فائدة رقم (٤) في المناهج أيضا:

2ــ المناهج النَّصِّيّة (الداخلية):

2ـ 1ــ المنهج البنيوي :
-------------------------------
دلَّ مصطلح (البنيوية) بمفهومه الواسع كما عند (ليونارد جاكسون) على القيام بدراسة ظواهر عامة مختلفة كالمجتمعات والفكر واللغات والأساطير بوصف كلّ منها نظامًا تامًا، أو كلًّا مترابطًا أي بوصفها بناءً، فتتم دراستها من حيث أنساق ترابطها الداخلية لا من حيث هي مجموعات من الوحدات والعناصر المُنعزِلة، ولا من حيث تعاقبها التاريخي.
وانطلاقا من هذا الطرح العام صارَ المنهج البنيوي مقاربةً تحليلية نقدية تُعنَى بالكيفية التي تَنتَظِمُ بها عناصرُ مجموعةٍ ما، وأصبح منهجًا نصيًّا يتمركزُ حول النصّ، ويعزله عن كلِّ شيء : المؤلّف، والمجتمع والظروف التي نشأ فيها، ويرى أنَّ الواقع الوحيد الذي يقوم عليه الأدب لا يخرج عن الخطاب أو اللغة، ومن هنا انصبت عنايته على طبيعة الخطاب وأدواته والعلاقات التي تربط بين هذه الأدوات.
لقد استندت البنيوية على جدار فلسفي متين تمثّل بـ(الفلسفة الظاهرية) التي تتميّز على - وجه التحديد - بحذفها للجانب الميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة) الغيبي في دراسة الأشياء وتركيزها على الجوانب التي تتجلّى للإدراك، على الظاهر في لحظة معيّنة، وهي الفلسفة التي حكمت طبيعة المنطق العلمي في العصر الحديث، وقد أفادت البنيوية من هذه الفلسفة التي استندت إليها، في تمرير ممارسة تحويل دراسة الأدب ونقده إلى نوع من العلم الإنساني الذي يأخذ بأكبر قدر من روح المنهج العلمي، وبهذا كان الغطاء النظري للبنيوية هو الظاهراتية، لكن (بَنْكَ) المصطلحات التي استقت منه أدواتها كان هو (علم اللغة)؛ إذ يمثّل علم اللغة المنبع الحقيقي لمجموعة المصطلحات التي استخدمتها البنيوية في مجال النقد الأدبي، وفي مقدمة هذه المصطلحات مصطلح (البنية)؛ الذي تبلور عند عدة قضايا في ميدان النقد الأدبي أهمها أن الأعمال الأدبية برمتها تمثّل أبنية كلّية؛ لأن دلالتها في الدرجة الأولى ترتبط بهذا الطابع الكلّي لها، ويترتب على ذلك إنّ فهم الأعمال الأدبية لا يصبح مطابقا لها محتويا لدلالاتها إلا إذا أخذ بنظر الاعتبار تلك البنى الجزئية التي تتكوّن منها، والعلاقات القائمة فيما بينها، وصار هذا التصور الكلّي للأبنية واعتبار البنى الجزئية ليست من الأجزاء المادية المحسوسة هو جوهر النظرية البنيوية، فالقصيدة لا تصبح مجرد مجموعة من الأبيات، نعاملها في الظاهر على أنّها محصّلة لهذه الأبيات يعني ذلك أن القصيدة لا تُبنى من أبيات كما تُوحي النظرة السطحية المتعجّلة بل تُبنى من مستويات – وهي التي يمكن تقسيم العمل الأدبي إليها – تخترق هذه الأجزاء وتتغلغل فيها وتشتبك معها، ويمكن أن ندرك من ذلك أن البنية الدلالية للقصيدة الشعرية مثلا هي محصلة مجموعة من البنى المتمثلة في البنية الإيقاعية والتركيبية والتعبيرية والتخييلية التي تصل إلى ذروتها في المستوى الرمزي الكُلّي .
ويَعدّ المنهجُ البنيوي النصَّ الأدبي كلًّا مكوّنا من عناصر مختلفة متكاملة فيما بينها على أساس مستويات متعددة تمضي في كلا الاتجاهين الأفقي والرأسي في نظام متعدد الجوانب، متكامل الوظائف في النطاق الكلّي الشامل، وقد اقترح بعض المعنيين بالبنيوية ترتيب هذه المستويات على النحو الآتي :
ــــ المستوى الصوتي : وتُدرس فيه الحروف ورمزيتها وتكويناتها الموسيقية من نبر وتنغيم وإيقاع.
ــــ المستوى الصرفي : وتُدرس فيه الوحدات الصرفية ووظيفتها في التكوين اللغوي الأدبي خاصة.
ـــ المستوى المعجمي: وتُدرس فيه الكلمات لمعرفة خصائصها الحِسِّيّة والتجريدية والحيوية والمستوى الأسلوبي لها.
ـــ المستوى النحوي: ويُخصّص لدراسة تأليف الحمل وتركيبها، وطرق تكوينها وخصائصها الدلالية والجمالية.
ـــ مستوى القول : ويُعنى بتحليل تراكيب الجمل الكُبرى لمعرفة خصائصها الأساسية والثانوية.
ــ المستوى الدلالي الذي يُشغل بتحليل المعاني المباشرة وغير المباشرة والصور المتصلة بالأنظمة الخارجية عن حدود اللغة التي ترتبط بعلوم النفس والاجتماع وتمارس وظيفتها على درجات في الأدب والشعر.
ـــ المستوى الرمزي: الذي تقوم به المستويات السابقة بدور الدال الجديد الذي يُنتِج مدلولا أدبيا جديدا يقود بدوره إلى المعنى الثاني أو ما يُسمّى باللغة داخل اللغة.
ويظل هدف البنيوية هو الوصول إلى محاولة فهم المستويات المتعددة للأعمال الأدبية ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة على غيرها فيها، وكيفية تولّدها ثم – وهذا أهم شيء فيه – كيفية أدائها لوظائفها الجمالية والشعرية على وجه الخصوص، وقد اقتضى التركيز على هذا الجانب اتخاذ إجراءات متعددة منها ذلك الشعار الذي أطلقه البنيويون وهو (موت المؤلف)؛ لكي يضعوا حدًّا للتيارات النفسية والاجتماعية في دراسة الأدب ونقده، وبدأ تركيزهم على النص ذاته بغض النظر عن مُنتِجه، أيا كان هذا المُنتِج والعصر الذي ينتمي إليه والمعلومات المتصلة به، وكان البنيويون يقصدون بهذا الشعار – موت المؤلف – ألاَّ تصبح البيانات المرتبطة بالمؤلف هي جوهر القراءة النقدية للنص، أو هي نقطة الارتكاز الاسترتيجية المُوَجِّهَة للقراءة النقدية .
ومن أهم أعلام هذا لمنهج غربيا : (رولان بارت)، و(نور ثروب فراي)، وعربيّا : عبد السلام المسدّي، وكمال أبو ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلّي)، وعراقيًّا : فاطمة لعيوس في كتابها : (التحليل البنيوي للرواية العربية).

صباح التميمي
١٥ / ٥ / ٢٠٢٠م