"عُـمَـرُ والواجب" في العدد (٨١٠) من مجلة أسامة (تشرين الثاني ٢٠٢٠).
قصة: ميساء الحلواني
رسوم: آمال الدقاق
..........................................
فتحَ عُـمَرُ حقيبتَهُ المدرسيّة، فإذا به يجدُ كتابَ الرِّياضيات في الانتظار. فَتـحَهُ بسُرعةٍ على صفحةِ الوظيفة، فتراقَصَتْ أمامَهُ الأرقامُ على السُّطور، وتَدحرَجتِ الدَّوائرُ، وتَثاءَبَ الـمُستطيلُ بكسلٍ، ونظرَ إليهِ نظرةً كُلُّها خوفٌ. إشارةُ الجمع تغيظُ إشارةَ النّاقص، وإشارتا الأكبر والأصغر مُـتـخاصِـمَـتان، كُلٌّ منهما تُديرُ ظهرَها للأُخرى. شعرَ عُـمَـرُ بالحيرة. ماذا يفعل؟! كيفَ يحلُّ الواجبَ؟ وماذا يكتبُ في الدَّفتر؟!
شَعرَتْ ماما بعينَـيْ عُـمَـر تدورانِ بلا تركيزٍ، ورأتْ أنّهُ لم يَكتُبْ أيَّ رقـم بقلمِهِ الصَّغير. قــالتْ لنفسِها: يحتاجُ عُـمـرُ جرعةً من الـهُدوءِ والتَّشجيع معَ لمسةِ حنانٍ ليضبطَ الأرقام. أحضرتْ له كوباً من عصير البُرتقال، معَ قُبلةٍ وحضنٍ يُوقِظُ الآمال، ثمّ قالتْ: قسّـمِ الواجبَ يا عُمر، وانظُـرْ إلى التَّـمارينِ واحداً تلوَ الآخر، ومعَ كلِّ تمرينٍ خُذْ رشفةً من العصير.
جلستْ جانبَهُ تُطالعُ كتابَـها، وهي تُراقبُهُ بخفاءٍ. ركَّزَ عُمرُ على التَّـمرينِ الأوّل كأنّهُ الوحيدُ والأخير، ثـمّ وازنَ بينَ الأرقام، ونظرَ إلى إشارةِ العمليّة بـجِدّيّةٍ، وكتبَ النّاتـجَ عندَ إشارةِ الـمُساواة. نظرتْ ماما، وقالتْ: لقد أنجزتَ العمليّة. شعرَ عُمرُ كأنّ عصيرَ البُرتقال قد قفزَ من كوب العصير، وأخذَ يطيرُ بينَ الكُتبِ والدَّفاتر. إنّهُ يرقصُ، ويُغنّي، ويبتهجُ، ويُقيـمُ لعُمرَ أجملَ مهرجان. لوّنَ عُمرُ خيالَهُ بأحلى الألوان، وهذا كُلُّهُ لنجاحِهِ في حلِّ التَّـمرينِ الأوّل، ثـمّ نظرَ إلى التَّـمرين الثّاني كأنّهُ الأوّلُ والأخير. لقد أشعرَهُ عصيرُ البُرتقال بالنَّشاط، وأخذَ يُشجِّعُهُ من داخلِ الكوبِ الـمُلوَّن، لكنّهُ أخطأَ هذهِ المرّة. قالتْ ماما: لا بأس، لكُلِّ جوادٍ كبوةٌ. حاولْ مرّةً أُخرى يا بطل!
رشفَ عمرُ رشفةً من العصير على عَجَل. فكّرَ، وركّزَ في الأرقام، ثـمّ كتبَ النَّاتج. قالتْ ماما: أحسنتَ. هلّلَ عصيرُ البُرتقال ثانيةً، وعادَ ليَنثُرَ الألوان، وهكذا إلى أنْ أنهى عمرُ الواجبَ معَ آخرِ رشفةٍ من العصير.
نظرتْ ماما إليهِ نظرةَ فخرٍ وسُرورٍ، وعُمرُ يَتلذّذُ بحلاوةِ النَّـجاح والإنجاز بعدَ التّعب، ويَتذكّرُ معَ طعـمِ عصيرِ البُرتقال الرَّائع ضرورةَ التَّركيز.