#المكتبة_والكتب ..

لن يصنعا منك شيئًا ..
إلا إذا أعطيتهما حقّهما ومستحقّهما ..
كأن تبيت معهما دهرًا طويلًا، وتكون في ذلك حِلسًا منقطعًا لهما عن كثيرٍ ممّا سواهما ..
ولا تنظر في بياتك ذلك إلى حسابات الوقت والدنيا !
يحدوك الحبُّ الشّديد فقط، والذّروة من الشّغف.

كثيرًا ما أحنّ إلى من أحببت منهما ..
وأنظر بإطراق واستحياء لمن أجبرني الزّمان على هجرها، من تلك التّحف والعرائس، والتي أخذتْ تُلقي عليّ نظرات العتاب !

المكتبة والكتب ..
كم تغنّينا بهما، وتسوّقنا في أسواقهما، ثمّ تبيّن لنا من بعد، أنّ ذلك ليس شيئًا في حقّهما ..
وإنّما هو من قبيل المهر المتواضع الزّهيد ..

الحديث عن:
المكتبة والكتب ..
حديث عن عزيز ..
وعزيزٍ جدًّا ..
تريد أن تضحّي من أجله، وتفكّر في ذلك جادًّا ..
ثمّ تجد من يمنعك، ويُمسِك بعَضُدِك، ويجذبك من زوايا وأطراف ثوبك.

كم أجد من الألم والوجد والصبابة والجوى للمكتبة والكتب ..
عندما تكون حاضرة متهيئة لاستضافتك
وأنت دائم الشّغل والانصراف عنها ..

قليلٌ من البقاء القديم معهما ..
أحدث فينا فرقًا واضحًا ..
في النّضج والفهم والتغيّر والرُّقي، وفهم الدنيا والحياة والنّاس ..

وهما .. المكتبة والكتب .. محضٌ من الفضل، الذي منّ الله به علينا.

أوليس ربّنا الذي يقول:

(اقرأ باسم ربّك الذي خلق ..)
(اقرأ وربّك الأكرم ..)
(علّم الإنسان مالم يعلم ..)
(علّمه البيان ..)
(ن .. والقلم .. وما يسطرون).

يا الله .. يا لكنوز الذّهب ..

التي تعرفُ أنّها كامنة هناك في أحشاء وبطون هذه الكتب.
يا للجواهر والدّرر .. التي تقول هيت لك .. ولا تريد منك إلا أن تكون، وعلى الأقل .. بمستوى ذلك العامل الصّادق الدؤوب في منجم الذّهب ..

صحيح ..
قد نرتكب أخطاء فادحة تبعدنا وتقصينا عن عوالم الكتب .. لكن ولشيء من حقّ الدّفاع .. فإنّني أحسب أنه لا يبعد حالنا حينئذ .. عن حال الذي أتي به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد جُلد في شرب الخمر .. ولكن شُهد له بالصّدق في حُبِّه ..
(لا تلعنوه .. فإنّه يُحبّ الله ورسوله).

اللهم فإنّنا نحبّك ونحبّ رسولك صلى الله عليه وسلم .. ومن الرّهط الذين يُحبّون هذه الكتب.

أحيانًا أواسي نفسي ..
عندما أتذكّر قولا لبعض أهل العلم من عُشّاقِ الكتب، يقول فيه:
"إنّ من نعيم أهل الجنّة .. القراءة والكتب".

ثمّ أعود وأقول .. أيُعقل أن تستسلم في حلبة الصّراع مع هذه الدنيا .. حتى ترضى بما تدّعيه من هذه المواساة .. !
كم من مرّات يغمرني فيها الحياء من:
ابن حجر وابن كثير والطّوفي وأبي الوليد الباجي والنّووي وابن دقيق والخطيب وابن عساكر ..
وغيرهم كثير ممّن قلّبتُ لهم أوراقا، فرأيت فيها بريق الذّهب، وكنوزًا من الجواهر والدّرر ..
كم من التّحف والدواوين ..
التي نشتاق إلى أن نختبئ معها في كوخ أو صومعة على رأس جبل .. أو عند سفح ومرج أخضر، ولا نشهد فيه إلا طلوع الشمس وغروبها .. وزقزقة الأطيار .. وعبير المرج .. ثمّ لا نكون إلا نحن وهذه المحبوبات الغاليات.

حقًا .. إنّها معركة شرسة شديدة ..
حقًا .. أنْ تبًا لك أيتها الدنيا ..
وحقًا .. فكم قد فات وقد مضى وضاع.

اللهمّ فاجعل لنا مع من أحببنا مُدخَل صدق، ومُخرَج صدق، واجعل لنا من لدنك في ذلك سلطانا نصيرا .. فأنت .. سبحانك .. الموفّق والمُعين.

#شعاع_في_الصباح نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
ذيل على "المكتبة والكتب" د.فواز غنيم
تفضلّ عليّ أخي الدكتور فواز غنيم،بمقالة كتبها تحت عنوان "المكتبة والكتب".. والحديث عن الأخ والصديق الأستاذ"كتاب"- بالنسبة لي – حديث ذو شجون .. فـ"الكتاب"هو"الصديق الصدوق" كما ورد : (في القرن السادس عشر،أطلق الشاعر العثماني عبد اللطيف جلبي،المشهور باسم لطيفي،على كل كتاب في مكتبته"الصديق الصدوق المُحب الذي يشيح كل الهموم){ص7 "المكتبة في الليل" لمانغويل }علاقتي بالأخ كتاب . . قديمة .. وحميمية – حسب تعبير محدث مترجم عن لغة الفرنجة – وهذه بعض النصوص التي تعثرت بها : (القراءة فعل من أفعال الحياة الخاصة،مثلها في ذلك مثل الكتابة،إن لم نقل أكثر. في خلوة من الكتاب. ربما سنجد أنفسنا في تلك الصفحات التي كتبها شخص آخر. حياتنا نحن بالذات،التي نجهلها إلى حد بعيد،نعتقد فجأة أننا أصبحنا نفهمها.الخيال يُعلمنا عن أنفسنا أكثر مما يُعلمنا الواقع){ ص 97 (قصر الكتب)/ روجيه غرينييه } وكتب مانغويل في "المكتبة في الليل": (منساقا لوهم لذيذكهذا،أمضيت نصف قرن في جمع الكتب. بكل جزالة عطائها،لم تطالبني كتبي بشيء بل أتاحت لي كافة أشكال التنوير. كتب بترارك إلى صديق له :"مكتبتي ليست مجموعة أمية،حتى ولو أنها تعود لمرئٍ أمي"وككتب بترارك تُلمُّ كتبي بشكل لا حدود له بأكثر مما ألمُّ،وإني ممتن لها إذ تحتمل حضوري.أشعرُ أحيانا أنني أجحد بحق هذه النعمة. حب المكتبات،ككافة صنوف الحب،يجب أن يُكتسب. ليس بوسع امرئ يدخل قاعة تكونت جدرانها من الكتب أن يدرك غريزيا كيف يتصرف،وماذا ينتظر،وما الذي يرجوه،وما المتاح له.وقد يغلب المرء الذعر– لفوضى الاتساع،والسكون،والتذكير الشامت بكل ما لا يعرفه المرء،والشعور بالمراقبة – وربما تتملكه بعض المشاعر الضاغطة،حتى بعد أن تُفهم الطقوس والمواثيق،وتُمسح الجغرافيا،ويجد أن أبناء المكان في منتهى الود.){ ص 12 - 13"المكتبة في الليل"}. وكما قال "جونوسن" : (ليس ثمة مكان يُضفي قدرا أكبر من الإيمان الراسخ بتسامي آمال الإنسان أكثر من مكتبة عامة) :صمويل جونسون من الجوال 23 مارس 1751){ ص 76 "المكتبة في الليل" لمانغويل} وهذه وجهة نظر "كارليل" : (وفي فترة تعود إلى عام 1832 كان توماس كارليل يسأل محتجا :"لماذا لا توجد مكتبة صاحب الجلالة في كل بلدة ريفية؟ هناك سجن ومشنقة صاحب لالجلالة في كل منها!){ص 80 "المكتبة في الليل"}. أما"والتي" فقد أصيبت بالرعب ! من كتاب"المكتبة في الليل" لمانغويل،عن "مكتبة كارنجي"العامة : (كتبت "ولتي" في سنوات لاحقة من حياتها:"كنتُ أدرك أنها كانت نعمة،أدركتُ ذلك في حينه. ليس المذاق على هذا القدر من الأهمية،سيأتي في وقته. أردتُ الشروع بالقراءة على الفور. كان الخوف الوحيد أن توشك الكتب على النفاد"){ ص 86} نعم. مشكلة لو "نفدت" الكتب!! وعن مكتبة الإسكندرية .. التاريخية : (كان هناك نقش فوق الرفوف : "إنه مكان شفاء الروح"){ص 29 المكتبة في الليل / مانغويل}. وقد تحدث "مانغويل"في مكان ما عن جنون بعض القراء .. أحدهم كان يمزق الفصول التي لا تعجبه .. ويترك ما يعجبه فقط!! أما "ميكافيللي"صاحب كتاب"الأمير" فقد كتب : (عندما يحل المساء أعود أدراجي إلى البيت وأدخل مكتبي. أتجرد عند العتبة من ملابس العمل النهاري الموحلة المبللة بالعرق وألبس رداء البلاط والقصر،وبهذا اللباس المنقش أدخل بلاط الأقدمين العتيق مُرحَّبَا بي من قبلهم،وهناك أتذوق الطعام المُعد لي وحدي (..) هناك تأتيني جرأة التحدث إليهم مستفسرا عن فعالهم،وأما هم فبإنسانيتهم يجيبون. وخلال ساعات أربع أنسى العالم،بعدها لا أتذكر ضيما،ولا أخشى فاقة،ولا أرتعد إزاء الموت : بل أعبر إلى عالمها){ ص 147 (المكتبة في الليل / مانغويل }. ويطرح "مانغويل"قضية تشغل كل صاحب مكتبة .. (غالبا ما يسألني الزوار إن كنت قرأتُ كل كتبي،ويكون جوابي المعتاد بأنني بالتأكيد فتحتُ كلّ كتاب منها. والحقيقة أن المكتبة،مهما كان حجمها،ليس من الضروري قراءتها بكليتها لكي تكون مفيدة،كل قارئ ينتفع من التوازن العادل بين المعرفة والجهل،التذكر والنسيان.){ ص 191 – 192 (المكتبة في الليل / مانغويل }. ويقول أيضا : (ليس لديّ شعور بالذنب تجاه الكتب التي لم أقرأها وربما لن أقرأها،أعرف أن لكتبي صبرا لا ينفد. ستنتظرني حتى نهاية حياتي. ولا تتطلب مني ادعاء معرفتي بها جميعا ..){ ص 192 (المكتبة في الليل / مانغويل}. نعم. للكتب صبر لا ينفد ..!! شكرا أخي فواز .. واسلم لأخيك : أبو أشرف / محمود الشنقيطي