الانفتاح الفكري

أ.د. نورالدين السد

الانفتاح الفكري عامل من العوامل المسهمة في كل تطور فردي ، ورقي جماعي ، باعتبار الفكر عاملا مركزيا في تشكل الوعي والإدراك ، وهو المؤثر الفعال في كل الأحوال الجسديّة والروحية للإنسان ، بل هو أساس بناء حياة الإنسان وانسجامها وتناغمها مع جوهر إنسانية الإنسان ، وللانفتاح الفكري دور وظيفي في ما يحقق الإنسان من نجاح و انتصار .
والانفتاح الفكري يحدث بمسعى الإنسان إلى التكيف مع المحيط ، ويحدث بالتواطئ الناتج عن الممارسات الاجتماعية والاقتصادية ، وما تفرزه هذه الممارسات من أنماط ثقافية وبنى وعلامات ورموز وإشارات ومنظومات قيمية ذات أبعاد بنيوية ووظيفية .
وإن معرفة المرء كيفية تطويع فكره وانفتاحه على الوجود المادي والمعنوي الاجتماعي والإنساني بمستوييه الداخلي والخارجي ، يجعله قادرا على الاندماج اجتماعيا وإنسانيا والتفاعل لتسيير شؤون الحياة ، وقادرا على التكيف مع الظروف المحيطة به ، وساعيا إلى تغيير الأوضاع إلى ما هو أفضل ، والإنسان المنفتح فكريا يمتاز بقوة الإرادة والعزم والثقة في النفس ، لما كسب من خبرات ، وما عايش من تجارب ، ومن يمتاز بالانفتاح الفكري وقوة الإرادة والثقة ؛ يحصل على ما يريد من الحياة، ويحقق لذاته مقوّمات راحة البال وهدوء النفس والرضا والاطمئنان ، بل يكون أكثر نضجا ، ويكون أفيد لمجتمعه .
والانفتاح الفكري سبيل إلى الرشد والحكامة ، ودافع من دوافع القوى المنتجة لتضاعف جهودها عمليا ، وتسخير قدراتها فيما ينفعها وينفع الناس، ويحقق لها مردودية ذاتية وجماعية ، وبهذه الصيغة يكون الانفتاح الفكري ضربا من ضروب التفاعل الإيجابي بين الفرد والجماعة ، لما في هذه العلاقة التفاعلية من انعكاسات إيجابية على ترقية السلوك الفردي والجماعي ، وتحقيق الانسجام والتوافق مع الذات ومع الآخر .
وإذا كان الانفتاح الفكري من الأسباب الأساسية والعوامل المركزية في تحقيق الرقي العلمي والتطور المعرفي الفردي والجماعي والتمكين للتقدم الثقافي والحضاري ، فإن الجهل من أسباب الإنغلاق الفكري ، وهو من أرذل الصفات وأخطرها على الفرد والمجتمع ، بما يولّده من انغلاق وتعصب وتطرف وتخلف .
والإنسان المعاصر محظوظ لأن كل وسائل الاتصال والمعرفة والتفاعل متاحة له ، وكل إمكانات تحقيق الانفتاح الفكري ميسرة له ، وكل الظروف مواتية له لينتقي ويرتقي ، ويسهم في تطوير الحاضر وصنع المستقبل ، وجميع السبل ميسرة له ليجتهد ويحقق ذاته ، وينجز ما يتطلع إليه من أهداف .../ نورالدين السد