الكرنتينا (خاطرة)

بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد

خطرتني كلمة مُتداولة يطلقونها على مَن حُبٌسَ لسببٍ ما، يُقال: (فلان كَرْتَنُوه ببيت خالته)، أسمعُها، ولم أُدَقّق في معناها، والكلمة المقصودة (كَرْتَنُوه)، وفي الوباء الذي نحن فيه منذ سنة تقريبًا، كانت مناسبة للتفكير في الكلمة مُجدَّدا.

كَْرتَنُوه، أساسها من (كوارنتي)، والمستخدمين للكلمة يلفظونها(الكَرَنتين)، وفي الأساس هي كلمة فرنسيّة مُحوّرة عن (كَرَانْت)، وهو الرّقم أربعين من سلسلة التعداد الرقميّ الفرنسيّ، وتُعتبر فرنسا هي أوّل من خصّصت أماكن الحجر الصحيّ للمصابين بالأوبئة، خاصّة في المدن البحريّة ذات الموانئ؛ لمنع العدوى من القادمين على متن السُفن والبواخر.

وفي العام 1835أثناء سيطرة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا حاكم مصر على بلاد الشام؛ فقد كانت البواخر تبقى راسية في عرض البحر لأربعين يومًا قُبالة ميناء بيروت، وبعدها تتقدّم لتفريغ حمولاتها، والسّماح بنزول من جاؤوا على متنها، ولما كانت هناك الكثير من البضائع التي لا تحتمل الظروف الجوية؛ فتفسد.

قام إبراهيم باشا وقتها بإنشاء محجر صحّي للغرباء القادمين (كرنتين) شرق ميناء بيروت، وأصبح هذا الحيّ الآن هو الكرنتينا، وهو على الأغلب من العشوائيات في طرف بيروت الشمالي، والكرنتينا تسمية انتشرت، وصارت تُطلق على الأحياء التي فيها المَحْجَر الصِحّي، مثل مدينة جدّة، وبغداد، والإسكندريّة، وهي غالبًا ما تتشابه في مُكوّنانها السكانيّة حاليًا.

من كتابي (كيف.. كاف وياء.. فاء)