هل تغير الإسلام؟

21 حزيران 2021, كتب #سامي_مروان_مبيّض في جريدة الأهرام (القاهرة):

فى مطلع القرن التاسع عشر قرر الكونجرس الأمريكى شراء مكتبة الرّئيس توماس جيفرسون، ثالث رؤساء الولايات المتحدة، وكان ذلك بعد انتهاء ولايته عام 1809. ضمت المكتبة 6487 عنوانا فى شتى المواضيع السياسية والقانونية والتاريخية، وكان من ضمنها نسخة نادرة من #القرآن_الكريم، تعود طباعتها إلى عام 1734.

كانت هذه الطبعة هى ترجمة عن اللغة اللاتينية، وضعها المستشرق البريطانى جورج سيل، وعندما قرأها الفيلسوف الفرنسى الشهير فولتير، كتب مقالا عنها بعنوان: «عن القرآن ومحمّد».

النسخة الإنجليزية من القرآن موجودة اليوم ضمن مقتنيات مكتبة الكونجرس، أمّا النسحة اللاتينية التى اعتمدها سيل فى ترجمته، فهى محفوظة فى إحدى مكتبات #جامعة_أوكسفورد البريطانية تحت رقم (MS Sale 76).

وفى سنة 1922، أعيد طباعة النسخة الإنجليزية من القرآن، وقدّم لها السّير إدوارد روس، مدير مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية فى جامعة لندن.

يُعتقد أن الرّئيس جفرسون اقتنى نسخته من القرآن عندما كان طالبا جامعيا واحتفظ بها خلال سنوات حكمه فى البيت الأبيض وحتى وفاته سنة 1826.

اهتم جيفرسون بالقرآن من الناحية القانونية، ليتمكن من دعم المبشرين الأمريكيين المتجهين إلى الشرق الأوسط، ولمعرفة قواعد الحكم والشريعة فى الدّولة العثمانية فى حينها. وتُضيف قناة التاريخ الأمريكية أن القرآن كان من أكثر الكتب مبيعا فى الولايات المتحدة فى منتصف القرن الثامن عشر (Best-Seller). اقتناه عدد كبير من المبشرين الأجانب، منهم الراهب دانيال بلس، مؤسس جامعة بيروت الأمريكية، ومئات المسلمين الذين سيقوا مكبلين كعبيد إلى القارة الجديدة من شمال إفريقيا.

بعد تلك الحادثة بمئتى سنة ونيف، قامت #جامعة_هارفارد الأمريكية بحفر الآية 135 من #سورة_النساء على مدخل كلية الحقوق، ضمن معرض لأهم العبر عن العدل فى تاريخ البشرية.

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا».

اختارها القائمون على كلية الحقوق بعد ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، مع عبارات أخرى عن العدل من الميثاق الأعظم البريطانى ومن أقوال للرئيس #نيلسون_مانديلا وبنجامين فرانكلين، العالم الموسوعى وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. وفى جامعة باريس الثانية، يتم تدريس مقولة لثانى الخلفاء الراشدين #عمر_بن_الخطاب، فى كلية الحقوق أيضا، الذى جاء فيها: لو عثرت شاة فى طريق العراق لسألنى الله عنها لما لم تُعبد لها الطريق يا عمر؟.

وفى عالمنا العربى، كان المسيحيون يقرءون القرآن فى زمن ليس ببعيد، ويستشهدون ببلاغته وفصاحته. وجميعنا يذكر شخصيات مسيحية مرموقة حفظت أجزاء كاملة منه، فى سوريا ومصر، إمّا إعجابا بها وإما لتتمكن من محاججته ودراستها، أو نقدها. ولكثرة ما أعجب به رئيس الحكومة السورية الراحل #فارس_الخوري (وهو مسيحى بروتستانتى) فقد استعان بجمل منه فى أحد خطاباته أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة، عند تأسيسها فى مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية سنة 1945.

يُحكى فى سوريا أن فارس بك سكن يوما بالقرب من جامع الأفرم بدمشق، حيث كان يؤذن الفجر رجل ذو صوت شجى اسمه أكرم الخُلقى، يعرفه جيدا سكّان حى المهاجرين الدمشقى المُطل على العاصمة السورية. ذات يوم لاحظ المؤذن أن فارس الخورى أطفأ النور فى غرفة نومه قبل أذان الفجر بقليل، وظنّ أنه ذهب إلى النوم بعد يوم شاق ومضن، فقرر ألا يرفع الأذان من الجهة القريبة من غرفة رئيس الحكومة لكى لا يزعجه، لأن مصالح الناس تقتضى أن يأخذ فارس بك الخورى حصته الكافية من الراحة لكى يتمكن من خدمتهم بأفضل وجه. فاتجه أكرم الخُلقى من الباب الجنوبى إلى الشمالى لكى يرفع الأذان، ولا يصل صوته إلى غرفة نوم فارس الخورى.

فى اليوم التالى، سأل الرئيس الخورى عن مؤذن المسجد ليطمئن عليه، ظنا أنه أصيب بمكروه منعه من رفع الأذان فى الوقت المعتاد. طلب حضور المؤذن إلى السراى الحكومى، وسأله عن سبب عدم رفع الأذان. روى له الخُلقى ما حدث فانزعج فارس بك رحمه الله، وقال: «هل تعلم أننى لا أنام قبل أن أستمع إلى أذان الفجر منك واستلهم منه ما يعيننى على متابعة عملي؟ غدا، يكون الأذان كالمعتاد.»

يبقى السؤال: ماذا تغير اليوم ليصبح رفع الأذان أو تلاوة القرآن عملا مشبوبا بالنسبة لكثير من الناس، يؤدى إلى نعت صاحب الفعل بالداعشى والمُتخلف؟ هل تغير الإسلام؟ أم نحن الذين تغيرنا؟ الجواب: الإسلام حكما لم يتغير.

كان ولايزال دينا عادلا، على الرغم من كل التشويه الذى تعرّض له مؤخرا، من قبل المُسلمين أنفسهم وبعض الجمعيات والأحزاب التى حملت اسمه زورا وبهتانا. وهو يخاطب كل المؤمنين من أهل الكتاب، وليس المسلمين فقط. القرآن الكريم لم يكن يوما حكرا على شخص أو مجموعة من أشخاص، وهو كتاب لكل البشر، فيه بلاغة وفلسفة وتشريع...وموسيقى حتى...وهذا ما أدركه توماس جفرسون وفارس الخورى من بعده، كما أدركه مؤخرا القائمون على جامعة هارفارد.