فلاأكاد أجد بديلا أفضل..فالعمل لمصلحة النفس دوما دافع للإبداع والعكس صحيح...من قال أن الشيوعية كانت حلا يوما ما؟.
نظرت في المرآة..فوجدتني ..قد فقدت ساقي اليسرى ..فهل أخذتها مع كيس الأغراض؟؟،أم سوف أغرق في لجة عملية المفصل الصناعي المرعبة؟ وحتى لو قالوا انها عملية بسيطة فلن تكون كالمفصل الطبيعي ..نعم هذا ماقاله الطبيب لأن له عمرا وسوف نحتاح لتغييره كل عدة سنوات...هل كان ذلك من جراء تعب السنين؟ أم هو وضع خاطئ نمارسه يوميا من خلال عمل منزلي وقوفا؟ أم هو ورائة الجنف وميل العمود الفقري؟لن أستسلم للوحدة ومؤكد هناك مخرجا ما...سوف اتصدق بكل ماأستطيع...أنا أكره المرض والعجز والكسل..
تذكرت قصة الوحش الذي أكل صديقته وفي كل يوم يتناول قطعة منه بعد إفصاحها برغبتها بالاستئناس به...حتى مل من طعمها فلفظها جملة واحدة أشلاء وفتافيت...هل الدنيا هكذا؟، فتحت باب خزانتي المكسور فوجدتها تسيل دما!!!
صرخت فيها:
-أين أنت؟
فأجابت:
-ألا تذكرين خالتك التي ربت أولاد العائلة اليتيمة كانت تقول:
-إن الرغبة الجامحة في الشفاء..نوع آخر من الشفاء لايعلم سره إلا الله..
**********************
صحت بتململ وتمطط..هي تشعر بألم يتصاعد!، وفتحت عينيها، وقد تحلق حولها أولادها وزوجها وعاد من غاب خارج البلاد بسرعة البرق، وقد عمل الشوق عمله في تفعيل شعور الفد والحاجة إليهم، وهم يقولون بصوت واحد:
-الحمد لله على السلامة...أنت بخير...