دراما ... على أساس
بقلم: شامل سفر

في الوقت الذي يتقاضى فيه ممثلٌ (عربيٌّ من عندنا، وليس أجنبياً يمثّل في هوليود) مليوناً من الدولارات عن دورٍ واحد في مسلسلٍ واحد مكوّن من ثلاثين حلقة تافهة لا يُعرَفُ رأسُها من ذيلها .. وفي الوقت الذي يتقاضى ممثلٌ آخر، في بلدٍ عربي آخر، أربعة ملايين دولار عن مهزلة ـ عفواً، عن مسلسل ـ من نفس النمرة .. تعزف الأوركسترا لحنَ سيمفونية تطوُّر الدراما التلفزيونية العربية ورُقِيّها، فتأتي النتيجةُ نشازاً يؤذي الآذان ويُفسد المزاج، ويهبط بموسيقى أداء الشاشات العربية .. العربية كلها؛ من الماء إلى الماء .. إلى مستوى أشبه ما يكون بالتهريج في سيرك رخيص يتنّقل كالغجر، من مكانٍ إلى آخر.
ليست العلة في العازفين، ولا في اللحن، ولا في هندسة الصوت .. ولا حتى في الجمهور المُشاهِد، عدم المؤاخذة، فهذا الأخير يسمع الكلمة ويتفرّج على كل ما يُقدَّم له، على مبدأ: هذا الموجود ... وإنما السبب الرئيسي لهذا الفشل الذريع المُخجِل هو أن الذي يؤلف السيمفونية شخصٌ .. والذي يقود الأوركسترا شخصٌ آخر مختلف تماماً .. ومعلومكم، إذا لم تُعطِ الخبّازَ خبزه، فسيكون الرغيف كالحطبة؛ اِرْمِ به نحو الحائط، وسيرتد نحوكَ ويشجّ رأسك .. فالصلابةُ أحياناً مؤذية .. ولهذا، ومن حيث النتيجة، لا يقذف أحدٌ رغيفه نحو أيٍّ من الحيطان .. الكل يُداري خيبته، ويتفنن في مديح طراوة الخبز وجودته .. ففي حدود علمي، لا أحد يقول عن زيته أنه عكر .. ما علينا .. دعونا نرجع إلى الأرقام قليلاً .. فكل أولئك الشباب (الطيّبة)، بدءاً من الذي يمتلك كثيراً من الفلفل لدرجة أنه يرش على المخلوطة، مروراً بالمُخرج والفنيين، وصولاً إلى الممثلين بكل درجاتهم .. كل أولئك دون استثناء، سيقعدون في بيوتهم يمارسون اللاشيء، إذا لم يَقُم المايسترو الحقيقي .. معلّمُهم كلهم .. أستاذُهم .. بتأليف ماذا سيقولون .. وماذا سيفعلون .. وكيف سيتحركون .. بل وكيف سيفكّرون أيضاً، أثناء (تنفيذهم) لتعليماته .. إنه الكاتب .. لا أقول هذا الكلام لأني كاتب، فأنا لا أكتب الدراما تلفزيونية .. أنا روائي .. المختصون في الأدب يعرفون الفرق الهائل بين رواية ومسلسل .. وإنما أقول هذا الكلام، لأني جرّبت لمرة واحدة فقط .. لم أكتب مسلسلاً، وإنما قصة مثل القصص التي أكتبُها، أي مكتوبة في كتاب .. وغلطتُ وعرضتُها على شركة إنتاج .. وما فهمتُه، يخجل المرءُ من الكلام عنه .. هذا يا سادة يا كرام، فهمتُ أن المايسترو يتقاضى عن عمله الذي هو في الدراما خطة العمل كله من ألفه إلى يائه .. يتقاضى قروشاً، إذا ما قورنت بما يقبضه شغّيلتُه .. مثال ذلك، أن كاتباً معروفاً، قلبي معه طبعاً، يقول أنه تقاضى عن مسلسلٍ ألّفَهُ ثمانيةَ ملايين ليرة، والحقيقة أنه تقاضى مليوناً ومئتا ألف ليرة فقط .. ومثالٌ آخر عن كاتبٍ آخر هو صديقي، شفاه الله وعافاه، عَرَضَ عملاً فَعُرِضَ عليه مبلغٌ أكثر تفاهةً، ثم قام الـ (كوميسونجي) بسرقة الفكرة العامة للعمل، كي يُقال فيما بعد: «توارد خواطر» ! ، واحتال على صديقي الكاتب وجعله يدفع مبالغ هو الآن بأمسّ الحاجة إليها لأنه حالياً يتنّقل من مشفى إلى مشفى .. ثم تبيّن أن القصة كلها احتيال في احتيال.
تجربتي أنا .. تجربتي (الوحيدة) في عرضٍ عملٍ من أعمالي على شركة إنتاج .. لم تَدُم طويلاً .. أسبوعٌ واحد، قدّمتُ العمل، ماطلوا في الإجابة .. فنشرتُ قصة: (رسائل من القبر) مباشرةً على صفحتي الشخصية هنا، وعلى صفحة قصصي القصيرة أيضاً .. كي يقرأها مَن يريد، مجاناً .. أي أني حرقتُ مراكبي كلها، ولستُ نادماً طبعاً .. لأن مجالاً كالمذكور، ليس مجالي .. وليهنأ مَن في المجال بأعمالهم .. فأنا ـ فكرياً ـ في مكانٍ آخر بعيد جداً .. وكل ما هنالك أني ذهبتُ في (سِيران) قصير، فتبيّن أني لم أختر المكان جيداً .. فعدتُ .
تساؤلٌ وحيد أنهي به كلامي .. إذا كان الفِكر يُعامَل هكذا .. فكيف سيكون شكل الدراما العربية بعد بضع سنوات؟! ... بالمناسبة، فالدراما تُشَكِّلُ خيالَ أبنائكم .. أرجو لكم، ولهم، مشاهدةً .. ممتعة .
#Shamel_Safar