منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 14 من 14
  1. #11
    موضوع مشوق ومخيف بآن واحد.. إن حب المال لو تمكن من القلب لأحرق الكرة الأرضية كلها. شكرا استاذ عبد الغفور هل هناك من بقية؟ البقية في حياتنا ونحن مقبولون على الفقر..

  2. #12
    إعادة إحياء الأثرياء إدارياً

    الصفحات من 197 -232

    (1)

    في التسعينات من القرن التاسع عشر، كانت الطبقة الحاكمة الأمريكية قد أصبحت بدينة وفاسدة. وكان أفرادها هدفاً لإهانة معنوية من قبل الإصلاحيين ومحّط سخرية الهجائيين مثل (ثورشتاين فبلين) الذي اعتبر تبذيرهم إسرافاً في عملية تبني أساليب طبقة ثرية حاكمة على وشك أن تصبح قديمة الطراز.

    كانت مراهنات (فبلين) وغيره الذين كانوا يتوقعون انهيار تلك الطبقة ليست في محلها، وإن كان (فبلين) يضع سيناريو لهذا الانهيار، لأن الطبقة الثرية الحاكمة في نظره والتي أصبحت نتيجة تنعمها بأوقات الفراغ، عديمة الخبرة والكفاءة في إدارة الشركات العملاقة. فقد انتبه هؤلاء الأثرياء الى استخدام طبقة محترفة من التقنيين، وأغدقوا عليهم بالرواتب ليكونوا هم القيادات الحقيقية لتلك الشركات.

    لقد حدث انعطاف شديد منذ أيام الرئيس (ثيودور روزفلت) في التسامح في إدخال غير (الأنجلو سكسون البيض) الى دائرة النخب الإدارية والحاكمة، حتى لو كانوا كاثوليك أو يهود أو سود.

    كما أُدخل فرع جديد في النشاط الإداري، وهو العلاقات العامة التي كانت مهمتها نزع الصورة عن تلك الطبقة بأنهم (أقطاب سرقة) وتحويلهم في نظر الناس الى (رجال دولة صناعيين، ومُحسْنين تقدميين!).

    بمحاذاة ذلك، كان (الاستعراق) أي تفضيل العرق الأبيض المسيحي والرياضي يتم التركيز عليه في شؤون التربية والأخلاق، وهذا السلوك (مستوحى من إنجلترا).

    وانتشرت ظاهرة (التنفجية) [ التنفجية: مصطلح يبدو أن المترجم نحته نحتاً أو واضعه مواضعة، فهي بلسان العرب الوثوب والتكبر والعلو، وإن ما قصده المترجم من محاكاة علية القوم لمن هم أدنى منهم باللباس والصراخ ولكن دون إخفاء أنهم يستعلون على من حولهم. هذه الظاهرة لا زالت منتشرة في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم بظهور الرؤساء بملابس غير رسمية أو مشاركتهم الآخرين أفراحهم ورقصاتهم، مع التندر على الآخرين، أثناء ممارسة تلك العادة (الظاهرة)].

    (2)

    ظهر في تلك الفترة ملامح من الإيمان القوي بضرورة التناغم بين الجسد والروح، فكان الرجل الجدير بالقيادة والاحترام من طبقة الأغنياء، هو ذلك الرجل ذو الجبين العريض وشعره مرفوع الى الخلف والى الأعلى ليدلل على نمو دماغه الكامل.

    وهناك من أفرط في الأناقة، حتى أنه يُحكى عن رجلٍ يدعى (بيري وال الأنيق) أو كما كان يعرف ب (ملك المتأنقين)، إذ ظهر في أحد أيام أغسطس/آب بأربعين بدلة مختلفة في يوم واحد، كان يحتفظ بها في غرفة بفندق (ساراتوغا سبرينغر)*1

    وقد كانت العضلات المفتولة قد رُبطت بالقدرة الذهنية، ولعل الرئيس (تيودور روزفلت) قد جسدها تجسيداً كاملاً. فقد كان في بداية حياته ضعيف البصر مصاب بالربو، وقد حول صراعه الخاص للتغلب على الضعف الى درس لقنه لكل أفراد (الطبقة الرائدة). فقد أخبره الطبيب وهو في الثانية عشرة من العمر، بأن عليه مزاولة التربية البدنية القاسية وإلا فإن عقله سيصاب بالوهن.

    ويذكر أصحابه كيف تحول هذا الطفل الوديع الى رياضي يحدث في لعبه ضجيجاً وصخباً، وكيف أنه امتنع عن شرب الخمر وممارسة الجنس، وحول ذلك السلوك الى نظرية قريبة من الإيمان، ولكي يجعلها كذلك انتمى الى أندية مسيحية وجمعيات محافظة.

    ويروي هو، كيف أنه ضرب متنمراً حاول اللمز بشخصيته: فيما كنت أنهض وجهت ضربة باليمنى سريعة وقاسية الى فكه وضربة باليسرى عندما وقفت منتصباً وقد سقط على الأرض... ففي بعض الأحيان، يكون على المرء القيام بما يتوجب القيام به ـ حتى وإن كان رجلا نبيلا ذا سلوك حسن...كان الجسد والعقل عند روزفلت متصلين بصورة كاملة*2

    وقد تسللت مواصفات الأمريكي القوي والوسيم الى الروايات والأفلام فهي عند (ويسر) في روايته (الفرجيني) نبيل مخشوشن ذو سلوك حسن قليل الكلام بطيء الغضب ولكنه متمسك بحسه الدمث بالسمعة الطيبة وهو في المنزل متحمل لمسؤولياته حيال العائلة، وحيال الرفاق أيضاً والنساء المهذبات*3

    وقد شدد الفيلسوف البراجماتي (وليام جيمس) على ضرورة أن تبتعد الفلسفة على إيقاع الخريجين في فخ الاستغراق بالتفكير وتحويلهم الى عالات يفتقرون الى الشخصية الفردية والرجولة الصريحة... ودعا الى سحب الشبان الأثرياء للعمل في مناجم الفحم الحجري والحديد وقطارات الشحن وأساطيل الصيد وغسل الصحون والثياب وسبك المعادن وفتحات الأفران وتركيب هياكل ناطحات السحاب وغسل النوافذ وشق الأنفاق فهذا سيعيد المجتمع الى أن يكون أكثر متانة ورزانة*4 وكان متأثراً بأفكار (روزفلت) ورشحه ليكون رئيساً لجامعة هارفارد.

    (3)

    تهيئة الناشئة اجتماعياً هي أحد العناصر الأساسية لإعادة بناء طبقة حاكمة. وبينما كان (وليام جيمس) قلقاً. كان هناك المربون الأصغر سناً يجددون المدارس الإعدادية وينشئون المعاهد المتكفلة بالدور الذي أراده.

    فمدرسة (غروتون) الديكتاتورية خضع طلابها لبرامج قاسية في السلوك والأخلاق والانضباط، وقد جاء باحتفالها بعيدها الخمسين أن هناك أكثر من ألف خريج من تلك المدرسة تبوؤوا مراكز قيادية (1 رئيس جمهورية؛ اثنان وزيرا خارجية؛ ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ، واحد في الكونجرس، وزراء وسفراء وحاكمان على الولايات واثنان من مساعدي وزيرين للأسطول البحري ومساعد لوزير الجيش الخ.

    وفي مجال الصفات المسيحية القائمة على العضلات، قدم المربون صورة واصفين إياها بأنها صراع أخلاقي صعب (وأن يكون المرء ثرياً ونافذاً يعني أن لا مكان للترهات في حياته؛ فالسلطة والألم متلازمان في هذه الحالة.

    والى جانب المدارس المتخصصة بإعداد النشء، فإن النساء قد طورن ثقافتهن وأدائهن ليكون ملائما للمرحلة.

    هوامش من تهميش المؤلف

    *1ـ Lears, No Place, 26-32; Cleveland Amory, The Last Resorts ( New York: Harper, 1952), 432
    *2ـ Theodore Roosevelt, An Autobiography (New York: Scribner's, 1920), 122
    *3ـ Owen Wister, The Virginian (1902; New York: Penguin Books, 1988); G. Edward White, 265-273
    *4ـ William James, "The Ph.D. Octopus" (1903), in Writings, vol. 2, 1902-1910, Library of America ed. (New York: Viking, 1987), 1111-18

  3. #13
    الفصل السابع: مؤسسة السياسة الخارجية

    غودفري هودسون*1


    ص 233

    (1)

    يكتب الكاتب موضوعه وهو متأكدٌ لدرجة اليقين، من أن هناك مؤسسة للسياسة الخارجية، [والاسم كان قد ابتكره صحافي بريطاني يدعى هنري فيرلي، لوصف الشبكة غير الرسمية من الأشخاص الذين استخدموا النفوذ على المناصب العليا والأعمال في بريطانيا في الخمسينات من القرن العشرين] وهي تشمل نشاطات وزارة الخارجية والحرب والمخابرات، وهذه المؤسسة هي التي تحكمت بمصير الولايات المتحدة لحوالي ثلثي قرن، أي منذ بداية القرن العشرين وبالذات منذ عام 1902 ولغاية حرب فيتنام. وهذه المؤسسة تتكوّر حول أشخاص وعائلات ومدارس ومعاهد بعينها ودون غيرها.

    يفتتح الكاتب حصته من الكتاب، بقصة حول محامٍ شاب سيكون هو محور التعيينات في دوائر الحربية والخارجية والمخابرات. وهو (هنري ستيمسون) والذي بقيت صوره معلقة في الدوائر السياسية المغلقة حتى عهد قريب.

    وتقول القصة أن هذا المحامي قد ذهب مع زوجته لعشاء سنوي تقيمها جمعية صيادي طرائد للعائلات العليا. وبينما هو وصديقه يمتطيان ظهري جوادين، فإذا بصوت من الناحية الأخرى للنهر، يأمرهما(ممازحا) بعبور النهر وبأمر رئيس الولايات المتحدة ذاكرا اسم (ستيمسون بالذات)، تعرف على الصوت، ف فامتثلا للأمر بكل جدية، وقد كادا يغرقان من تلاطم المياه ومكابدة إدارة الحصانين العجوزين. ولما اقتربا من مصدر الصوت، فإذا بوزير الحرب (إليهو روت) يقف الى جانب الرئيس (روزفلت). [ نقصد هنا الرئيس ثيودور روزفلت وهو ابن عم الجد الخامس للرئيس فرانكلين روزفلت الذي ينحدر من نفس العائلة والذي حكم بين (1933ـ1945]

    ضحك الجميع من تلك المغامرة، وعندما أخبرهم رئيس الجمهورية أن الطلب منهما عبور النهر كان مجرد مزحة، أجاب (ستيمسون) أنه على استعداد لفناء عمره فداء لرئيس الجمهورية.

    كانت تلك الحادثة كفيلة لأن يحتل (ستيمسون) [كان وزيراً للحرب في الحرب العالمية الثانية] مكانة مرموقة ليس لدى رئيس الجمهورية فحسب، بل لكل من يمت له بصلة.


    (2)

    كان هناك خمسة أعمال رئيسية في تاريخ مؤسسة السياسة الخارجية، أولها تقديم شخصياتها ومؤسساتها وأهدافها في الحرب العالمية؛ وثانيها النقاش الكبير حول التورط الأمريكي في الحرب العالمية الثانية (وقد ساعدت حادثة بيرل هاربر عندما هاجمتها الطائرات اليابانية في تدخل الولايات المتحدة)؛ وثالثها: قيادة عملية شؤون الأمة إبان الحرب، وتطوير القنبلة النووية ثم الأمر باستخدامها في اليابان؛ ورابعتها: منع انتشار أيديولوجية العدو (أثناء الحرب الباردة)؛ والعمل الخامس: نشر القوات لمواجهة التمرد في دول العالم الثالث (فيتنام).

    وقد ساعد في نشر توجهات المؤسسة الخارجية مجموعة من المعاهد المتخصصة وبعض الجامعات العريقة التي كانت إداراتها على صلة مع تلك المؤسسة. ومن بين المعاهد والمدارس (مدرسة ستيمسون) و(مدرسة فرانكلين روزفلت) وفي وقت لاحق مدرسة (جيمس بيكر: وزير الخارجية إبان حكم بوش الأب)، وجامعات هارفارد ويال وندرة من الجامعات.

    ومن أكثر القضايا التي أثير فيها نقاشات كثيرة، هي الانعزال أو التدخل، فقد كان تيار الداعين للانعزال وعدم التدخل في الشؤون الخارجية هو المسيطر، حتى عام 1936 تقريباً، عندما دمج هتلر أراضي الراين وضمها الى ألمانيا، وعندما أخذت اليابان تتدخل بشؤون الصين كثيراً، وعندما تدخل الاتحاد السوفييتي بالحرب الأهلية الإسبانية. لقد كان مؤيدو الانعزال شريحة متنوعة من بينهم الرئيس (هربرت هوفر) وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ الخ.

    كان مؤيدو التدخل في الحرب العالمية الثانية يعتقدون أن ضمان انتصار بريطانيا على دول المحور هو أمر يصب في مصالح الولايات المتحدة. في حين كان مؤيدو عدم التدخل يرون أن تجنب الحرب هو أكثر أهمية من تجنيب بريطانيا الهزيمة.

    اتخذ المجلس قراراً الى جانب سياسات التدخل، وبرز أسماء مثل (ألن. دبليو. دالاس) الشقيق الأصغر لوزير الخارجية (جون فوستر دالاس) والأول كان عميلا سريا في العاصمة السويسرية التي كانت مركز للتنصت لمعرفة ما يجري داخل ألمانيا.

    لقد اتخذ المجلس قراراً في إسقاط القنبلتين على هيروشيما ونجازاكي وقد كان يعرف أنه بالقنبلتين وغيرهما كانت اليابان على وشك الهزيمة، لكن القرار اتخذ قبل أن يعلن الاتحاد السوفييتي حربه على اليابان*2. كان ستيمسون والذي كان وزيراً للحرب، على ثقة بأن اليابان ستعلن هزيمتها إذا سمحت لها الولايات المتحدة بإبقاء النظام الملكي الدستوري، ولكن الغاية كانت مختلفة في منع دخول السوفييت تلك المنطقة واقتصارها على النفوذ الأمريكي.

    ومن إنجازات مؤسسة السياسة الخارجية، والتي زهت بانتصاراتها في الحرب العالمية الثانية، خطة مارشال (لحماية أوروبا من العدوان الستاليني)، ودمج وزارتي البحرية والحرب في وزارة الدفاع (1947) وإنشاء (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في نفس السنة) وكذلك مجلس الأمن القومي.

    (3)

    لأسبابٍ تتعلق بالطبقة الأرستقراطية، وأخرى سنمر عليها، أخذ نفوذ مؤسسة السياسة الخارجية بالتلاشي. وقد يكون السبب الأول في ذلك هو أزمة خليج الخنازير (أزمة الصواريخ في كوبا).

    وفي السنوات القليلة التالية، هزّت حركة الحقوق المدنية واغتيال (جون كندي) المعنويات الوطنية، وبانقضاء الستينيات من القرن العشرين، ظهرت تساؤلات كبيرة عن دور العائلة والأسرة وطبيعة الحكم، وأخذ اليمين الليبرالي يظهر، ليتجلى أثره في هزيمة فيتنام.

    هل ستكون الولايات المتحدة شرطي العالم؟ ما هي الحدود الجغرافية للمسئولية الأمريكية؟ في أي ظروف يبرر استخدام القوة للدفاع عن المصالح الإستراتيجية؟

    ويبدو أن قرار حرب فيتنام قد اتخذ في الأربعينيات من القرن العشرين، لدرء خطر الشيوعية، ولكن السوفييت خنقوه بدلاً من أن يضربوه بهراوة، فقد انتشر الجيش الأحمر بأوروبا الشرقية بقوة، ثم أخذ السوفييت بتشجيع حركات التحرر في أماكن مختلفة بالعالم.

    بالمقابل، فإن ال (سي أي إي) قادت حملاتها تحت اسم (DDP) أي مديرية الخطط المُساعدة، وهو اسم تنكري للعمل السري الذي كان يعني (مواجهة التمرد) ـ مقاتلة الثوار داخل البلد ـ أو دعم انقلابات سياسية من خلال عمل حربي على نطاق ضيق تقريباً. مثل عملية الإطاحة بحكومة (مصدق) في إيران عام 1953، وإعادة الشاه الى عرشه. وإزاحة رئيس جواتيمالا وقمع ثورة الفلبين وتشيلي وغيرها.

    وقد كان تورط الأمريكان في فيتنام قد أتى عن طريق دعم ال (سي أي إي) وتقديمها الأموال لتسعة آلاف رجل من قبيلة (ميو) أملاً في أنهم قد يتمكنون من هزم جيش شيوعي، وكان ذلك في لاووس ثم تم تطبيق ذلك في فيتنام.

    لقد كانت هزيمة فيتنام سببا في اندثار مؤسسة السياسة الخارجية. في العام 1967 أنشأ (جيم روف) لجنة المواطنين للسلام والحرية في فيتنام، وعلى رأسها السناتور الأسبق (بول دوغلاس) وانضم إليها الرئيس الأسبق (إيزنهاور) وقد قال أحد أعضاء اللجنة (بول) (الحمقى الذين يرسلون الشبان بعيداً عن وطنهم ليقتلوا)*3

    وعندما فاز نيكسون بالبيت الأبيض، سيطر هنري كيسنجر على السياسة الخارجية الأمريكية، واستبدل أنسجة مؤسسات العلاقات الخارجية بشكل كامل.*4



    هوامش من تهميش المؤلف
    *1ـ غودفري هودسون: صحافي بريطاني يعمل في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية في الولايات المتحدة الأمريكية. من كتبه (أمريكا في زمننا الحاضر 1976)؛ الكولونيل: حياة وحروب هنري ستيمسن (1867ـ1950) نشره عام 1990). أكثر مساواةً من الآخرين: أمريكا من نيكسون وحتى القرن الجديد نشره في 2004.
    *2ـ Kai Bird, The Color of Truth: McGeorge Bundy and William Bundy, Brothers in Arms (New York: Simon & Schuster, 1998), 84-85
    *3ـ Ibid.,598
    *4ـ Walter Isaacson, Kissinger: A Biography (New York: Simon & Schuster, 1992), 83

  4. #14
    الفصل الثامن: النُخب المحافظة والثورة ضد الصفقة الجديدة





    ص 269 الى نهاية الكتاب

    مايكل ليند

    (1)


    بين الستينيات من القرن العشرين والعام 2000، أطاحت الحركة المحافظة بليبرالية ما سبقها من عهد والذي أطلق عليه (عصر الصفقة)، وبعد أن وضعت تلك الحركة يدها على الحزب الجمهوري، قام المحافظون بخلق أول غالبية جمهورية في الكونجرس. وأسفرت إطاحة مبادئ رونالد ريغان المحافظة بليبرالية روزفلت عن أكثر من صدام بين الأفكار المتعلقة بالمجتمع. وشملت العملية استبدال مجموعة من النُخب بأخرى تتمتع بجماهير مختلفة من الناخبين في المجال الاقتصادي، والعرقي، والمناطقي.

    لقد كانت الولايات المتحدة تُحكم من المنطقة الشمالية الشرقية والغربية الوسطى، وبعد هذا التحول فقدت هذه المناطق نفوذها لصالح المنطقة الجنوبية، والتي ضمت 11 ولاية، وكان سبب ذلك هي هجرة الجنوبيين الى الداخل بعد دخول المكننة الزراعية والاستغناء عن العمال الصغار والفلاحين مما اضطرهم الى تركها لصالح أناس بيض.

    وفي الجانب الديني، تفوقت الكنائس البروتستنتية الإنجيلية البيضاء على الاتحادات والآليات الحزبية وباتت المنظمات السياسية القاعدية الأكثر أهمية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي على التوالي. وعلى مستوى النخبة، بات العمل السياسي منظماً بشكل متزايد من قبل جماعات الضغط والمجموعات المؤيدة لمسألة الفردية، لا من أحزاب سياسية ذات قواعد واسعة النطاق وتمتاز بأيديولوجيات مترابطة منطقياً. كما انخفض التأثير السياسي للطبقة العاملة الأمريكية.

    (2)

    وصف البعض التغير الذي حصل في الولايات المتحدة بأنه ميلاد الجمهورية الثالثة، على اعتبار أن الجمهورية الأولى بدأت مع الثورة الأمريكية وإعلان الاستقلال والثانية التي جاءت بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 1864، والثالثة بدأت معالمها تتكون منذ عهد رونالد ريغان.*1

    عملت إدارتا رونالد ريجان وجورج بوش بعد أن فشلتا في حشد تأييد الكونجرس لإلغاء البرامج الفدرالية الاتحادية الشعبية، قامتا باتباع إستراتيجية (تجويع الوحش) عِبر تخفيض الضرائب وتجنب تبديد البرامج الحكومية أو خلق برامج جديدة ـ على حساب زيادة العجز الفدرالي في الميزانية خلال ولايتي الرئيسين.

    وأدت سياسات العزل العرقي الى تغيير معالم التوزيع السكاني في الولايات المتحدة، فبعد أن كانت الولايات الجنوبية معقلاً للديمقراطيين حتى عام 1948، أصبحت للجمهوريين، فبعد أن كان كل تسعة أمريكيين سود من كل عشرة يعيشون في الولايات الجنوبية عام 1900، أصبحوا يشكلون ثلث سكان أكبر عشرة مدن في الولايات المتحدة بع هجرتهم عام 1990*2

    ونتج عن المعدلات العالية للفقر والجريمة بين المهاجرين الجنوبيين في الشمال (حركة سريعة للبيض) ليشكلوا سياسة مناهضة للسود والتي كانت في السابق تقتصر على الولايات الجنوبية.

    لم تقتصر سياسة التمييز العرقي على اليمين فقط، وعوضاً عن محاولة استعادة الطبقة العاملة من البيض، بنا الحزب الديمقراطي آماله بعد السبعينيات من القرن العشرين على إستراتيجية تشكيل (ائتلاف كبير ومتنوع) قاعدتها من السود وذوي الأصول اللاتينية والأقليات الموجودة في الولايات المتحدة (يهود، عرب، آسيويين الخ). وكان يعارض أي قانون للعزل العرقي لكسب الأصوات.

    ولكن لم تعلن النخبة القيادية البيضاء للحزب الديمقراطي تحدي سياسات الأفضلية العرقية للبيض. وخلال جملة العام 1992 الرئاسية، شجب كلينتون التعليق الذي صدر عن نجمة بوب سوداء تدعى (سيستر سولجا) قالت فيه إن السود قد يقتلون الشعب الأبيض بدلاً من أن يقتلوا بعضهم بعضا,

    وأما النقد اللاذع للمتبحرين والناشطين اليساريين الذي طال الأمريكيين البيض والحضارة الغربية فقد عاد على اليمين المتطرف بالفائدة.

    (3)

    كانت نتيجة إعادة التخطيط المرتكزة على العِرق في الستينيات من القرن العشرين نموذجاً عن السياسة المستقطبة عرقيا، فلم يفز مرشح عن الحزب الديمقراطي بأغلبية أصوات البيض منذ انتخاب ليندون جونسون عام 1964. والأقلية الأمريكية اليهودية هي المجموعة الوحيدة البيضاء التي لا تزال ثابتة على تصويتها للديمقراطيين، ففي انتخابات بوش وآل جور، صوت 80% من اليهود لصالح آل جور و 17% لبوش.

    وفي السباق الرئاسي لعام 2000، ارتفع العجز الديمقراطي من 3% عام 1996 الى 12% عام 2000، وكان الرجال البيض وحدهم يفضلون بوش على غور، في حين لم يصوت لبوش إلا 10% من الناخبين السود.

    وفي عام 2002 في الانتخابات البرلمانية التكميلية، كانت نسبة التصويت من البيض للجمهوريين 55.1% مقابل 44.9% للديمقراطيين، أما ذوي الأصول اللاتينية كانت نسبة تصويتهم للجمهوريين 32.9% مقابل 67.1% للديمقراطيين، وكانت نسبة السود الذين صوتوا للديمقراطيين 93.8% مقابل 2.6% فقط للجمهوريين.

    ومن الأمور التي تغيرت في أمريكا بالثلث الأخير من القرن العشرين، هو أفول نجم الأحزاب كمنظمات رئيسية، ليحل محلها أصحاب البلايين، وظهور مرشحين من كبار الأثرياء مثل (روس بيروت) الذي كسب أصواتا في حملته عام 1992 تفوق التوقعات و (رالف نادر) ... وقد تذمر السناتور (دانييل باتريك مونيهان) قائلاً: (نصف أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل هم من أصحاب الثروات... لقد أصبحنا طبقة ثرية حاكمة)*3

    (4)

    في العصر الجديد للولاءات الحزبية الضعيفة، دان المحافظون بنجاحهم في تغيير النقاش الوطني حول السياسة الداخلية والخارجية الى تفوقهم التنظيمي على منافسيهم السياسيين. وكان المدعوون محافظين جدداً ناجحين بصفة خاصة في الهيمنة على النقاش الوطني. ومما يدعو الى السخرية (القول للمؤلف) أن تكتيكات المحافظين الجدد وإستراتيجيتهم كانت نموذجاً من تلك التي يعتمدها اليسار الشيوعي.

    وفي خلال الثلاثينيات من القرن العشرين، أنشأت الحركة التروتسكية التي نتج عنها عددٌ من المحافظين الجدد البارزين شبكتها الخاصة من المجلات الصغيرة والمؤسسات الاجتماعية لمواجهة اليسار الستاليني في الولايات المتحدة وأوروبا. وبعد الحرب العالمية الثانية، تعاون الاشتراكيون المناهضون لستالين مع الليبراليين المناهضين للشيوعية في تأسيس لقاء الحرية الثقافية الذي عارض مجموعات المواجهة الثقافية التي يدعمها السوفييت. وقد تأثر تيار المحافظين الجدد منذ بداية السبعينيات وبدا ذلك واضحاً في صحف رائدة مثل (ذي بابليك إنترست و ذي ناشيونال إنترست، ومجلات أسبوعية وشهرية مثل كومنتاري وذي ويكلي ستاندارد) ومعاهد أبحاث مثل المؤسسة الأمريكية (AEI)، ومشاريع مثل مشروع القرن الأمريكي.

    وظهرت آثار الكنيسة واضحة في طبيعة وتفكير القادة، فلم يكن جورج بوش هو الوحيد الذي تكلم عن علاقته بيسوع بل كان قبله كارتر وكلينتون ولم تقتصر تلك النواحي على حزب، بل سادت في أوساط مختلفة، وانتشرت محطات التلفزة والإذاعة ومجلات متخصصة بهذا الشأن.

    كما لجأ المحافظون الجدد على تمرير قوانين تخص الضريبة، فكان الأزواج الذي لا يقل دخلهم عن 400 ألف دولار سنوياً يدفعون 4.4% في حين يدفع من يقل دخله عن 19 ألف دولار ما نسبته 13.8%! *4

    (5)

    أفل نجم المنطقة الشرقية الشمالية وانخفض عدد سكانها من 29% عام 1950 الى 23% عام 2000. وانخفض سكان الغرب الأوسط من 26% الى 19% لنفس الفترة.

    وزالت مؤسسة الخارجية الأمريكية وحل محلها أناس يحلمون بالحروب والعولمة الاقتصادية وتسفيه دور العمال واستقدام عمال أجانب بطرق ملتوية لتدني أجورهم ووعدهم بإعطاء الجنسية، والابتعاد بقدر الإمكان عن الشراكة الأوروبية باستثناء بريطانيا وعلى رأسها (توني بلير).

    كما ارتبطت صناعة النفط واستثماره عالميا بوزارة الدفاع، وتم حشد وترقية كل من له علاقة بهذا النموذج من التغيير.

    خاتمة

    يراهن مؤلف الكتاب على أن أمريكا ستستعيد مكانتها بعد أن تفوق من كابوس التغيير الذي سيثبت عدم نجاحه.

    انتهى تقديم الكتاب





    هوامش من تهميش المؤلف

    *1ـ Michael Lind, The Next American Nation (New York: Free Press,1995).
    *2ـ Theodore Caplow, Louis Hicks, and Ben J. Wattenberg, The First Measured Century: An Illustrated Guide to Trends in America, 1900-2000 (Washington, D.C.:AEI Press, 2000), 20.
    *3ـ New York Times, November 25,1984, cited in Dennis Gilbert and Joseph A.Kahl, The American Class Structure: A New Synthesis, 4th ed. ( Belmont, Calif.: Wadsworth Publishing Company, 1993),215
    *4ـ Texas State and Local Taxes in 1995: Shares of Family Income for Non-elderly Married Couples, Appendix I,44, Citizens for Tax Justice,http://ctj.orgl whop/whop-tx.pdf.

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •