ما الحبّ
قصة قصيرة

بقلم الروائي- محمد فتحي المقداد

للحظة اصدامهِما المُفاجئ عند مدخل السّوبرماركت توقّف التاريخ.. أمام صمتِ الشّفاه.. حديثُ العيون كان وحده المسيطر.
حاجز الهواء البارد المُندفع بقوّة جهاز التكيّيف في أعلى الباب؛ وتّر حرارة لقاءٍ غير مُرتقَب.
سيْلُ ذكريات مخبوءة بين طيّات النّسيان منذ عشرين عامًا. انهمر جنونًا مُتدفّقًا بينهما.
ابنها خلفها يدفع عربة مليئة سلّتها بالموادّ الغذائيّة، مُتوقّف بانتظار أمّه إفساح المجال أمامه للخروج نحو سيٍّارتهم المركونة. لم يُدرك سبب توقّفها، بصوت اخترق ذهولها:
- "ماما.. ما الذي جرى لكِ؟".
- "آه.. يبدو أنّي تذكّرتُ شيئًا". وانطلقت مسيرتهما خارجًا.
بينما الرّجل مُتسمّر بمكانه.. شيّعهما بنظراته الحسيرة مثلما ذاك اليوم؛ عندما أخبرَتهُ أنّ هناك من جاء لخطبتها، ولا حيلة له وقتها مع ظروفه الماديّة السيّئة العنيدة.
- "آه يا جُرح قلبي المُندمل.. يا لعنةً أطفأت حُبّي الأوّل.. ما أروعه ذاك الشاعر: (نقّل فؤادكَ حيثُ شئتَ من الهوى// ما الحبُّ إلّا للحبيب الأوّل).. وأنت كنتِ وكنتِ". ضاقت عليه أنفاسُه مُتحشرجَة.. سقط مغشيًّا عليه.
فتح عينيْه على رُعب الخراطيم القادمة من الأجهزة الملصقة على جسمه، وعلى أنفه.. شاشات الأجهزة تتفاعل بخطوطها صُعودًا وهُبوطًا منتظمًا. حمدًا لله على سلامتكَ: قال الطبيب قبل انصرافه.
لم يجد أحدًا كان من الممكن أن يسأله عن مصير الحبّ الأوّل: "يا إلهي ارأف بقلبها الحنون.. لاتُصبهُ بأذى.. ماذا لو أنّ صدمتها لرؤيتي قد أوصلها إلى مأواهاالأخير..؟".

من كتابي (دقيقة واحدة فقط)