واحد وعشرون عاماً برفقة سبيستون:

ذاكرة الطفلِ ومشاعره شيئان مذهلان، ونحن المثال، ثقبَت المتاعب ذاكرتنا الآن، فبتنا شديدي التشتت والنسيان وأصابنا داء قلة الملاحظة، لكنّ ما تلقيناه في الطفولة لا يتزحزح من تلافيف أدمغتنا.
ترى.. كم حسنةً كسبَ صنّاع طفولتنا إن كنا حتى الآن لا نستطيع الخروج من تأثيرِ ما سكبوه في قوارير ذوائقنا؟
بعيداً عن أي سلبيةٍ لا بد أن يحظى بها كرتون أو أنمي لم يُصمم لمجتمعاتنا، وقريباً من اللمسة والبصمة التي أضافتها سبيستون فأعطت العمل المدبلج هويتها، أو بالأحرى: هويتنا..
قريباً من تلك اللمسة سنتذكر ونسمع في آذاننا أصواتاً كثيرة تتردد، من مدبلجين حفظنا أسماءهم، إلى شارات ما زلت مصرة أنها تفوق الأعمالَ نفسها.

حتى اليوم يغمرني شعور عجيب وأنا أغني سلسلة شارات خلفَ بعضِها، شارات تأتي في ذهني كمجموعة كاملة، كل أغنية تجرّ أختها، فمن ضمي يا أختي، إلى أنا وأخي، مروراً بالقناص، ريمي، الحديقة السرية، لحن الحياة، الشبح، شرف الوطن، كونان، البؤساء، عهد الأصدقاء، حكايات ما أحلاها، ماوكلي، سيمبا، بابار الرهيبة، الأغاني ضمن الأفلام كالأمير والفقير وأناستازيا، الأغاني الخاصة بسبيستون (بجوارك باقون)، سؤال صعب.. سؤال يراودني، مدينة المعلومات بكل تفاصيلها، أنا المربع في كل مكان وضعوني.. أغاني الكواكب.

كلها مزيج ذكريات هائل، من صباحات المدرسة واختلاس المشاهدة قبل وصول الحافلة، إلى أيام العطلة حيث نصحو ونتخلى عن راحة النوم ونضحك مع كلاسيك كرتون، أيام الجمع التي كانت تمنحنا عدة حلقات وراء بعضها كمكافأة، الحماس، بناء أفكارنا، استمتاعنا، بكاؤنا في سن صغيرة تأثراً بمعانٍ وصلَتنا بنجاح، وصنعت منا ناشئة يبكون على صديق يفارق صديقَه.

شهادتنا مجروحة ربما لأننا كبرنا على سبيستون، حتى إنني أتساءل، هل هي العظيمة؟ أم كل ما يمر بالطفل ويصنع له ذكريات طفولته يصبح عظيماً في نظره؟

الجواب يحتمل الحالتين، لكن المهم أن سبيستون لم تكن محطة عابرة في حياتنا، ولم تحتو التسلية وحدها، وإلا فما الذي رسّخها في وجداننا إلى هذا الحد؟
لن يقودني تفكيري سوى لمعنى واحد: مدى أهمية الفن، مدى تركه لبصمات لا يتركها الوعظ المباشر ولا التلقين، مدى أهمية أن نفهم أهميته، ونكفّ عن تهميشه.
القصص، الرسوم المتحركة، الأغنيات، عبارة عن تربية جذابة تترك عيني الطفل تنبضان بالقلوب، تفعل ما لا يفعله سواها، تبقى في العمق، لا تذهب جفاء، ويستحق هذا أن نحارب من أجله، كما رسخت في عقولنا ذكريات سبيستون وغيرها، نحاول أن نرسخ شبيهاتها في أذهان من بعدنا.
وهذه معركة طويلة.. لكن لا أتوقع لنا نجاحاً من دونها، من دون المرور في طريقها وإعطائها أهميتها الواجبة.

#رغد_النابلسي
#سبيستون
#مع_سبيستون_٢١_عاماً