وفاة أشهر داعية مصرية أزهرية في عصرنا على الإطلاق!بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي. أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر. ارتقت إلى ربها - منذ قليل، عن اثنتين وسبعين عاما - شهيدة الوباء، موفورة العطاء؛ المرأة الصالحة، الصادقة، الخاشعة، القانتة، العابدة، الذاكرة، الشاكرة، الصابرة، المحتسبة، العالمة، العاملة، الداعية، الفقيهة، الأزهرية، الصوفية، النورانية، المباركة، الموفقة، العارفة بربها، حبيبة رسول الله، سيدتنا الحاجة عبلة محمد الكحلاوي، أستاذ الفقه المقارن في كلية البنات الإسلامية والعربية في الجامعة الأزهرية في القاهرة، والعميد الأسبق لها في بورسعيد!نشأت رضي الله عنها في بيئة دينية صالحة عاشقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبة لآل بيته الكرام، ولعباد الله الصالحين، فهي بنت الفنان المحترم الحاج محمد الكحلاوي، الذي اشتهر بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أغانيه، وكان - فيما حدثنا شيوخنا - بعيدا عن هذا أول الأمر، حتى أرصد الله له في طريقه رجلا من أوليائه، دخل عليه في مكان، فخرج في يديه يبكي!وكان رحمه الله صادق المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وحبه مفتاح كل خير، وصادق الحب يملي صادق الشعور - تشعر بهذا وأنت تسمعه يطرب بمديحه، ويتغنى بحبه وحده لا سواه! وقد أورث أولاده هذا الحب - والحب الصادق يورث - فلا جرم بورك له فيهم، فولده هو الأستاذ أحمد الكحلاوي، من أشهر المداحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تخرج في مدرسة والده، وزاد عليه، وأبدع!وابنته هي هذه الأمة الصالحة، التي أصر والدها على إلحاقها بالأزهر، وصدقت نيته في ذلك، فبورك له فيها، حتى صارت أشهر داعية رأيناها في وقتنا هذا على الإطلاق!وقد التحقت بكلية البنات الإسلامية في القاهرة، وتفوقت في دراستها حتى حصلت على الدكتوراه ثم الأستاذية، ثم أصبحت عميدا للكلية في فرعها ببورسعيد!ويعد كتاب (بنوك اللبن - دراسة فقهية مقارنة) أشهر بحوثها العلمية في مجال تخصصها، ولعله كان عنوان رسالتها التي نالت به درجة العالمية (الدكتوراه)!وكانت رضي الله عنها أزهرية خالصة، لم تشب أزهريتها بلوثات الانتماء إلى الطوائف والجماعات والأحزاب الدينية، فانتفع بها الجميع، وهكذا العالم والداعية إذا تجرد عن الانتماء؛ كثر نفعه، وإذا تحزب قل نفعه!وقد أعيرت إلى كلية البنات بالرياض، ثم إلى كلية التربية بمكة المكرمة، وشغلت منصب رئيس قسم الشريعة بها، وجذبت القلوب والعقول إليها بصدقها وتلقائيتها، فأسند إليها درس للنساء في المسجد الحرام، فكانت تدعو إلى الله تعالى جميع النساء من شعوب الأرض، ونفع الله بها نفعا عظيما!كما اشتغلت بالدعوة النسائية أيضا في مسجد والدها في حي البساتين بالقاهرة، وفي بيت الحمد بحي المقطم الذي تسكن فيه، وفي الجامع الأزهر الشريف، وفي مسجد الحصري بمدينة 6 أكتوبر، وكانت الحاجة ياسمين الخيام - ابنة شيخ المقارئ المصرية مولانا الشيخ محمود خليل الحصري - قد اتفقت معها على إلقاء دروس ومواعظ دينية للفنانات التائبات، فأصلح الله على يديها كثيرا منهن، وثبتهن على الطريق!وقد ابتليت رحمها الله تعالى بفقد زوجها، فصبرت واحتسبت، وأحسنت إلى بناتها، وربتهن أحسن تربية، وعلمتهن خير تعليم، مع اشتغالها بالعلم والدعوة والعمل الخيري، وكانت لهن خير قدوة، وهكذا المرأة الصالحة تصنع المعجزات!وقد أسست في المقطم جمعية خيرية، وسمتها: (الباقيات الصالحات)، كانت ترعى من خلالها المرضى والأرامل والأيتام وكبار السن والمطلقات والنساء المعيلات!وأطلت على الأسرة المسلمة من خلال البرامج الدينية عبر الفضائيات، فكتب الله لها القبول العام والشهرة النافعة، ببركة صدقها وإخلاصها وحسن توجهها إلى الله تعالى وحبها الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم!وعلى المستوى الشخصي فإنني أرى أنها أفضل عنصر نسائي أخرجته جامعة الأزهر الشريف في وقتنا الراهن، من بين العناصر النسائية التي تتصدر المشهد الإعلامي؛ وذلك لجمعها بين العلم والعمل، والسمت الصالح، والوقار والحشمة والسكينة، والقدوة الحسنة، والنية الصادقة، والثبات على المبدأ، وعدم التلون، والبعد عن الفتن وإثارة الشبهات، مع ما حباها الله به من نور في الوجه، وضياء في القلب، وعذوبة في اللسان، وصدق في اللهجة، وقبول عند الخاص والعام، ولذلك أسباب روحية لا تخفى على لبيب!ألا فليعلم النساء أن مثل نموذج الدكتورة عبلة الكحلاوي؛ هو النموذج الذي يجب أن يحتذى منهن؛ فإنه أكثر النماذج نفعا، وأعظمها موقعا!اللهم إن أحيا غيرنا ذكر الفاسدين؛ فأحي بنا ذكر الصالحين!