قبل أيام رأيتُ مشهدا عاد بي إلى سنوات خلت،أقل من عقد من الزمان : كنا نصلي في"مصلى"العمل .. فجاء أحد الزملاء والإمام في جلسة التسليم .. فلم يدخل في الصلاة،بل انتظر حتى ينشأ جماعة أخرى!
قلتُ له أنني سمعتُ درسا للشيخ "محمد بن محمد المختار الشنقيطي"ذكر فيه أن إدراك الصلاة نوعان :
إدراك حكم .. وإدراك فضل.. وانتهى الموضوع.
الذي ذكرني بتلك القصة .. ونحن في الركعة الأخيرة من الصلاة – في مسجدنا – جاء رجل ففرش سجادته .. كأنه انحنى ليصلحها .. فرفع الإمام من الكوع .. حمل سجادته وانصرف .. وبعد أن سلم الإمام .. أنشأ جماعة جديدة !!
بحثت عن درس الشيخ الذي ذكرته لزميلي سابقا .. وجدتُ
قرأ"القارئ" نصا :
("ومن كَبَّر قبل سلام إمامه لحق الجماعة" )
قال الشيخ :
(ومن كَبَّرَ قبل سلام إمامه .. هذه مسألة تتعلق بإدراك الجماعة : الجماعة فيها أمران.. يُدرك فيها أمران :
الأمر الأول ما يُسمى بالحُكم : إدراك حُكم الجماعة.
والأمر الثاني : يُسمى الفضل .. إدراك فضل الجماعة (..) لو جئت قبل أن يسلم الإمام ولو بلحظة ،وقلتَ الله أكبر وجلستَ لكي تتشهد فسلم الإمام،فقد أدركت الفضل (..) حتى قال بعض العلماء الفرق بين رواية خمسة وعشرين درجة في الجماعة وسبع وعشرين درجة،أن الخمس وعشرين لمن خرج والسبع وعشرين لمن أدرك الصلاة كاملة .. الخمسة وعشرين لمن أدركها قبل تسليم الإمام (..) هذا أحد الأوجه في الخلاف في قوله بسبع وعشرين وقوله بخمس وعشرين . فالمقصود أنه يُدرك الفضيلة فضيلة الجماعة )
ثم قرب الشيخ – حفظه الله – المسألة فضرب مثلا .. بصلاة الجمعة .. فمن أدرك الإمام راكعا في الركعة الثانية من الجمعة .. فقد أدرك الجماعة "حُكما" .. فإذا سلم الإمام قام فأتى بركعة ثانية .. أما إذا أدرك الإمام وقد سَمَّعَ من الركعة الثانية .. فقد أدرك "فضل"الجماعة .. وإذا سلم الإمام قام فصلى أربعا .. أي صلى ظهرا.
ثم تحدث الشيخ – حفظه الله – عن المسألة التي لفتت نظري،فقال :
(قبل ثلاثين سنة حتى في مسجد النبي ما كنا نعرف الناس إذا جاءوا قبل سلام الإمام،ولو بلحظة إلا يكبرون ويدخلون مع الإمام. ولا نعرف أن أحدا يقف والإمام في التشهد ينتظر تسليمه حتى يُحدث جماعة ثانية. هذا ما نعرفه،وأقسم على ذلك،لا في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا في مسجد مكة – بقدر زيارتنا لها – ما عرفان إلى في العصور المتأخرة . كان المشايخ يشددون في هذا لأن السنن والأحاديث،كلها تُلزم من دخل أن يدخل مع الإمام،وألا يشذ عنه ،ولذلك البعض الآن يجد الإمام ساجدا فيقف حتى يرفع الإمام من السجود،ولا يدري هذا المسكين كم فاته من الأجر ،وأنه لن يسجد لله سجدة إلا حط عنه بها خطيئة ورفعه بها درجة ،وقد تكون سجدته هذه تُحط بها ذنوب وتُغفر،لأنه قد يتكلف عناء السجود فيها. فالمقصود أن السنة من دخل في المسجد أن يتبع الإمام ولو قبل التسليم بلحظة){ الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي}.
لم يبق ما يُقال بعد كلام الشيخ حفظه الله.

الصلاة على الكراسي :

كتبتُ قبل سنوات كُليمة تحت عنوان"الآسي في حكم الصلاة على الكراسي"،الكُليمة ليست أكثر من دعوة لتأصيل تلك المسألة التي كانت لتوها قد بدأت تنتشر،وقد سمعت حينها من سأل شيخا : أين أضع الكرسي؟ أضعه في الصف وأتقدم،أم أؤخره فيكون الساقان في الصف؟ قال : لا فرق.
ثم رأينا في التطبيق كيف يؤذي الكرسي من يصلي في الخلف،ويضيق عليه مكان سجوده... حتى أنني رأيت"حاجا"- وهو في الصلاة – سحب كرسي الرجل الذي يصلي أمامه .. وكاد أن يريم به !!
ما يهم هنا :
قبل يومين صلى أمامي رجلان من نفس السن تقريبا،وبعكازين .. صليا على كرسيين : أحدهما وقف وكبر تكبيرة الإحرام .. والثاني كبر تكبير الإحرام وهو جالس .. معلوم أن المذاهب الأربعة اتفقوا على ستة أركان للصلاة : القيام / تكبيرة الإحرام / والقراءة / والركوع / والسجود / وقعدة الأخيرة مقدار التشهد إلى قوله"عبده ورسوله": صلى الله عليه وسلم.
فهل من دور لأئمة المساجد أن يذكروا المصلين بأركان الصلاة؟ بعد الصلوات أو تخصيص جزء من خطبة الجمعة لتفقيه الناس في دينهم؟

متى يدرك المأموم الركعة؟

معلوم أن "من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" .. ويقول الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي – في الدرس الذي استشهدتُ ببعضه – أن المأموم يدرك الركعة إذا أدرك إمامه قبل أن يرفع رأسه من الركوع ،قال: "فإذا كبرت فقلت الله أكبر قبل أن يبدأ الإمام في التسميع فقد أدركت الركعة،حتى لو رأيته يرفع رأسه لأن العبرة بالقول"

قصتان .. بل أكثر..

دخلت أنا وأحد الأشخاص .. ولم ندرك الركعة – قطعا – وحين قمت للآتي بالركعة التي فاتتني .. سلم الشخص الآخر .. وانصرف!
أما القصة الثانية فحصلت لولدي – في مستجدنا أيضا – دخل هو وأحد الأشخاص المسجد معا،وقد فاتتهما الركعة .. ولكن الشخص الآخر سلم وكأنه أدرك الركعة .. وحين سلم ولدي وأخبره أنه لم يدرك الركعة .. سجد للسهو !! وحين أراد أن يخبره أن السجود لا يجزئ عن الركعة .. تركه وانصرف!
أما القصة الثالثة .. فحصلت لأحد إخواننا – في مسجد آخر – وهي قديمة .. فقد أدرك هو وأحد الأشخاص الركوع في الركعة الأولى .. ولكن الشخص الآخر .. وقف وأتى بركعة .. وحين سلم .. أخبره أخونا أنهما أدركا الركعة .. فرد :
عارف .. بس ألت أعملها جدعنة!! .. والله المستعان.

الصلاة في مكان واحد .. لا يغيره!

سئل الشيخ "ابن باز"- رحم الله والديّ ورحمه – عن اتخاذ مكان واحد في المسجد يصلي فيه؟ فجاء رده :
" أما بعد: فقد نص جمع من أهل العلم على كراهة اتخاذ مكانٍ معينٍ في المسجد لا يصلي إلا فيه، وجاء فيه بعض الأحاديث التي لا تخلو من مقال، فالذي ينبغي للمؤمن أن لا يتخذ مكاناً معيناً في المسجد بل متى جاء يحرص على القرب من الإمام ولا يتخذ مكاناً معيناً، هذا هو الذي ينبغي، ينبغي أن يكون هناك مسابقة ومسارعة إلى الخير، فإذا أمكنه أن يكون خلف الإمام فهذا هو الأفضل، وإذا لم يتيسر ذلك فليسارع، أما أن يتخذ عمود سارية يصلي عندها أو جدار أو محل معين هذا خلاف المشروع، فالمشروع له أن يسابق وأن ينافس في الخير وأن يتقدم، فإن أمكنه الصف الأول صار في الصف الأول، وإن أمكنه القرب من الإمام صار قريبا من الإمام، فإن عجز يكون في الصف الثاني.. وهكذا، أما أن يتخذ سارية يصلي عندها أو محل يصلي عنده لا يجاوزه ولو كان هناك ما هو أقرب منه إلى الإمام هذا غلط، خلاف السنة. نعم.
المقدم: لكن إذا كان في الصف الأول مثلاً واتخذ مكاناً في "{من برنامج"نور على الدرب " : على الموقع الرسمي للشيخ عبد العزيز بن باز}.
قلتُ : يمكن النظر لهذه المسألة من ثلاث زوايا :
الزاوية الأولى : من يأتي مبكرا فيصلي – خلف الإمام مباشرة - في أفضل مكان .. فهذا لا أظن أنه يدخل ضمن النهي.
الزاوية الثانية : من يخصص لنفسه مكانا لا يصلي في غيره،و لا يكون خلف الإمام مباشرة، فيضع فيه "سجادة"أو"كرسيا".
الزاوية الثالثة : من يحجز مكانا،بوضع "سجادة"أو"كرسي"في مكان مفضل،خلف الإمام مباشرة،أو بالقرب منه .. لا أشك أنه يدخل ضمن ما كره بعض أهل من تخصيص مكان لا يصلي في غيره .. وإن جاء متأخرا. والله أعلم.

هل المشكلة في أذني؟

أشك في أذني أحيانا .. فكثيرا ما أسمع بعض أئمتنا – جزاهم الله خيرا – لا يحققون الهمزة .. خصوصا في "الفاتحة" في قوله تعالى :"أنعمت عليهم"
ومثلها إمام آخر .. يتعامل مع"القاف" كأنه يجد عناء في نطقه .. ولا أدري هل يحاول "قلقلة" القاف المتحرك؟

قبل التسليمة الثانية .. للإمام

من المشاهد كثيرا .. قيام بعض المصلين الذين فاتتهم بداية الصلاة .. يقومون للإتيان بما فاتهم .. ولكنهم يفعلون ذلك بعد التسليمة الأولى،وقبل التسليمة الثانية .. وقد سئل الشيخ "ابن عثيمين"- رحم الله والديّ ورحمه – عن هذه المسألة .. فكان رده
(.. المشروع ألا يقوموا حتى يسلم الإمام التسليمة الثانية،لأن صلاة الإمام لا تنتهي إلا بالتسليمة الثانية،وهم مأمومون خلفه،فلاينفردون عنه حتى تنتهي صلاته. وقد قال بعض العلماء إن المأموم إذا قام لقضاء ما فته بعد التسليمة الأولى ،وقبل الثانية،قالوا إن صلاته تنقلب نفلا .. ويعني هذا ان صلاته لا تجزي عن الفرض . فالواجب ان ينتظر المأموم حتى يسلم الإمام التسليمتين كلتيهما،ثم يقوم )
قلتُ: وهذا في غاية الخطورة .. ويحتاج إلى تنبيه من أئمتنا الأفاضل .. جزاهم الله خيرا.
وصفتُ هذا الأمر بالخطير .. لأنه،عند من يقول بعدم إجزاء تلك الصلاة عن الفرض،فإن المصلي بطلت صلاته،وتحولت إلى نافلة وهو لا يعلم .. ولكن فضل الله عظيم .. ودين الله واسع .. وقد ذكر الشيخ "سعيد الكملي"- حفظه الله – أن سيدنا عبد الله بن عمر،كان يسلم ثلاث تسليمات،وكان هذا مذهب "الإمام مالك"- رحم الله والديّ ورحمه – ثم تركه .. كما نقل عنه "ابن القاسم"
ونقل"الكملي" عن "ابن المنذر"قوله :
"أجمع كل من أحفظ عنه العلم،أن صلاة من سلم تسليمة واحدة جائزة".. وفضل الله – سبحانه وتعالى – لا حد له .. ويبقى الأسلم أن ألا يشرع المسبوق في الإتيان بما فاته من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية .. وهذا لا يستغرق غير ثواني معدودات.
تلويحة الوداع :
مَن هو الشاعر الذي قال :
يا أيها الجمهور إني حزين!!
نعم. يا أيها القارئ – لهذه الأسطر – إني حزين ..
"مقطع" الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي،الذي استشهدتُ ببعضه ..
مدته 7 دقائق و51 ثانية .. وتم إنزاله بتاريخ 11 / 2 / 2021م.
ومع ذلك فإن عدد المشاهدات .. لا يتجاوز"23". فقط ثلاثة وعشرون مشاهدة . . و"مقاطع" التسافه .. وإضحاك الناس .. والفضائح .. مشاهدتها بمئات الألوف .. بل بالملايين.. إلى الله المشتكى.

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني