الأستاذ هشام إبراهيم عبد اللّه الخَليفة التداوليُّ الموسوعيّ. باحثٌ عراقيُّ ، ورائدٌ من رُواد التداوليّةِ في الوطن العربي، صاحب مشروع (التجديد والتأصيل) في اللسانيات، وكان أول كتاب ألفه ضمن هذا المشروع هو كتاب (نظرية الفعل الكلامي)(بين اللسانيات الحديثة والمباحث اللغوية في التراث العربي والإسلامي ) عام 1992، لكن الكتاب لم ينشر في حينها وبقي مطبوعاً بنسخة واحدة بورق حجم A4 علماً أن الكتاب انتشر بين طلاب الدراسات العليا العربية والإنكليزية آنذاك، و انتشر بين أيدي بعض الأكاديميين، وأساتذة الجامعات، وممّن اطلع عليه بنسخته الأولى المرحومان د. أحمد مطلوب و د. عناد غزوان و د. مالك المطلبي ، و د. تحسين الوزان، ومن أساتذة الإنكليزية د.عبد اللطيف الجميلي و د. حميد ناصر. وكذلك بعض المستشرقين مثل الهولندي (كيس فيرستيخ) Kees Versteegh ، و الفرنسي (بيير لارشيه) Pierre Larcher, وحتى بعض المنظمات مثل (الالكسو) (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) في تونس، و (جمعية جمعة الماجد) في الإمارات وبيت الحكمة في زمن د. عبد الامير الاعسم، وغيرها، و اطلع عليه العديد من الناشرين ومنهم من أخذ نسخة الكتاب على أمل نشره ولم يعد، مثل رضا إسماعيل صاحب دار المطبوعات، فليس ببعيد أن بعضاً ممن ألفوا واشتهروا في اللسانيات التداولية أفادوا من هذا الكتاب الذي لم يكن مشهوراً بعد، ومن دون الإشارة إليه، وعندما عاد الأستاذ الدكتور هشام الخليفة من بريطانيا بعد أن أكمل دراسته العليا وكتب أطروحته عام ١٩٨٩ في التداولية والتي نالت درجة الامتياز من جامعة (لانكاستر)، اطلع بالمصادفة على كتاب( شذور الذهب) لابن هشام ولاسيما اطلاعه على مفهومي الإنشاء والخبر واكتشف أن هذين المفهومين مطابقان لنظرية الفعل الكلامي التي درسها في جامعة لانكاستر، ومن هنا انطلق مشروعه (التجديد و التأصيل)؛ فلماذا التجديد؟ الجواب؛ لأن النظرية كانت شيئاً جديداً في حينها، والتأصيل لأنه ربط النظرية الحديثة بأصولها العربية والإسلامية معتمداً على التراث الأصولي والبلاغي، وبفضل استيعابه للنظرية الغربية استطاع أن يقارب بين ما جاء عند العرب وما جاء عند الغرب، فكانت دراساته علمية، وأستطيع القول: إنها أول ما كتب في هذا الموضوع، ومن الجدير بالذكر أن كتابه الثاني ( نظرية التلويح الحواري) (بين اللسانيات الحديثة والمباحث اللغوية في التراث العربي والإسلامي) إذ كان في الأصل جزءاً من كتاب نظرية الفعل الكلامي، لكن المؤلف ارتأى أن يعزلهما لتكون كل نظرية بكتاب مستقل، فنظرية التلويح الحواري conversational implicature هي ما اشتهرت خطأ باسم ( نظرية الاستلزام الخطابي)، لكن مؤلف الكتاب ارتأى أن يترجم الاستلزام إلى ( تلويح)، معللا ذلك بقوله : إن الإستلزام implication هو علاقة منطقية رياضية تحصل بين القضايا التي تستلزم بعضها بعضاً إذ ليس من المعقول أن نقول إن المتكلم يستلزم المعنى الفلاني، أما التلويح implicature فهو معنى تداولي من معاني المتكلم أي إن المتكلم هو الذي يلوح بالمعنى أو يستعمل الجملة للتلويح بمقاصده، وليست الجملة هي التي تلوح، وعلى الرغم من أن الكتاب رائد في منهجيته لكنه غير مشهور، خلافا للكتب التقليدية التي ظهرت بعده و التي تحاول أن تكرر المعلومات نفسها.
والدكتور هشام الخليفة لم يغفل ظاهرة ( الافتراض المسبق) presupposition بل كانت النظرية محط أنظاره فبدأ يؤلف كتابا مستقلا، إذ كان جزءاً من الكتابين السابقين، يوضح فيه ما للافتراض من أهمية، فكل ما يخدم اللغة العربية يقدمه الأستاذ هشام الخليفة بكرم و قد ترجم كتابين.
فمن الكتب الرائعة كتابُ (نظريَّة الصِّلَةِ أو المُناسَبَةِ)Relevance في التَّواصُلِ والإدراك ، الذي ألَّفَهُ دان سبيربر وديدري ولسون وترجَمَهُ هشام الخليفة عام ١٩٩٩ وأصدَرَتْهُ دارُ الكتاب الجديد المتَّحدة في بيروت عامَ 2016 ونال به جائزة الملك عبدالله للترجمة.و كتب المؤلفان مقدمة للترجمة العربية لكتابهما، اشادا فيها بجهود الخليفة في مجال تأصيل النظريات التداولية الحديثة، ذلك لأنهما كانا قد اطلعا على بعض بحوث الخليفة المنشورة بالإنكليزية في هذا المجال والكتابُ مِن الكتبِ المهِمَّةِ التي ظهرَتْ في العصرِ الحديثِ في مجالِ الفِعلِيّاتِ (التَّداوُلِيَّةِ) pragmatics ونظريَّةِ التَّواصُلِ وعِلمِ النَّفسِ الإدراكيِّ المعرفيِّ. إذ مَثَّلَ ظُهورُهُ ثورةً في مجالِهِ وقادَ إلى سَيلٍ من البحوثِ والجِدالاتِ بشأنِ النَّظريَّةِ التي أَسسَها الأَنثروبولوجيُّ الفرنسيُّ دان سبيربر واللِسانِيَّةُ الإنجليزِيَّةُ ديدري ولسون، فقَد تَناوَلَ عَدَدٌ كبيرٌ مِن البحوثِ والدِّراساتِ النَّظريَّةَ التي يَعرِضُها هذا الكتابُ بِالدَّرسِ والتَّحليلِ مُنذُ صُدورِهِ، وأَثَّرَت النَّظريَّةُ التي يُقَدِّمُها الكتابُ في كثيرٍ مِن الحُقولِ والتَّخَصُّصاتِ الأُخرى، إذ لا يكادُ يوجَدُ حَقلٌ في اللسانيّاتِ والتَّخَصُّصاتِ القريبةِ منها لَم يُعاوَد النَّظَرُ فيه في ضوءِ مُعطَياتِ نَظَريَّةِ الصِّلَةِ أَو المناسَبَةِ التي أَلقَتْ أَضواءً جديدةً على عِلمِ النَّفسِ الإدراكيِّ المعرفيِّ وعِلمِ الدَّلالةِ والنَّحوِ والأَدبِ والبلاغةِ والتَّرجمةِ والأُسلوبيّاتِ وتَحليلِ الخِطابِ والأَنثروبولوجيا وعِلمِ التَّواصُلِ وغيرِها.
و قد ترجم الخليفة كذلك (معجم أوكسفورد للتداولية) للساني البريطاني (يان هوانغ) من الإنجليزية إلى العربية و حاز على جائرة الشيخ حمد للترجمة، وقد صدر المعجم بمقدمة استعرض فيها الخليفة جهود المعجميين الذين سبقوه، ثم بين منهجيته في ترجمة المصطلح التداولي، وكشف عن أخطاء كارثية في بعض المصطلحات الشائعة من دون ذكر أسماء المعاجم أو مؤلفيها.
ملاحظة مهمة: للأسف إذا بحثت في الغوغل عن ما يسمى (الاستلزام) فلن تجد كتاب الخليفة(التلويح الحواري)؛ لأنه موجود تحت عنوان التلويح وليس عنوان الاستلزام على الرغم أن الموضوع هو واحد، والشيء نفسه يحصل بالنسبة لكتاب (نظرية الصلة أو المناسبة)؛ لأن كل الكتب والبحوث بشأن نظرية سبيربر و ولسن توجد تحت باب ما يسمى خطأ (نظرية الملاءمة).