منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: صدام الحضارات

  1. #1

    صدام الحضارات

    صدام الحضارات :


    لقد قام مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، في بيروت بإصدار كتاب اسمه (صدام الحضارات) وذلك في عام 1995، وقد استوحى المركز اسم الكتاب من مقالة مثيرة للجدل بنفس العنوان للبروفيسور (صاموئيل هانتنغتون) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأمريكية.

    وقد قام المركز بتجميع الردود على تلك المقالة التي سنحاول تلخيصها، ووضع تلك الردود في الكتاب الذي بين يدينا، وقد يكون من المفيد لمن أراد فهم مغزى هذه الزوبعة التي أثيرت حول الكتاب، أن يكون على اطلاع عن الكيفية التي يصنع بها القرار السياسي الأمريكي، كما يساعده في الفهم الاطلاع على مبادئ فلسفة التاريخ والنظرة التي رسخها المؤرخ الإنجليزي (أرنولد توينبي).. وقد حاولنا إفراد هذين الخطين الثقافيين (صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفلسفة التاريخ) في أكثر من موقع من مواقع الإنترنت.

    ومن المهم القول أن إثارة موضوع (صراع الحضارات) ليست جديدة، ولكنها ظهرت بوضوح بعد أن أعلنت الولايات المتحدة، مبدأ الاحتواء المزدوج.

    وقد لعب (معهد دراسات الشرق الأدنى) والذي كان يشرف عليه (مارتن أندك) وضم في هيئته الاستشارية (جين كيركباتريك) .. كما لا ينسى دور المستشرق اليهودي الأمريكي (برنارد لويس) الذي استغل وجود (هنري كيسنجر) في السبعينات من القرن الماضي في موقع مستشار الأمن القومي ووزيرا للخارجية ليزج بعناصر صهيونية في دوائر تلك الهيئتين العليتين ..

    وتبرز خطوط فكرة (صراع الحضارات) بالتأشير على نقاط الانقسام الثقافي، لتكون مصدرا رئيسيا للنزاعات المقبلة في العالم، وأن الثقافات (الحضارات) يمكن أن تحتضن مجموعات متعددة من الشعوب، وأن تنقسم الى فروع أو تتوسع وتتبدل أو تنقرض وتزول، لكنها تظل تعبر عن واقع راسخ يتجاوز الأمم في ذاتها، ويذكرنا (صاموئيل هانتنغتون) بأن (أرنولد توينبي) قد أحصى (21) حضارة في التاريخ، لا يزال منها ستة حضارات، ولكن صاموئيل هانتغنتون يصر على أنها سبعة حضارات ويذكرها كما يلي: الغربية والكونفوشيوسية واليابانية و الإسلامية و الهندوسية والسلافية الأرثوذوكسية و الأميركية اللاتينية ..

    ويعتبر (هانتنغتون) أن نقاط التماس في الصراع ستكون حول العرق والدين واعتبر أن هذا الصراع سيتحقق حيث أخذ العالم يضيق بسكانه.. وتنبأ أن تلك الخلافات التي تكون على هامش الدين والقومية ستحرك كل شعوب الأرض، في حين ستسقط الخلافات الأيديولوجية بين الناس ..

    وعندما يصل الى الافتراق بين الغرب والإسلام فإنه يذكر بأن الصراع قائم منذ الفتوحات الإسلامية الأولى الى عهد حرب الخليج الثانية (الكويت) .. وتوقع أنه فيما لو تم تعميم الفكرة الديمقراطية فإن النصر الحاسم سيكون للإسلاميين، لا محالة .. وتوقع أن الاصطفاف سيكون في النهاية بين الغرب والمسلمين، في الوقت الذي ستصطف الدول الإسلامية بجانب بعضها في وجه الغرب، منجذبة الى أخوتها في الدين وانتمائها الى نفس المنشأ الحضاري ..كما ينوه الى احتمال اصطفاف الصين والهند كحضارتين متقاربتين في النشأة الشرقية في وجه الغرب.

    وفي النهاية يطالب (هانتنغتون) أنه يجب على الغرب السرعة في توثيق صلاته بين مكوناته الأوروبية والأمريكية والتعاون مع الروس واليابان في وجه الرغبة الإسلامية والكونفوشيوسية في النمو والتطور وامتلاك التقانة .. مع وجوب التفوق الغربي العسكري في جنوب شرق آسيا و منابع النفط..

    هذا باختصار شديد جدا مسار الكتاب الذي بين أيدينا والذي سنفصله تباعا مع الاختصار

  2. #2
    الصدام بين الحضارات (صاموئيل هانتنغتون) :


    أولا: النمط المقبل للنزاع :


    تدخل السياسات العالمية مرحلة جديدة، لم يتردد المثقفون إزاءها في تقديم رؤى لما ستكون عليه: نهاية التاريخ وعودة النزاعات التقليدية بين الدول/الأمم وانهيار الدول/ الأمم من جراء الدوافع المتعارضة للنزعة القبلية والنزعة العالمية، ضمن أمور أخرى، ويدرك كل من هذه الرؤى جوانب من الحقيقة الناشئة، ومع ذلك، فإنه يغفل جانبا حاسما و مركزيا حقا، لما يرجح أن تكون عليه السياسات العالمية في السنوات المقبلة.

    والفرض الذي أقدمه هو أن المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد لن يكون مصدرا أيديولوجيا أو اقتصاديا في المحل الأول. فالانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية، والمصدر المسيطر سيكون ثقافيا، وستظل الدول/الأمم هي أقوى اللاعبين في الشؤون الدولية، لكن النزاعات الأساسية في السياسات العالمية ستحدث بين أمم ومجموعات لها حضارات مختلفة. وسيسيطر الصدام بين الحضارات على السياسة الدولية، ذلك أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل.

    وسيكون النزاع بين الحضارات هو المرحلة الأخيرة في تطور النزاع في العالم الحديث. فلمدة قرن ونصف القرن بعد قيام النظام الدولي الحديث مع معاهدة (وستفاليا)، كانت النزاعات في العالم الحديث تحدث أساسا بين الأمراء الأباطرة، والملوك المطلقين والملوك الدستوريين الذين يحاولون توسيع إداراتهم وجيوشهم وقوتهم الاقتصادية المركنتلية، وأخيرا، وهو العنصر الأهم، الأراضي التي يحكمونها. وخلال هذه العملية أقاموا الدول/الأمم.

    وبدءا من الثورة الفرنسية، أصبحت الخطوط الأساسية للنزاع بين الأمم وليس بين الأمراء. فعام 1793 مثلما قال (ر. ر. بالمر) : انتهت حروب الملوك، وبدأت حروب الشعوب .. واستمر نمط القرن التاسع عشر هذا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. ثم تحول النزاع بين الأمم، نتيجة للثورة الروسية ورد الفعل تجاهها، الى نزاع بين الأيديولوجيات، أولا بين الشيوعية والفاشية (كطرف يفترضه هانتنغتون ) والديمقراطية الليبرالية. وخلال الحرب الباردة أصبح هذا النزاع الأخير مجسدا بين الدولتين العظميين، ولم يكن أي منهما (دولة/أمة) حسب المفهوم الأوروبي الكلاسيكي.

    كانت النزاعات بين الأمراء والملوك في أوروبا سابقا عبارة عن حروب أهلية، لا أكثر، كما وصفها (ويليام ليند) وكذلك يعتقد المؤلف أن الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وكذلك الحرب الباردة هما امتداد للنمط القديم ..

    ومع نهاية الحرب الباردة تحركت السياسات الدولية في مرحلتها (الغربية)، وأصبح المركز الرئيسي لها هو التفاعل بين الحضارات الغربية والحضارات غير الغربية. وفي سياسات الحضارات لم تعد شعوب وحكومات الحضارات غير الغربية موضوعات (للتاريخ) باعتبارها أهدافا (للاستعمار الغربي)، بل انضمت الى الغرب باعتبارها من محركي التاريخ ومشكليه!

  3. #3
    الصدام بين الحضارات (صاموئيل هانتنغتون) :

    ثانيا: طبيعة الحضارات


    خلال الحرب الباردة، كان العالم منقسما الى أول وثان وثالث، ولم تعد هذه الانقسامات ذات معنى، والأجدى حاليا ليس تصنيف البلدان في مجموعات من حيث نظمها السياسية أو الاقتصادية أو من حيث تطورها الاقتصادي، و إنما من حيث ثقافتها وحضارتها.

    فما الذي نعنيه عندما نتحدث عن حضارة ما؟ إن الحضارة هي كيان ثقافي، فالقرى والأقاليم والمجموعات الإثنية والقوميات والمجموعات الدينية، لها جميعها ثقافات متميزة، وإن تكن على مستويات مختلفة من عدم التجانس الثقافي، فقد تكون قرية ما في جنوب إيطاليا مختلفة عنها في قرية في شمال إيطاليا، لكنهما تشتركان معا في ثقافة إيطالية مشتركة تميزهما عن الثقافة الألمانية. والمجتمعات الأوروبية، بدورها، تتقاسم ملامح ثقافة تميزها عن المجتمعات العربية أو الصينية. بيد أن العرب والصينيين والغربيين ليسوا جزءا من أي كيان ثقافي أوسع، إن كل منها تمثل حضارة منفصلة. وهكذا إن الحضارات هي أعلى تجمع ثقافي للناس وأوسع مستوى للهوية الثقافية للشعب.

    وقد تتضمن الحضارة كم هائل من الناس كما هي في الصين، أو كم قليل منهم كما في جزر الكاريبي، وقد تتضمن الحضارة أكثر من دولة/أمة مثل الحضارة العربية أو الغربية أو الأمريكية، وقد تكون في نطاق دولة واحدة كما في حالة اليابان ..

    وقد تنقسم الحضارة الى أقسام تمييزية كما في الحضارة الإسلامية، حيث تجد تمييزا تركيا أو ماليزيا أو إيران وكذلك الحضارة العربية، وهذا التداخل في الحضارة هو ما يجعل خطوط الانقسام بالحضارات تأخذ بعدا فضفاضا..

    لماذا ستتصادم الحضارات؟


    تكتسب الهوية الثقافية أهمية متزايدة بالتفاعل في المستقبل، وسيكون الشكل العام مرتبطا الى حد كبير بالتفاعل بين سبع أو ثماني حضارات كبيرة تشمل الحضارات الغربية والكونفوشيوسية واليابانية والإسلامية والهندية والسلافية الأرثوذوكسية والأمريكية اللاتينية وربما الإفريقية . وسيكون صداما بين كل حضارة مع أخرى ..

    لكن لماذا ستكون الحال كهذه ؟


    أولا: إن الفروق بين الحضارات ليست فروقا حقيقية فحسب، بل هي فروق أساسية، فالحضارات تتمايز الواحدة عن الأخرى بالتاريخ واللغة والثقافة والتقاليد والأهم (الدين) .. حيث يتم تصور العلاقة بين الفرد والله والفرد والأفراد والجماعات وعلاقاتها..

    ثانيا: إن العالم أصبح مكانا أصغر، وأخذت التفاعلات بين شعوب الحضارات المختلفة في التزايد، وكثرة هذا الاحتكاك تؤشر بقوة على كوامن عوامل الصدام، فإن المهاجرين الأفارقة في أوروبا أصبحوا يشكلون هاجسا منفرا للأوروبيين، في حين يحدث التسامح والترحيب مع البولنديين الكاثوليك .. ويكون التضايق من الاستثمار الياباني داخل الولايات المتحدة هو غيره تجاه الاستثمار الكندي أو الأوروبي الذي ينظر إليه نظرة طبيعية ومقبولة .

    ثالثا: إن عملية التحديث الاقتصادي والتغيير الاجتماعي في كل أنحاء العالم فصلت الشعوب عن هويتها المحلية القديمة وجعلتها تتعلق بفضاء تقني عالمي، مما أضعف ارتباط الفرد بالدولة/الأمة كمصدر للهوية .. وعليه فقد حلت الهوية الحضارية في نهاية القرن العشرين محل الهوية القديمة، فنهض الشعور بالارتباط بالإسلام كعنوان حضاري في بلاد المسلمين عموما والبلدان العربية، كما نهض الشعور بالرجوع للمسيحية التقليدية وغيرها .. كل ذلك لملئ فراغ الشعور بالانتماء ..

    رابعا: لقد تعزز نمو الوعي بالحضارة نتيجة للدور المزدوج للغرب، فالغرب من ناحية في أوج قوته، وهذا دفع أبناء الحضارات للإنكفاء نحو جذورهم الحضارية مبتعدين عن التشبه بالغرب، عكس ما كان يحدث في بداية القرن العشرين عندما كانت الصفوة الحاكمة أو المثقفة تقلد تقليدا كاملا ما تعلمته من الغرب، في حين عاد الصيني والياباني والعربي والهندي للعودة الى جذورهم الحضارية.

    خامسا: عدم قابلية التطويع والتغيير في الخصائص الثقافية والحضارية، كما هي الحال في الخصائص السياسية والاقتصادية، فإن كان الاتحاد السوفييتي قد تغير من النظام المركزي الى الديمقراطي، ومن الاشتراكية الى الاقتصاد الحر، فإنه من المستحيل أن يتحول البروتستانتي للبوذية..

    سادسا: إن النزعة الإقليمية آخذة بالازدياد فقد ارتفعت التجارة البينية الإقليمية في العالم عموما من 51% عام 1980 الى 59% عام 1989 في أوروبا ومن 32% الى 36% في أمريكا الشمالية و33% الى 37% في شرق آسيا، كما أن الكيانات السياسية والاقتصادية آخذة في التشكل في أكثر من بقعة بالعالم، وهذا يعود الى الثقافات المشتركة بين شعوب الأقاليم، في حين تعاني اليابان الدولة/الأمة بحضارتها الفريدة من التفاهم مع دول الجوار والانخراط في علاقات سوية حقيقية..

    ومن هنا يتنبأ (صاموئيل هانتنغتون) بأن المنطقة العربية والدول الإسلامية ستسير لا محالة في تكوين تكتل له شأنه وستذلل عقباتها السياسية فيما بينها.

  4. #4
    ثالثا: خطوط التقسيم بين الحضارات

    أخذت خطوط الانقسام بين الحضارات تحل محل الحدود السياسية والأيديولوجية للحرب الباردة باعتبارها نقاط تفجر الأزمات والمذابح. فقد بدأت الحرب الباردة عندما قسم الستار الحديدي أوروبا سياسيا وأيديولوجيا. وانتهت الحرب الباردة بانهدام الستار الحديدي الفاصل في برلين، ليحل محله ستار (مخملي) ثقافي حضاري ليفصل بين المسيحية الغربية والإسلام ويفصل بين المسيحية الغربية والمسيحية الأرثوذوكسية (كما أشار ويليام ولاس).

    فصنعت حدود ثقافية حضارية بين فنلندا وروسيا، ويمتد عبر روسيا البيضاء وأوكرانيا فاصلا غرب أوكرانيا الكاثوليكية عن شرقها الأرثوذوكسي متأرجحا للغرب ليفصل (ترانسلفانيا) عن باقي رومانيا ثم يمتد كمقص الخياط ليمزق يوغسلافيا ضمن نفس المعيار..

    إن النزاع بين الحضارتين الغربية والإسلامية مستمر منذ1300سنة، فبعد صعود الإسلام انتهى اكتساح العرب للغرب عام 732م في معركة بلاط الشهداء، وقد حاول الصليبيون اكتساح المشرق العربي الإسلامي والسيطرة على الأراضي المقدس بحروب استمرت قرنين من الزمان، من القرن الحادي عشر الى القرن الثالث عشر. وبين القرن الرابع عشر والسابع عشر، قلب العثمانيون (المسلمون) الموازين عندما سيطروا على البلقان والشرق الأوسط وأخذوا عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (استانبول) وحاصروا فينا مرتين. وبعد انهيار وضعف الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر، عاود الأوروبيون السيطرة على شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

    وبعد الحرب العالمية الثانية تراجعت القبضة الأوروبية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتظهر دورة جديدة ابتدأت بظهور القوى القومية العربية، ثم تلتها وتحاذت معها أو حلت أو ستحل محلها قوى إسلامية، فظهرت جولات عنيفة من الصراع بين الحضارتين بتعبير يختلف من مرة لأخرى.

    لقد كان لتحرك الغرب للدفاع عن مصالحه في حرب الكويت الأثر الكبير في فرز خطوط التوثب الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. فبين مدافع عن الغرب وتصرفه وهو في الحقيقة يعبر عن أساه فيما لو سيطر (صدام حسين) على منطقة الخليج، وبين مفتخر بأن صواريخ صدام حسين قد دكت مواقع العدو في تل أبيب، وهذا الفرز سيكون لصالح القوى الثانية التي استاءت من وجود قوات الغرب في أراضي المسلمين بحجج ضعيفة.

    وسيكون الصراع المقبل أكثر ضراوة ( لقد كتب هانتنغتون مقالته عام 1993) حيث سيجد الغرب حججه المطالبة بالديمقراطية، تقف ضده، كمن يطلب صعود عدوه للحكم، حيث ستفوز القوى الإسلامية والمعادية للغرب في أي انتخابات حقيقية.

    كما أن إفقار المناطق الإسلامية من خلال التضييق عليها في تحقيق تنمية فعالة، قد دفع موجات من المهاجرين الإسلاميين الى الغرب، الأمر الذي خلق هواجس من الشعور بالقلق لتدفق موجات تتكاثر بمعدلات تفوق تكاثر الغربيين.

    كما أن الإسلاميين قد وجدوا لأنفسهم جبهات مختلفة مع الوثنيين في جنوب السودان وبعض مناطق إفريقيا، ومع الأرثوذكس في خطوط تماس الشيشان وروسيا، وبعض مناطق يوغسلافيا، ومع الهندوس في الهند ..

    بالجانب الآخر فإن حضارات أخرى قد تجاوزت حدود الدولة لتقف على خطوط الدفاع والصدام الحضاري، كما يحدث بصمت بين الصين والغرب، والصين واليابان، واليابان وأمريكا ..

    إن الصراع الذي يتم توظيف كل الوسائل الاقتصادية والإعلامية، واستخدام مصطلحات فضفاضة للهجوم بين الحضارات كالانتقاص من تطبيق حقوق الإنسان، واستخدام المنظمات الدولية في تسليط الأضواء للنيل من تلك الحضارة التي تمثلها دولة أو دول، لا بد له أحيانا أن يتخطى تلك الوسائل ليصل الى الصدام المسلح العنيف .. وستكون مناطق الشرق الأوسط من أسخن مناطق العالم لتطبيق كل أساليب الصراع، حيث ستشهد فلسطين والعراق وشرق المتوسط بشكل عام جولات متعاقبة من التعبير عن هذا الصراع .

    يتبع

  5. #5
    رابعا: تعبئة الحضارات : ظاهرة البلدان ذات القرابة ..


    يقول صاموئيل هانتنغتون: من الطبيعي أن تحاول المجموعات أو البلدان المنتمية الى حضارة واحدة، عندما تدخل في حرب مع شعب من حضارة أخرى، الحصول على مساندة الشعوب الأخرى التي تشترك معها في الانتماء الى الحضارة نفسها. ويبدو أن عالم ما بعد الحرب الباردة قد بدأ يتوجه الى هذا الرصف (الحضاري) بعيدا عن الرصف الأيديولوجي كما صوره (د. س. غرينواي) .. في ظاهرة (البلدان ذات القرابة) .

    ويضرب (صاموئيل هانتنغتون ) ثلاثة أمثلة تدعم وجهة نظره ..

    المثال الأول:
    في حرب الخليج غزت دولة عربية دولةً عربيةً أخرى، ثم حاربت إئتلافا من دول عربية وغير عربية. وفي حينه لم يفصح سوى عدد قليل جدا من البلدان العربية عن تأييدها صدام حسين. لكن الكثير من النخب العربية هللت له في أوساطها الخاصة. كما حظي بشعبية كبيرة لدى أجزاء كبيرة من الجماهير العربية. وقد أيدت الحركات الإسلامية الأصولية كافة، العراق بدلا من تأييد حكومات الكويت والسعودية التي يدعمها الغرب .

    وقد حدث تغير متوقع عندما أضاف صدام حسين لفظ ( الله أكبر) على علم العراق، وهو بهذا يستشعر طبيعة الحرب الحضارية. كما شاركه في ذلك قيادات إسلامية مثل ( سفر الحوالي) عميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى في مكة في شريط وزع بشكل واسع ( إنها [ حرب الخليج] ليست العالم ضد العراق، بل الغرب ضد الإسلام) .. كما أن إيران قد ورد على لسان مرشدها (علي خامئني ) متجاهلا الخصومة مع العراق فقال : ( النضال ضد العدوان الأمريكي و أطماع الأمريكيين وخططهم وسياساتهم سوف يحسب جهادا، وكل من يُقتل في سبيل ذلك هو شهيد) .. ورأى عاهل الأردن الملك حسين : ( إن هذه الحرب ضد كل العرب وجميع المسلمين و ليست ضد العراق) ..

    وقاد هذا الاصطفاف الشعبي و النخبوي الى انفراط عقد التحالف شيئا فشيئا، ولم يبق منه سوى الكويت والغرب. وقد ظهر مصطلح الكيل بمكيالين عند المصطفين ضد الغرب، في الإشارة للمواقف الغربية تجاه ما يجري في فلسطين والبوسنة والهرسك..

    المثل الثاني الذي ضربه المؤلف
    : هي (ظاهرة القرابة) في نزاع بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا. فقد حفزت نجاحات أرمينيا عامي 1992و 1993 تركيا لأن تزيد مساندتها لأشقائها في الدين والعرق واللغة في أذربيجان ومثلما قال مسئول تركي عام 1992: ( نحن، الأمة التركية، نحس بمشاعر الأذريين نفسها. إننا نتعرض لضغط. إن صحافتنا مليئة بصور المذابح، التي تسألنا إذا كنا لا نزال جادين في شأن انتهاج سياستنا المحايدة، ربما ينبغي لنا أن نظهر لأرمينيا أن هناك تركيا كبرى في المنطقة) ووافق الرئيس تورغوت أوزال ، ملاحظا أنه ينبغي لتركيا على الأقل أن ( تخيف الأرمن قليلا) .. وهدد أوزال مرة ثانية عام 1993 بأن تركيا (ستظهر أنيابها) وحلقت الطائرات النفاثة التركية في طلعات استطلاعية على امتداد الحدود الأرمنية، وعلقت تركيا رحلاتها الجوية الى أرمينيا، وأوقفت شحنات الغذاء المتفق عليها ..

    في حين كانت الحكومة الروسية والتي كان تعاطفها ووقوفها الى جانب أذربيجان امتدادا لموقف الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أنها سرعان ما وقفت كحكومة مسيحية الى جانب الأرمن ضد أذربيجان المسلمة.

    المثل الثالث الذي ضربه المؤلف
    : هو حول تعاطف الرأي العام الغربي، مع المسلمين ضد الصرب (الأرثوذكس ) في حين غض النظر عن جرائم الكروات (الكاثوليك) ضد المسلمين .. وبعد انهيار يوغسلافيا الاتحادية سارعت ألمانيا بالطلب من دول الاتحاد الأوروبي الاعتراف بجمهوريتي (سلوفينيا و كرواتيا) اللتان تخلصتا من السيطرة الصربية الأرثوذكسية .. في حين بقيت روسيا تساند الصرب الأرثوذكس حتى لحظات هجوم حلف الأطلسي عليه، وتمده بالسلاح وتقف معه في المحافل الدولية، رغم حاجتها للتقرب من الغرب..

    وفي عام 1993 وصل 4000 مقاتل من الدول الإسلامية كمتطوعين في الدفاع عن البوسنة والهرسك .. وبقيت الدول الرسمية من السعودية وغيرها وحتى إيران تسهم في نقل السلاح الى البوسنيين ..

    لا تزال التعبئة على أساس حضاري حتى الآن محدودة، لكنها آخذة في النمو. ومن الواضح أن هناك إمكان لتوسيع انتشارها الى مدى أبعد. ومع استمرار النزاعات في الخليج العربي والقوقاز والبوسنة، فإن مواقف الأمم والانقسامات في ما بينها تقوم بصورة متزايدة على أسس حضارية. وقد وجد السياسيون الشعبويون والزعماء الدينيون ووسائل الإعلام في النمط من التعبئة الحضارية وسيلة قادرة على تعبئة الجماهير والضغط على الحكومات المترددة. ومن المرجح أن تتحول النزاعات المحلية في السنوات القادمة الى حروب كبيرة، مثلما كانت الحال في البوسنة والقوقاز، على الحدود الفاصلة بين الحضارات وستكون الحرب العالمية التالية إذا ما نشبت، حرب حضارات.

  6. #6
    خامسا: الغرب ضد الباقي

    يقول صاموئيل هانتنغتون: إن الغرب حاليا، في أوج قوته، مقارنة بالحضارات الأخرى، فقد اختفت الدولة العظمى الخصيمة له من على الخريطة، والنزاع العسكري بين الدول الغربية فيما بينها أمر لا يُتصور، والقوة العسكرية للغرب بلا منافس. وفي ما عدا اليابان، فإن الغرب لا يواجه أي تحد اقتصادي، وهو يهيمن على المؤسسات السياسية والأمنية الدولية، ويهيمن مع اليابان على المؤسسات الاقتصادية الدولية.

    وتتم تسوية القضايا السياسية والأمنية العالمية بطريقة فاعلة بواسطة مجلس إدارة مكون من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، وكلها ترتبط بعضها ببعض بعلاقات وثيقة بصورة غير عادية بما يستبعد البلدان الأقل قوة وغير الغربية أساسا.

    إن القرارات التي يتخذها مجلس الأمن أو صندوق النقد الدولي، والتي تعكس مصالح الغرب، تُقدم للعالم باعتبارها قرارات تعكس رغبات المجتمع العالمي، بل أن تعبير (المجتمع الدولي) نفسه أصبح اسما جماعيا ملطفا (يحل محل ((العالم الحر)) الذي كان يطلق أيام الحرب الباردة)، لإضفاء مشروعية كونية على الأعمال التي تعكس مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى*1

    كما أن صندوق النقد الدولي الذي يستخدمه الغرب في رسم سياساته المالية، والذي لا يحظى بتأييد أي جهة في العالم عدا الغرب ووزراء المالية في الدول النامية التي تتعامل معه، في حين تلتقي رؤية بقية سكان العالم مع وصف (جورجي أرباتوف) عن الصندوق ومسئوليه بأنهم (البلاشفة الجدد الذين يحبون الاستيلاء على أموال الآخرين، وفرض قواعد غير ديمقراطية وغربية للسلوك الاقتصادي والسياسي وتقليص الحرية الاقتصادية).

    لقد ساد شعور عميق لدى سكان العالم (عدا الغرب) بأن المؤسسات الدولية وبالذات (مجلس الأمن) هي لخدمة مصالح الغرب، والذي يشرع فيه لإرادته ويضرب و يحاصر، ويستفيد من تلطيف تلك القرارات بامتناع الصين عن التصويت، والذي يعطي مسحة ديمقراطية على تلك القرارات!

    وفي العالم العربي، بعد أن تم القضاء على أكبر وأقوى جيوشها، تكاثر تهافت الغرب في التواجد بالمنطقة، وأمعن الغرب في حصار ليبيا و إلزامها بدفع تعويضات لحادث (لوكربي) .. كل ذلك عمق من امتعاض شعوب تلك المنطقة ـ ومعهم بعض الحق ـ في النظر، نظرة ازدراء لهذا النظام الدولي.

    وقد حاج (ف . س . نايبول) بأن حضارة الغرب هي الأصح، وهي التي يجب أن تسود كل العالم، وقد فاته بأن القيم الغربية عن الحريات وحقوق الإنسان ودور الكنيسة، لا يهتم بها لا اليابانيون ولا الهنود ولا العرب و لا أهل الصين. وقد أوجد مؤلف كتاب (100 دراسة مقارنة في المجتمعات المختلفة) أن القيم الأكثر أهمية في الغرب، هي الأقل أهمية على النطاق العالمي.

    ومن المرجح أن يتمثل المحور المركزي للسياسات العالمية في المستقبل ـ على حد تعبير كيشوري محبوباني ـ في النزاع بين الغرب وبقية العالم وردود الحضارات غير الغربية على القوة والقيم الغربية. فإن هذه الردود ستتخذ أحد ثلاثة أشكال أو توليفة منها. ففي طرف قصي تستطيع الدول غير الغربية، مثل بورما وكوريا الشمالية، أن تحاول إتباع مسار العزلة لتعزل مجتمعاتها عن تسلل (الفساد) من الغرب، والواقع أنها تختار بذلك عدم المشاركة في (المجتمع الدولي) الذي يهيمن عليه الغرب، بيد أن تكاليف هذا النهج عالية جدا، وتختاره القلة القليلة من الدول. والبديل الثاني: وهو المكافئ (للانتظام في قافلة عربات الفريق) في نظرية العلاقات الدولية، ويتمثل في محاولة الانضمام الى الغرب وقبول قيمه و مؤسساته. والبديل الثالث: هو محاولة (موازنة) الغرب بتطوير قوة اقتصادية و عسكرية والتعاون مع المجتمعات غير الغربية الأخرى ضد الغرب، مع الحفاظ على القيم والمؤسسات المحلية الأصلية، أي باختصار، التحديث من دون التغريب.

  7. #7
    سادسا: البلدان الممزقة

    تنبأ الكاتب (صموئيل هانتنغتون) بأن البلدان التي بها أعداد كبيرة من الشعوب، والناس الموجودون في تلك البلدان يملكون تمايزا هائلا (حضاريا).. أي تختلف مكونات تلك الدول من الناحية الحضارية.. كيوغسلافيا والاتحاد السوفييتي، وهي (برأيه) مرشحة لتقطيع أوصالها. ولدى بعض البلدان الأخرى درجة كبيرة من التناغم الثقافي، لكنها منقسمة حول ما إذا كان مجتمعها ينتمي الى حضارة أو الى أخرى. وتلك هي البلدان الممزقة. وعادة ما يرغب زعماؤها في إتباع إستراتيجية الانضواء في قافلة العربات، وجعل بلدانهم أعضاء في الغرب، لكن تقاليد هذه البلدان وثقافاتها ليست غربية، وتركيا هي أبرز وأوضح بلد ممزق. فقد سار زعماء تركيا في أواخر القرن العشرين على تقاليد أتاتورك وعرفوا تركيا باعتبارها دولة/أمة حديثة وعلمانية وغربية وجعلوا تركيا تتحالف مع الغرب في الحلف الأطلسي وحرب الخليج، وتقدموا بطلب العضوية في الجماعة الأوروبية.

    بيد أن هناك في الوقت نفسه عناصر وقوى في المجتمع التركي تؤيد الإحياء الإسلامي، وتؤكد أن تركيا هي في الأساس مجتمع إسلامي شرق أوسطي. وفي حين أن النخبة في تركيا حددت تركيا باعتبارها مجتمعا غربيا، فإن النخبة في الغرب ترفض قبول تركيا بهذه الصفة. إن تركيا لن تصبح عضوا في الجماعة الأوروبية. والسبب الحقيقي، كما قال الرئيس (أوزال) هو: (إننا مسلمون وهم مسيحيون وهم لا يقولون ذلك). وإذا رفضت تركيا (مكة) ورفضت من قبل (بروكسل)، فإلى أين تتطلع؟ ربما تكون (طشقند) هي الوجهة التي ستتجهها. لقد أتاح انهيار الاتحاد السوفييتي الفرصة لتركيا لأن تصبح زعيمة الحضارة التركية المنبعثة التي تضم سبعة بلدان من حدود اليونان الى حدود الصين، وإذ يشجعها الغرب، فإن تركيا تقوم بمجهود مضن لتشكيل هذه الهوية الجديدة لنفسها.

    هذه الصيغة مرت بها (المكسيك) فكما تخلت تركيا عن معاداتها لأوروبا الغربية وأخذت نخبها تلهث لقبول أوروبا لها، فإن المكسيك هي الأخرى تخلت عن معاداتها للولايات المتحدة الأمريكية وتوقفت عن كونها من أمريكا اللاتينية، حتى قُبلت في منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، بل ذهب حكام المكسيك أبعد من ذلك إذ انغمسوا في خدمة مصالح سيدهم الشمالي الجديد.

    وإذا كانت تركيا ، من الناحية التاريخية هي البلد الممزق، فإن المكسيك الأكثر قربا من الولايات المتحدة هي أكثر بلدان العالم تمزيقا! ..
    أما روسيا فهي أهم بلد ممزق على الصعيد العالمي، وقد ظهر في روسيا أصوات نخب تدعو الى الانخراط في المشروع الأوروبي الغربي .. في حين ينظر أهل أوروبا الغربية (تاريخيا و حاليا) الى روسيا بأنها قائدة الحضارة (السلافية ـ الأرثوذوكسية) وهي سمة لازمت روسيا على مر التاريخ .. وما استلهام روسيا للفكر الشيوعي الذي هو بالحقيقة صناعة أوروبية غربية لتعادي به أوروبا الغربية بلباس أيديولوجي، سرعان ما تلاشى هذا اللباس ولو بعد وقت لتعود الخطوط الكلاسيكية بين الحضارات لتتشكل من جديد..

    وإن كان الرئيس (يلتسين) قد أبدى شجاعة في البوح عن رغبته في التقرب أكثر من الغرب، إلا أن النخب في روسيا والغرب نفسه قد انقسمت حول هذا التوجه لعدم انسجامه تاريخيا مع ما هو فعلي .. وإن إضافة روسيا لمجموعة الدول السبعة لتصبح ثمانية إلا مجاملة دون وزن فعلي في تغيير الأمور. ولم تمنع رغبات يلتسين النخب الروسية من الوقوف الى جانب صربيا في صراعها مع الغرب، حيث تلتقي تاريخيا مع روسيا بالكتلة (السلافية ـ الأرثوذوكسية) .

    ولكي يعيد بلد ممزق تحديد هويته الحضارية، ينبغي عليه أن يفي بثلاث متطلبات :
    أولا: ينبغي أن تكون النخبة السياسية ـ الاقتصادية فيه، بصفة عامة، مؤيدة لهذا التحرك ومتحمسة له.
    ثانيا: ينبغي أن يكون الرأي العام فيه مستعدا للإذعان لإعادة التحديد هذه.
    ثالثا: ينبغي أن تكون الجماعات المسيطرة في الحضارة المتلقية راغبة في تبني التحول.

    وكل المتطلبات الثلاث موجودة لحد كبير فيما يتعلق بالمكسيك. والشرطان الأول والثاني، متوفران الى حد بعيد في تركيا. وليس هناك وضوح في توفر أي شرط من الشروط الثلاثة في روسيا.

  8. #8
    سابعا : الصلة الكونفوشيوسية ـ الإسلامية

    لوحظ في نصف القرن الماضي، الرغبة المتصاعدة لدى الكثير من البلدان في انضمامها الى القطار الغربي، ولكن عقبات جدية واجهت وتواجه البلدان، كل حسب وضعها و حجمها، فنلاحظ قلة عدد تلك العقبات بالنسبة لبلدان شرق أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وتزداد تلك العقبات بالنسبة للبلدان التي كانت في دائرة الاتحاد السوفييتي السابق، والبلدان الأرثوذكسية الأخرى، ولكنها تكون الأصعب بالنسبة للبلدان الإسلامية والكونفوشيوسية، والهندوسية والبوذية..

    ولو استثنينا اليابان التي تعتبر قريبة من الغرب في بعض النواحي، لكنها بعيدة في الكثير من النواحي.. فإن الدول الإسلامية و غيرها من البلدان الأخرى، قد أبدت رغبة قوية في التعامل مع بعضها في مواجهة الغرب، بقوته و قيمه وإرادته .. وقد لوحظ في الوقت التي تخفض الدول الغربية قوتها العسكرية، فإن دولا كالصين وكوريا الشمالية و البلدان العربية وإيران وباكستان والهند، قد زادت من سعيها في تدعيم قوتها العسكرية .. وقد نتج عن ذلك ظهور ما أسماه (تشارلز كرواتهامر) ب (دول الأسلحة).. وهي دول غير غربية..

    وإذا كان الهدف الرئيسي من الحرب الباردة هو إحداث حالة توازن عالمي، بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والاتحاد السوفييتي وحلفائه من جهة أخرى.. فإن الهدف الرئيسي الذي برز بعد الحرب الباردة، هو منع المجتمعات غير الغربية من تطوير إمكانيات تسليح نفسها وتطوير صناعاتها العسكرية .. وقد تم استخدام ضغوط مختلفة تم توظيف كل إمكانيات الغرب من علاقات دولية ووسائل ضغط اقتصادية والأمم المتحدة وغيرها، لمنع نقل التكنولوجيا لتلك البلدان.

    ويتركز الصراع بين الغرب والبلدان الكونفوشيوسية والإسلامية، على منع الغرب لها من امتلاك الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والصواريخ البالستية وغيرها من وسائل إطلاقها وقدرات الاستخبارات والقدرات الإلكترونية وغيرها .. وقد ابتكر الغرب قاعدة لنشاطه السياسي هي منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمعاهدات الملزمة للدول على التوقيع عليها وخضوعها للتفتيش، واستخدم لملاحقة خصومه (مروحة) من العقوبات الدولية ذات الصبغة الشرعية ..

    وبالجانب الآخر أكدت البلدان غير الغربية، رغبتها القوية في حيازة تلك القدرة الممهدة لامتلاك مثل تلك الأسلحة.. وقد جاء على لسان وزير دفاع الهند، عندما سئل عن الدرس الذي تعلمه من حرب الخليج 1991، فقال: ( لا تحاربوا الولايات المتحدة ما لم تكن لديكم أسلحة نووية) ..

    وتعتبر الأسلحة النووية والكيميائية، ربما بصورة خاطئة، المعادل المحتمل لقوة عظمى تقليدية غربية. وإن كانت الصين والهند وباكستان قد حازت مثل تلك الأسلحة فإن دولا مثل العراق و إيران وليبيا و كوريا الشمالية والجزائر تسعى لامتلاكها (تاريخ كتابة الكتاب) ..

    وإن كانت أمريكا قد أعطت لقب (محور الشر) على ثلاثة بلدان، فإنها تعلم هي والغرب أن تعاونا يتم بين البلدان التي حازت على تقنيات الأسلحة الفتاكة، وكان تعاون ولا يزال بين تلك الدول خصوصا الكونفوشيوسية مع البلدان الإسلامية في تقنيات الصواريخ البالستية (كوريا الشمالية ـ العراق ـ سوريا) ..

    وهكذا فإن إرادة كونفوشيوسية ـ إسلامية تشكلت و لا زالت تزيد رسوخا، مع رضا صامت من (روسيا الأرثوذكسية) الراغبة في تكوين عدة أقطاب عالمية، تأخذ فرصتها فيها من خلالها لتعوض أمجادها (بوضعها السوفييتي) ..

    ولكن الغرب الذي ارتأى أن المنع من حيازة هذه البلدان لتقنيات أسلحة الدمار الشامل، هو الطريق الأفضل والأقل كلفة من سباق التسلح .. يحاول بكل إمكانياته لتحقيق أهدافه تلك ..

  9. #9
    ثامنا: الآثار الضمنية بالنسبة للغرب

    هذا آخر عمل تلخيصي، لما كتبه (صاموئيل هانتنغتون)، ليختم به رؤيته حول موضوع صراع الحضارات، وإن كنا قد قدمناه بحيادية كاملة، تمشيا مع الأصول المتبعة في تقديم أعمال الغير، دون أن نبين رأينا فيما يقول الرجل، ليكون القارئ العربي على اطلاع بالكيفية التي تفكر بها نخب الغرب، والتي بالتالي تزود صانعي القرار بمادة نظرية يتم تحويل تلك الرؤى لإجراءات عملية .. وسنحاول عرض الآراء التي تصدت لتلك النظرية فيما بعد، إثر انتهاءنا من عرض مقالات صاحب النظرية. وسيجد القارئ الكريم في هذه المقالة ارتجاج بنيان تلك النظرية، عندما يعود القارئ الى تاريخ وضعها قبل عقد ونصف ويطابق ما وقع من أحداث جسام في تلك الفترة ..

    نعود الى (صاموئيل هانتنغتون) والحلقة الأخيرة..
    يقرر الكاتب ـ في النهاية ـ أن الهويات الحضارية لن تحل محل الهويات الأخرى، ولن تختفي الدول/الأمم، ولن تصبح كل حضارة كيانا سياسيا متماسكا موحدا، ولن تختفي النزاعات الخاصة بالمجموعات داخل كل حضارة.. لكنه يعود فيؤكد أن تلك الخلافات بين الحضارات حقيقية ومهمة، وأن الوعي بالحضارة آخذ بالتزايد، وأن الصراع بين الحضارات سيحل محل الصراع الأيديولوجي..

    ثم يذكر بأن ميدان العلاقات الدولية كان يجري فوق ملعب الحضارة الغربية، ولاعبها الفاعل هو الحضارة الغربية نفسها، ولكن سيتحول أبناء الحضارات الأخرى الى لاعبين فاعلين وداخل ملعب الحضارة الغربية، بدلا من سابق وضعهم عندما كانوا (مفعول به) .. وأن المؤسسات الاقتصادية والسياسية الدولية الناجحة في الحضارات غير الغربية، يتزايد احتمال تطورها داخل الحضارات وليس عبر الحضارات.. وأن النزاعات بين المجموعات المختلفة في الحضارة الواحدة سيزداد عنفا وتوترا، وهي الأكثر احتمالا للتصعيد بما سيؤدي لقيام حروب ساخنة قد تصل الى (العالمية) ..وأن الصراع الحضاري المقبل سيكون بين الغرب و المسلمين ومن ثم أبناء الحضارة (الكونفوشيوسية) ..

    لذا (والقول للكاتب)، فإن الآثار الضمنية للغرب المترتبة على سوق هذا التطور تستوجب من الغرب، أن يستوعب في حدود حضارته أبناء أوروبا الشرقية ويحسن علاقاته مع روسيا، ويتراضى مع الحضارات أو الشعوب في أمريكا الجنوبية، ليدخر قوته للصراع الحضاري المقبل.. كما عليه أن يبقي على تفوقه العسكري، ولا يبالغ في تخفيض الميزانيات العسكرية، ويبقي التحام اليابان مع الغرب، ويمنع أبناء الحضارات الأخرى من تطوير قدراتها التسليحية، ومع ذلك فإن حدة الصراع المقبل لن توجد حضارة عالمية واحدة .. بل ستجبر أبناء الحضارات على قبول فكرة التعايش مع بعض ..

    انتهى تقديم نظرية (صاموئيل هانتنغتون)

  10. #10

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •