منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 20

الموضوع: نهضة اليابان

  1. #1

    نهضة اليابان

    نهضة اليابان

    (ثورة المايجي إيشين)

    دراسات وأبحاث في التجربة الإنمائية اليابانية
    الجذور التاريخية والأيديولوجية والحضارية لهذه النهضة

    تحرير: ناغاي ميتشيو و ميغال أوروتشيا

    ترجمة: نديم عبده وفواز خوري

    أشرف على الطبعة العربية: أنطوان بطرس

    تقديم: هشام الشرابي

    صدر هذا الكتاب بالتعاون بين: مركز بحوث التجربة الإنمائية اليابانية/بيروت
    و جامعة الأمم المتحدة/طوكيو

    الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر/بيروت

    حجم الكتاب: 345 صفحة من الحجم (أكبر من المتوسط)

    محتويات الكتاب:

    توطئة
    مقدمة الطبعة الإنجليزية
    مقدمة الطبعة العربية

    القسم الأول: المايجي إيشين: المنظور العام

    الفصل الأول: المايجي إيشين: الخلفية السياسية
    تقديم: ماريوس ب. جانسن/ جامعة برنستون/ نيوجرسي

    الفصل الثاني: ثورة المايجي وتحديث اليابان
    تقديم: كووابارا تاكيو/ جامعة كيوتو/ اليابان

    الفصل الثالث: الاستقلال والتحديث في القرن التاسع عشر
    تقديم: توياما شيجيكي/محفوظات يوكوهاما التاريخية/ اليابان

    الفصل الرابع: المايجي إيشين: ثورة بورجوازية غير مكتملة
    تقديم: إيغور لاتشييف/ أكاديمية العلوم في موسكو

    الفصل الخامس: معنى التغييرات الثورية
    تقديم: بيوتر فيدوسيف/ أكاديمية العلوم في موسكو

    القسم الثاني: البيئة الدولية

    الفصل السادس: تحديث اليابان من منظور العلاقات الدولية
    تقديم: شيباهارا تاكوجي/ جامعة ناغويا/ اليابان

    الفصل السابع: العلاقات الدولية عشية المايجي إيشين
    تقديم: وان فنغ/ الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية/بكين

    القسم الثالث: السياسات والشخصية

    الفصل الثامن: الوعي المفاهيمي في المايجي إيشين
    تقديم: ناجيتا تتسوووه/ جامعة شيكاغو/ الولايات المتحدة

    القسم الرابع: الثقافة

    الفصل التاسع: المايجي: ثورة ثقافية
    تقديم: فرانك ب. غيبني/ شركة دائرة المعارف البريطانية

    الفصل العاشر: الوقع على الثقافة الشعبية
    تقديم: إيروكاوا دايكيشي/ معهد طوكيو للاقتصاد ـ اليابان

    الفصل الحادي عشر: دور الأدب في إنماء الثقافة
    تقديم: لاريسا ج. فيدوسييفا/ أكاديمية العلوم في موسكو

    القسم الخامس: تاريخ الفكر والتربية

    الفصل الثاني عشر: التربية في أوائل فترة المايجي
    تقديم: ناغاي ميتشيو/ جامعة الأمم المتحدة/طوكيو

    الفصل الثالث عشر: المعرفة الغربية والمايجي إيشين
    تقديم: لو وان هي/ أكاديمية تيانجين للعلوم الاجتماعية/الصين

    الفصل الرابع عشر: ثورة المايجي التي لم تكتمل في التاريخ العقلاني
    تقديم: تاكيدا كيوكو/ الجامعة المسيحية العالمية/طوكيو

    القسم السادس: المجتمع والاقتصاد والتكنولوجيا

    الفصل الخامس عشر: التاريخ الاقتصادي لفترة الإعادة
    تقديم: نيشيكاوا شونساكو و سايتو أوسامو/ جامعة كييو وجامعة هيتو تسوباشي/ طوكيو

    الفصل السادس عشر: الإعادة وتاريخ التكنولوجيا
    تقديم: يوشيدا ميتسوكوني/ جامعة كيوتو/ اليابان

    الفصل السابع عشر: من انتقال التكنولوجيا الى الاستقلال التكنولوجي
    تقديم: هاياشي تاكيشي/ معهد الاقتصاديات النامية ـ طوكيو

    توطئة

    في العام 1868 وبعد 215 عاما من عزلة اختيارية متعمدة في عصر الإقطاع، ومن ثم قرارها الدخول في عصرٍ جديد، شهدت اليابان تجربة لعلها من التجارب الاستثنائية في تاريخ البشر. فقد تفجرت الطاقات اليابانية على العالم الخارجي ملتهمة في طريقها كل ما كان يجري في العالم أو حتى ما كان يعتمل في الفكر البشري، وكانت تلك عملية أشبه بتحطيم زجاج غرفة مضغوطة وإفلات الطاقات من عقالها، على حد تعبير الكاتب الإنجليزي (آرثر كوستلر).

    وخلال عقدين من الزمن، ولربما أقل، استطاع المصلحون في عهد المايجي أن يرموا جانباً قروناً من المسلمات، وأن يحلوا محلها أفكاراً وتصورات جديدة.

    وها نحن اليوم ـ بعد أكثر من مائة وأربعين عاماً من نجاح التجربة اليابانية في التحديث وصعود اليابان الى مصاف الدول العظمى، وخاصة في الميادين الاقتصادية والصناعية والمعلوماتية ـ عاجزون عن الإتيان بمثال آخر موازٍ له. وبلغ من سرعة وروعة هذا التطور، أن علماء التاريخ والاجتماع ما زالوا عاجزين عن الاتفاق حول حقيقة ما جرى في اليابان.

    وتشكل بحوث الكتاب ـ الذي بين أيدينا ـ وهو حصيلة مؤتمر دولي انعقد بهدف تقويم الحدث الهام في تاريخ اليابان وتجربتها في التحديث، مجموعة لمختلف نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية التي تواجه بلداً يسعى الى النمو. والمصاعب التي واجهها كما قام بتحليلها خبراء ينتمون الى عقائد سياسية مختلفة. ومن هنا أهميته وتكامله، وأن تعميمه سوف يشكل مساهمة هامة في ميدان الجدل الفكري الدائر حول مصاعب التنمية في منطقتنا العربية.

    نسأل الله أن يوفقنا في تقديمه بشكل يساعد القارئ والمتصفح العربي لأخذ الفائدة.


    يتبع

  2. #2
    مقدمة الطبعة العربية

    كتب هذه المقدمة المفكر العربي الراحل: هشام شرابي أستاذ التاريخ في جامعة جورج تاون الأمريكية

    في منتصف القرن التاسع عشر حدثت في اليابان (ثورة المايجي) التي كان لها أكبر الأثر ليس في تاريخ اليابان فحسب بل أيضاً، كما بينت أحداث القرن العشرين في تاريخ العالم بأكمله. من جراء هذه (الثورة) تحولت اليابان بظرف فترة لا تتجاوز حياة جيل. من مجتمع زراعي إقطاعي محافظ الى دولة عصرية صناعية حديثة. وأصبحت في النصف الأول من القرن العشرين قوة عسكرية كبرى، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، قوة اقتصادية عظمى لا تجاريها سوى الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية.

    حتى سنة 1866 عاشت اليابان في أحضان نظام إقطاعي كامل وحضارة يابانية خالصة في انقطاع تام عن العالم الخارجي. وفجأة، حدث التغير الداخلي، حدث بشكل عز نظيره في تاريخ الأمم، إذ قامت قيادة جديدة استلمت السلطة دون إراقة دماء وأعادت مركز الإمبراطور وقررت إنهاء العزلة اليابانية وبناء الدولة الموحدة والاقتصاد الصناعي القائم على النموذج الأوروبي. وهكذا خلال عقد أو عقدين من الزمن تمكنت اليابان من إحداث تغيير في المجتمع والدولة فاق بشموليته وجذريته ما حققته الثورة الفرنسية في آخر القرن الثامن عشر.

    من الصعب تفسير التجربة اليابانية بشكل قاطع ونهائي، إلا أن هناك عوامل وراء هذه التجربة يمكن تحديدها، وأهمها (كما لخصها كووابارا تاكيدو أستاذ التاريخ في جامعة كيوتو، في دراسته) هي التالية:

    ـ الموقع الجغرافي النائي الذي وفر لليابان الحماية ضد الغزو الخارجي وضد الاستعمار الغربي وسهل لها بعد الثورة مواصلة سياسة الانعزال النسبي.

    ـ قيام عملية التحديث بمبادرة ذاتية وباستقلال تام عن أية سلطة خارجية استعمارية.

    ـ التجانس الإثني والثقافي للمجتمع الياباني.

    ـ امتداد سلام شامل في اليابان على مدى 250 سنة قبل قيام (المايجي) مما أدى الى تكوين نظام بيروقراطي في عهد (توكو غاوا) السابق للثورة يندر أن يكون له مثيل في العالم.

    ـ التربية الشعبية والنسبة العالية للمتعلمين (43% للرجال و15% للنساء) عند قيام الثورة.

    ـ انتشار اللغة الواحدة بين جميع اليابانيين.

    ـ الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي اللذان غذيا الاعتماد الذاتي والأساليب العملية في التعامل السياسي والاقتصادي وأضعفا النزاعات العقائدية والفلسفية والدينية بين اليابانيين.

    ـ القدرة على التكيف مما ساعد على نمو (روح صناعة تقدمية وديناميكية) تختلف كل الاختلاف عن الروح الزراعية والقبلية المحافظة.

    ـ غياب العامل الديني عن السياسة وضعف النظام الطبقي بالمقارنة مع البلدان الصناعية المتقدمة.

    قدمت الأبحاث التي يتألف منها هذا الكتاب في مؤتمر دولي عقد تحت رعاية جامعة الأمم المتحدة في اليابان وشارك فيها عددٌ من الكتاب والأخصائيين اليابانيين والصينيين والروس والأمريكيين. وتشكل هذه الأبحاث بمجموعها عرضاً متكاملاً لتجربة التحديث اليابانية من منطلقات مختلفة.

    فيعالج القسم الأول ثورة (المايجي) على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ويتناولها القسم الثاني من منظور العلاقات الدولية والعلاقات الخارجية. ويتألف القسم الثالث من دراسة شاملة للوعي المفاهيمي الذي رافق إصلاحات (المايجي). ويركز القسم الرابع على الثورة الثقافية ودور الأدب في تكوين الثقافة العليا والثقافة الشعبية. ويعالج القسم الخامس الإصلاحات التربوية التي تم إنجازها بعد الثورة مباشرة، ويحلل صيغ المعرفة الغربية التي تم نقلها في الفترة الأولى الحاسمة. أما القسم السادس والأخير فيعالج العوامل الرئيسية في عملية انتقال التكنولوجيا وتحقيق المقدرة الصناعية المستقلة لليابان.

    إن إصدار هذه الأبحاث باللغة العربية من قبل مركز بحوث التجربة الإنمائية اليابانية في بيروت يشكل حدثاً هاماً في ساحة الفكر العربي وخطوة عملية هامة سيكون لها أثرها الكبير في الحوار القائم حول التنمية والتغيير في العالم العربي. والمركز هو ربما الوحيد بين المعاهد ومراكز البحث في العالم العربي الذي يتوجه الى (الشرق) والتجربة اليابانية بخاصة وليس الى الغرب ليستمد منه الدروس غير الغربية لتطبيقها في عملية التحديث.

    ودافع المركز من دراسة اليابان وثورة (المايجي) ليس الرغبة في جعل اليابان نموذجا يستبدل به النموذج الغربي (الذي سارت عليه البلدان العربية منذ عصر النهضة) بل السعي لتفهم الفلسفة اليابانية وأدواتها والأساليب التي مكنتها من اقتناء التكنولوجيا الغربية وبناء المقدرة الذاتية على استعمالها دون الوقوع تحت هيمنة الغرب.

    ومن هنا السؤال الذي يطرحه المركز ويحاول أن يستمد الإجابة عليه من خلال هذه الأبحاث.

    ما هي الدروس في التجربة اليابانية التي يمكن للعالم العربي استخلاصها في نهاية القرن العشرين للخروج من حالة التبعية والتخبط والدخول في مرحلة جديدة من النمو والتغيير والحداثة؟

  3. #3
    الفصل الأول: المايجي إيشين: الخلفية السياسية

    تقديم: ماريوس ب. جانسن/ جامعة برنستون/ نيوجرسي

    تعتبر إعادة (المايجي) نقطة تحول فاصلة في التاريخ الياباني. فعلى الرغم من أن الأحداث الفعلية لعام 1868 لم تكن أكثر من انتقال للسلطة ضمن الطبقة الحاكمة القديمة، فإن هذه العملية الأكثر شمولاً والتي يُطلق عليها (إعادة المايجي) أدت الى وضع حد لهيمنة طبقة المحاربين وتحول الهيكلية اللامركزية للعهد الإقطاعي الحديث في عصوره المبكرة ـ الى دولة مركزية تحت سلطة الملك التقليدي والذي أصبح الآن ملكاً عصرياً.

    وقد اتخذ زعماء حركة الإعادة سلسلة من الخطوات الحازمة لبناء المنعة الوطنية ووضعوا بلادهم بسرعة على الطريق المؤدية الى القوة الإقليمية والعالمية. والواقع أن (إعادة المايجي) تعتبر حدثاً هاماً بالنسبة لتاريخ اليابان وشرقي آسيا والعالم. ولا يسمح ضيق المكان لإيفاء هذا الحدث الهام مع التسلسل الزمني، لكن سنحاول الإحاطة به من باب التزود الثقافي.

    إيضاح معلوماتي تاريخي (ليس من الكتاب): المايجي (الحكومة المستنيرة) اسم أطلق على فترة الحكم التي بدأها الإمبراطور (موتسو هيتو1867) وكان يُلقب ب (مييجي تينو)، بعد وفاة والده الذي كان امتداداً لحكم أسرة حكمت اليابان 300 سنة أسسها رجل قوي اسمه (توكوغاوا 1570) وهو أحد ثلاثة رجال في تاريخ اليابان يحفظون وحدة البلاد.

    الإطار العام

    لقد سبقت الأزمة السياسية التي عصفت باليابان في الستينات من القرن التاسع عشر صعوبات داخلية شديدة ومخاطر خارجية. فقد شهدت الأعوام (1830ـ 1844) سلسلة من الانتفاضات، حينما تمزقت اليابان نتيجة المجاعات التي حصدت الكثير من الضحايا في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد. أضف الى ذلك انعدام الكفاءة الإدارية وعدم الاستجابة لتشجيع المقاومة الشعبية.

    اندلعت مجموعة من الثورات في تلك الفترة، أكثرها أهمية تلك التي قادها ضابط كونفوشي مثالي من الساموراي في أوزاكا يُدعى (أوشيو هايها شيرو) والذي أدت دعوته الحماسية للعصيان المسلح الى جعله بطلاً في نظر المؤرخين اللاحقين.

    كما نشبت عدة ثورات للفلاحين وأعمال شغب في المدن، وأصبحت تلك العدوى تنقل تلك الثورات من مكان لمكان في البلاد، غير أن المطالب في كل ثورة لم تكن لتصوغ برنامجاً واضحاً، فقد كانت كل انتفاضة أو ثورة تقف وراء مطالب جزئية، تختلف عن الثورات الأخرى.

    استجابت الحكومة اليابانية في عام 1841 لتلك المطالب وصاغتها بما سمي (إصلاحات تمبو) من خلال مقترح قدمه عضو (الروجو: مجلس الحكماء) واسمه (ميزونو تاداكوني). وجاء في المقترح: الحد من البذخ لرجال الدولة، وإيقاف الهجرة من الريف الى المدن، والحد من ممتلكات الإقطاعيين وتوزيعها على السكان.

    لم تنجح تلك المقترحات في كل الأقاليم، فثار الإقطاعيون وتبرموا من فقدانهم امتيازاتهم التي اعتبروها حقوقاً تنسجم مع الوفاء التاريخي للماضي. أدى هذا الوضع الى ضعف الحكم المركزي، وضعف معها القدرة على تحصيل الضرائب والصرف على الأجهزة الحكومية أو تقوية الجيش، مما خلق شعوراً عاماً بعدم قدرة البلاد على صد أي خطر قادم من الخارج، سيما وأن هزيمة الصين في (حرب الأفيون 1838ـ1842) كانت ماثلة أمام اليابانيين.

    كان الرد على هذا الخطر الظاهر متأثراً بتيارات عدة تعمل في الفكر الياباني. فالاطلاع الواعي على أحوال الغرب كان نتيجة الإقبال على تعلم الثقافة الغربية والذي بدأ جدياً في نهاية القرن الثامن عشر، ونتج عنه فيض من ترجمات للكتب التي أدخلها الهولنديون الى البلاد. وكانت المؤلفات في اللغة الصينية التي جاء بها تجار صينيون الى (ناجازاكي) أسهل استيعاباً بالنسبة لليابانيين المتعلمين.

    أحس مجموعة من المفكرين اليابانيين أن هذا الكم من المعارف والمعلومات التي تدخل البلاد دون رقابة ستؤثر على الهوية العرقية اليابانية، فانتشر ما عُرف ب (كوكو غاكو) أي التشديد على التعليم الوطني، ورفع شعار تبناه أغلبية المثقفين (تبجيل الإمبراطور، طرد البرابرة).

    فتح المرافئ والمشاركة السياسية الأوسع

    كانت صناعة القرارات التي أسس لها (توكوغاوا) تنحصر برجال وزعامات مرتبطين بهيئة تُسمى (الباكوفو) ولم يكن لرؤساء الإقطاعيات أو حتى زعماء العشائر الذين لم يرتبطوا بتلك الهيئة حق التصويت وإبداء الرأي. وخلال موجة الانتفاضات تحالف الإقطاع مع المنتفضين، وإن كانت أسباب معارضتهم تختلف.


    لكن لم يعد الرأي حكراً على (الباكوفو: الهيئة المرتبطة بالإمبراطور) فقد تم إشراك (الدايميو: الهيئة العليا لممثلي الإقطاعيين)، وهذا الإجراء الذي سبق سنة تولي (المايجي) الحكم، لم يرضي حراس النظام القديم، فتم تطهير كبار الإقطاعيين وعملائهم في مقاطعة (كيوتو)، وإعدام ثمانية منهم بقطع رؤوس ستة منهم كالمجرمين، وذلك على يد رئيس الحكومة (إي ناوسوكي)، مما أدى الى اغتياله في آذار/مارس 1860 من حملة السيوف في مقاطعة (ميتو).

    وقد أدت تلك الاضطرابات لاحتجاج القوى الأجنبية التي ظهرت فجأة لتكون وكأنها مؤيدة للمطالب الجماهيرية، مما دفع الحكومة لتقديم تنازلات منها فتح المرافئ، والتوقف عن التهديد بطرد الأجانب.

    كما اتسمت تلك الفترة باضطراب في السياسة الخارجية، حيث كانت تختفي بعثات دبلوماسية يابانية بالكامل، يُعتقد أنه كان يتم تصفيتها بحجة تسريب معلومات للخارج وطلب المعونة الخارجية.

    موالون نشطون

    أدى اغتيال (إي ناوسوكي) عام 1860 الى بدء فترة من العنف غيرت الخلفية التي ارتكزت عليها سياسات العهد القديم من (توغوكاوا). وكان اللاعبون النشطون في هذه المرحلة هم من أنصار الشرعية، لكنهم لم يكونوا من رتب وأوضاع اجتماعية رفيعة، بل كانوا من أوضاع اجتماعية متواضعة أطلقوا على تنظيمهم اسم (الشيشي: أي الرجال ذو الأهداف الرفيعة).

    لقد كان هؤلاء يعيشون على حدود الطبقة الحاكمة وحدود باقي اليابانيين، مما أتاح لهم حرية التحرك بمجالات أوسع، وقد تلقى هؤلاء علومهم في مدارس خاصة، كانوا يتحركون بحذر شديد، مع ذلك استطاعوا أن يستقطبوا حولهم أطيافاً واسعة من اليابانيين الذين أعلنوا تفانيهم من أجل حماية وطنهم ورمزه (الإمبراطور).

    استطاع (الشيشي) أن يؤثر في سياسة الأقاليم، وكبحت من تأثير الإقطاع، وأصبحت ظاهرتهم مقترنة بالقوة والعنف لمواجهة خصومهم، فكانوا يهاجمون الموانئ للحد من التدفق الأجنبي الذي نُظر إليه كمسئول عن إشعال الفتن، ووجد في كل مكان مقابر لضحاياهم. ولم يسلم تنظيمهم من منافسات فيما بينهم فقد كان يتم تصفية مجموعات منهم من باب المؤامرة والمؤامرة المضادة.

    يتبع في هذا الباب

  4. #4
    تابع لما قبله

    التنافس الإقليمي

    رغم أنه كان بإمكان التنظيمات النشطة والمسلحة، زعزعة نظام الحكم في اليابان، خصوصا تشكيلات (حملة السيفين)، لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك لأنهم عجزوا عن لم شملهم في مختلف مقاطعات اليابان، من جهة، ومن جهة أخرى لم يرغبوا في التعاون مع الأجنبي، كما لم يرغب قسمٌ منهم في التوجه نحو المجهول، فرأى بعضهم حماية مؤسسة الملك والإصلاح من داخلها.

    كان هناك فريقان مؤثران في بعض المقاطعات الهامة مثل (ساتزوما الثانية) و(تشوشو التاسعة) و (ميتو الحادية عشرة) و (توسا التاسعة عشرة)، كان في هذه المقاطعات أعدادٌ متفاوتة من (الساموراي) والتي وإن بدا أنها وحدات مندمجة، فقد كانت ذات حدود طبيعية متميزة في المقاطعات، وكان قسمٌ من (الساموراي) يخفي امتعاضه من العهد القديم، ولكن كان هذا الامتعاض تقل فاعليته عندما تُحسب امتيازات تلك الطبقة ومصالحها، فيكون خيارها عدم الإسهام في هدم النظام.

    تسابقت عدة مقاطعات في اقتراح تعديلات على النظام، فكانت تنظم مسيرات عسكرية يشترك فيها ممثلو البلاط. ولم تكن الإصلاحات التي تمت مقنعة.

    قام (الشوغن: الحاكم الإقليمي) الشاب (إيو موشي) بزيارة إمبراطور (كيوتو) متقدما بكل خضوع تقليدي الى الإمبراطور ليحصل منه على تفويض بالحكم، وكان لدلالة تلك الزيارة، الاعتراف بكيوتو كعاصمة بديلة، وإبقاء التقليد القديم. وبعد وفاة هذا الحاكم الشاب عام 1866، أصبح التوجه الى (كيوتو) تقليداً.

    لكن الأمر الذي كان محركاً مهماً للتغيير، هو ضعف الحكام في تنفيذ وعودهم بطرد الأجانب (الغرب)، حيث عجزت المدفعية اليابانية بقصف السفن الأجنبية القريبة من شواطئ (تشوشو وساتسوما)، والذي ردت عليه السفن الأجنبية بقوة هائلة، أدرك اليابانيون من خلالها تخلفهم وعجزهم عن الإيفاء بوعودهم. وحاول القادة ترتيب صفوفهم بعد الإحساس بالخطر الخارجي.

    تحالف قوات الإعادة

    كانت مطالب الأجانب بفتح الموانئ، وما يرافقها من اتفاقيات، بمثابة جرس إنذار، عجل من التفاف عموم الشعب مع تشكيلات واسعة من (الساموراي)، وفي الوقت الذي كانت أصابع الاتهام في تردي الأوضاع تتجه الى الحكومة، فقد برزت قيادات محنكة من مجموعة من المقاطعات، استطاعت خداع الحكومة، بالتظاهر أنها تسير وِفق رغباتها، فقد قدمت الحكومة استقالتها، بناء على اتفاق تم مع القوات الزاحفة من الثوار، يقضي بإعادة تشكيل الحكومة بشكل ائتلافي، لكن القوات الزاحفة، كانت قد عملت بالسر مع الإمبراطور للتخلص من نفوذ الحكومة، وما أن استقالت الحكومة، حتى استصدر الثوار أمراً إمبراطورياً فزحفوا بقواتهم على المقاطعات كافة، ولم يلقوا مقاومة تُذكر. وقد أخذ هذا الزحف اسم (الجيش الإمبراطوري)، في حين من كان ضده هم الإقطاعيون ومجلس البرلمان (الدايميو). وكان انتصارهم في حزيران/يونيو 1869.

    من الإعادة الى الثورة

    في أثناء الزحف، أصدرت الحكومة المفوضة في 6/4/1869، ميثاقاً إمبراطوريا من خمسة بنود، هدفه تطمين (الدايميو) باستمرار دورهم في النظام. وقد صيغ الميثاق بذكاء بالعموميات. فوعد بالتئام المجالس لتسيير عجلة الدولة، وتحدث عن فرص كاملة لجميع أفراد الشعب والرسميين على السواء، وشدد على إلغاء (عادات الماضي الشريرة) وبناء كل شيء على (قوانين الطبيعة العادلة) وعلى السعي وراء المعرفة (في كافة أنحاء العالم) من أجل (تقوية أسس الحكم الإمبراطوري). هذا (الميثاق العهد) أظهر كيف يمكن لوثيقة واحدة أن تضطلع بأدوار متعددة.

    اكتشف النظام أنه من اللازم أن يكون ميالاً الى إبعاد نفسه عن الممارسات الأنانية التي وصمت النظام السابق، وبنفس الوقت تفادى الإيحاء بأية تغييرات جذرية، فكان يطلب من الناس أن يمارسوا أعمالهم كالمعتاد، ويوجه الشكر الى المجاهدين (كما كان تسميتهم شائعة).

    يقول كاتب هذا البحث (ماريوس. ب. جانسن): أن تسلسل الإصلاحات بهذه الطريقة يوحي بأنه جرى تطبيق ذكي لخطة شاملة موضوعة قَبلاً. ثم يستدرك قائلاً: ليس هناك أي دليلة تبين أنه توجد جهة تنسق تلك الخطط الذكية، وإنما كانت الأحداث والتغييرات المتتالية تدفع بظهور حلول لها بالضرورة.

    وسنحاول تلخيص ما حدث بعيداً عن تدوين الأسماء للأشخاص والمناطق لصعوبة تذكرها أو الاستفادة من ذِكرها:

    ـ وجدت حكومة جديدة، أكثر موظفيها من الشباب، لم يكن لهم مكانة اجتماعية ذات نفوذ في مقاطعاتهم. لكن القوة الفعلية المحركة استمدت بالفعل من وجود أشخاص منتقيين بعناية من المقاطعات يتمتعون بنفوذ اجتماعي ولهم القدرة على التوجيه والتأثير بمجريات الأمور.

    ـ في عام 1871، استقر الرأي أن يتجول عددٌ من الأشخاص ذوو النفوذ، في عدد من بلدان العالم المتقدم، بهدف دراسة إنشاء المؤسسات وهياكل تنظيمات الدولة، وعادوا بعد سنتين في عام 1873.

    ـ بعد الاكتمال السيطرة على المقاطعات، تم تبسيط نظام الرتب العسكرية، بعد أن كان نظاماً معقداً ينضوي تحته نصف مليون من الساموراي، فأصبح يشمل ثلاث فئات، بأسماء مختلفة. [ وهذا الوضع سيجعل الرتب العليا من الساموراي فيما بعد بالتحرك للثورة].

    ـ تم تقليص عدد المقاطعات من 250 مقاطعة الى 50 محافظة.

    ـ تم حل تنظيم الساموراي ودمجهم بالجيش، وتخفيض رواتب الفئة العليا منهم. فثار السموراي في عام 1877 ثورة كبرى تم تصفيتها وهزيمتها.

    ـ تم تشريع القوانين ودخول اليابان طريقها لأن تصبح دولة حديثة، على غرار توصيات الصفوة التي تجولت بالعالم.

    ـ كان الإمبراطور بحاجة لتكوين طبقة جديدة من النبلاء تحيط به، وما أن جاء عام 1884، حتى أصبح في اليابان 913 بيتاً قد منح لقب الأرستقراطية، خلفاً لطبقات النبلاء القديمين.

    ـ توقف الملك وأسرته عن تملك الأراضي وترك لمجلس الحكومة باقتطاع الإقطاعيات لرجال الدولة بعد أن يأخذ منهم تعهداً على أن يكونوا (مضيفين للفلاحين) وليس مالكين لهم.

    ـ أحس اليابانيون العاديون بأنهم هم الكاسبون من ثورة (المايجي)، فلقد أدت المساواة في التعليم وحرية التنقل ودفع الضرائب الى الإحساس بالعدل.

    ـ لم تكن المبالغ المعطاة للنبلاء وللأرستقراطيين الجدد، تميزهم كثيراً عن باقي الشعب ـ رغم قلتهم ـ فقد كان من المألوف أن يُرى نبيلٌ يعيش حياة الفقراء، أو يعيش في أحيائهم.

    هذه الصورة الخاطفة والسريعة تبرز بوضوح غرابة وصعوبة وصف وتصنيف فترة الإعادة في التاريخ الياباني.

    انتهى الفصل الأول

    يتبع

  5. #5
    الفصل الثاني: ثورة المايجي وتحديث اليابان

    تقديم: كووابارا تاكيو/ جامعة كيوتو/ اليابان

    تقديم:

    الباحث الياباني هنا، لا يقدم مساهمته كمختص في التاريخ، إذ هو مختص في الأدب الفرنسي، لكن ساءه ما سمع من غمز وسوء إنصاف لثورة المايجي، فهو إذ وجد أن كثيراً من المراقبين في فرنسا والاتحاد السوفييتي السابق والصين يعطون ثورة المايجي حقها بشكل طبيعي، لكن وصف تلك الثورة بأنها ثورة بورجوازية، وإن كان لا يضيرها، فإنه ناجم عن عدم فهم دقيق لما حدث في اليابان، وهو هنا يريد أن يضع بعض النقاط المضيئة للراغبين في الاطلاع على تلك التجربة.

    لقد وصل الباحث الى أن وصف ما حدث، هو أنها ثورة ثقافية وليدة القومية. والتشديد على الجانب السياسي وحده. وكان الهدف النهائي للقائمين عليها هو: تحويل اليابان الى (دولة مهيبة ذات طابع أوروبي في جزيرة في الشرق الأقصى). وكان هناك من يقول (الانفصال عن آسيا، سيروا مع القوى الأوروبية).

    ماذا تأتى عن إعادة المايجي؟

    قيل عن الدولة التي نشأت من المايجي، أنها دولة عسكرية منذ البداية، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، ولكنه لا يشبه ما هو عليه في دول العالم الثالث للأسباب التالية:

    1ـ التقليد الياباني الموغل في القدم الذي حصر السلطة بيد الطبقة المحاربة.

    2ـ تأثير أفكار أشخاص أمثال (يوشيدا شويين وهوندا توشياكي وتاكانو تشووي) الذين كانوا مقتنعين بأن اليابان تحتاج الى بعض المراكز عبر البحار للدفاع عن نفسها في وجه الدول الغربية.

    3ـ الخوف من الدول الغربية الذي استحوذ على اليابانيين منذ نهاية عهد (توكوغاوا) وبلغ حداً من الصعب تفهمه اليوم.

    وقد نجحت اليابان (كما يقول الباحث) في التحديث وحققت ذلك بسرعة لا مثيل لها في تاريخ العالم. وتمثل هذا التحديث في ( ديمقراطية الحكم، ورأسمالية الاقتصاد، وإنتاج المصانع، ونظام تعليم إلزامي على الصعيد القومي، وإنشاء قوة عسكرية قومية، وتحرير الوعي الشعبي من القيود التقليدية).

    أهمية العناصر السابقة في التحديث (حسب رأي الباحث)

    1ـ الديمقراطية: يفاجئنا الباحث أنه لم يعتبر اليابان دولة ديمقراطية، ولم تصبح كذلك إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ثم ذهب أكثر من ذلك عندما قال أنها ليست ديمقراطية تلك التي تأتي بأوتوقراط وأرستقراطيين للحكم، بل الديمقراطية هي تلك التي كانت موجودة بالاتحاد السوفييتي والصين!

    2ـ رأسمالية الاقتصاد: لم تنبثق الرأسمالية في اليابان كما هي في بريطانيا، من الطبقات الشعبية، بل جاءت رأسمالية الدولة من حكومة (المايجي) نفسها، ورأسمالية الدولة في اليابان هي شبيهة لرأسمالية الدولة في الاتحاد السوفييتي.

    3ـ لقد تم فرض التعليم الإلزامي في بريطانيا عام 1870 وفي اليابان عام 1872 وفي فرنسا عام 1882 وفي الولايات المتحدة عام 1918 وفي ألمانيا عام 1919. وتميز التعليم الإلزامي في اليابان بأنه كان عادلاً لكل عموم الشعب بعكس بريطانيا حيث كان هناك مدارس للأغنياء ومدارس للفقراء.

    4ـ إنشاء قوة عسكرية قومية: كانت المساواة في صفوف العسكريين وتبوئهم الرتب المختلفة متقدمة على نظيراتها في الدول الغربية.

    5ـ في تحرير الوعي من القيود القديمة: لا يمكن القول أن يابان (المايجي) كانت ناجحة جداً، فقد سبقهم الغرب في مفهوم الفرد ومفهوم المواطن.

    خصوصية وضع اليابان في نجاح خطط المايجي:

    1ـ الظروف الجغرافية: كانت اليابان الدولة الأبعد عن أطماع القوى الغربية عندما كانت تُعد العدة للسيطرة على العالم، فاليابان جزيرة بعيدة. وهذه تعتبر ميزة لعزلة اليابان وتفكير أبنائه دون تأثيرات خارجية.

    2ـ الاستقلال الوطني: تعتبر اليابان من الدول القليلة جداً في العالم التي لم تتعرض للاحتلال من قبل الغير. وكان لهذا أثر على أن ثورة المايجي كانت ثورة داخلية تميل للمحافظة على تقاليد وهوية البلاد.

    3ـ لم يحظَ أي بلد في العالم بفترة سلام امتدت 250 سنة كما في اليابان، وقد أتاح حسن الطالع هذا، إنضاج الثقافة بدرجة عالية من التطور.

    4ـ خلال الفترة الطويلة من السلام، كانت هناك مبادرات شعبية للتربية والتعليم، فتشير بعض الدراسات الغربية (البروفيسور رونالد دور) أنه عند بداية ثورة المايجي كانت نسبة المتعلمين في اليابان 43% للذكور و 15% للإناث، في حين أن تلك النسبة في روسيا والصين عند قيام ثورتيهما المتأخرتين عن ثورة المايجي لم تكن النسبة أكثر من 15%، وفي الهند 10%.

    5ـ تجانس الظروف والأوضاع في عموم اليابان، فبالمقارنة بفرنسا مثلاً، والتي تعتبر نموذجا لتجانس الشعب داخلها، كان في فرنسا فروق في نظم القضاء والزراعة بين شمالها وجنوبها، في حين أن تلك الاختلافات لم تكن في اليابان.

    6ـ ابتعاد اليابانيين عن الاهتمام بالفلسفة والمنطق والمناقشات النظرية، لغياب النزاعات الأهلية التي تمد المفكرين بالتأمل والتنظير، كما أنه ليس هناك خلافات مذهبية أو دينية. ويضرب الباحث مثلاً أن 300 إقطاعي سلموا أراضيهم وممتلكاتهم للإمبراطور طوعاً ودون تذمر عند قيام المايجي.

    7ـ التسليم بالأقدار: يؤكد عالم الاجتماع البرفيسور (ساكوتا كييشي) أن (هناك تقليداً قديما في المجتمع الياباني يقضي بقبول الظروف على أنها قدر مكتوب وما عليه إلا التكيف مع الأوضاع السائدة).

    8ـ إلغاء الطبقية في اليابان على يد المايجي. وعزل العامل الديني الذي كان أصلاً قليل الأثر، فمنعت حكومة المايجي التبشير بالمسيحية كما أجبرت الشيع البوذية على الإذعان لسلطتها.

  6. #6
    الفصل الثالث: الاستقلال والتحديث في القرن التاسع عشر

    تقديم: توياما شيجيكي/محفوظات يوكوهاما التاريخية/ اليابان

    خطر الاستعمار

    شكل الاستعمار خطراً كبيراً جداً على اليابان في الفترة الواقعة في منتصف القرن التاسع عشر، وكانت مظاهر الخطر على أشدها في فترة الخمسينات من القرن نفسه، ولكنها بدت تخفت مع نهاية القرن التاسع عشر.

    لقد كانت السفن الحربية تقف على مقربة من سواحل اليابان وكأنها وحوش تترقب بفريستها، وقد يكون كثرتها وراء عدم انقضاضها على اليابان، وذلك للتعقيدات التي كانت تنظم العلاقات بين الدول الاستعمارية، وقد تختلف اليابان عن الصين أو الهند بعدة نقاط منها:

    1ـ بدأت الضغوطات الأجنبية على اليابان بعد مرور عشر سنوات على بدء الغرب عملية قضم الصين والتي لم تكن قد هُضمت بعد.

    2ـ كان موقع اليابان في شمال شرقي آسيا بعيداً عن المواقع التي كانت بريطانيا تحتلها مثل الهند وما جاورها.

    3ـ كانت بريطانيا منشغلة بصورة كلية بمواجهة الحركات الآسيوية الوطنية المناهضة للاستعمار.

    العوامل الداخلية والاحتجاج الشعبي

    رغم أن اليابان أدارت اتقائها للخطر الاستعماري بحنكة كبيرة، حيث وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة، إلا أن الوضع الداخلي في عام 1853 كان عاما مناسباً لتفكك الدولة اليابانية وتحويلها لمستعمرة بسهولة، لولا حذر المستعمرين من بعضهم البعض (البريطانيون والفرنسيون والهولنديون). لكن وفي العام نفسه تراجعت قبضة الإقطاع وارتفعت وتيرة الحراك السياسي الداخلي مما عقد من مهمة المستعمرين.

    وممكن القول أن الفلاحين والذين قد بدءوا ثورتهم الأولى عام 1836 إثر انخفاض عوائدهم من المحاصيل الزراعية، مما لفت انتباه من أرادوا الثورة من الفئات الأخرى للانضمام للفلاحين، أو اعتبارهم ستاراً للارتفاع بمستوى الثورة. وهذا ما حدث في عام 1866، عندما أصبحت الاحتجاجات الشعبية ظاهرة ملفتة لم يكن بالإمكان تجاهلها، وإن كانت متقطعة وغير مستمرة وتفتقد لقيادة مركزية. لكنها كانت عاملاً هاماً في سقوط القيادات التقليدية وتهديم الإقطاع.

    التجارة

    في الفترة التي كان يتطلع الاستعمار للدخول فيها الى اليابان، برزت ظاهرة جديدة لم تكن معهودة سابقاً في اليابان، وهي إغراق الأسواق اليابانية بالبضائع المستوردة، والتي يقل ثمنها عن مثيلاتها اليابانية، كذلك تصدير خيوط الحرير، مما سبب ندرته في داخل اليابان وتعطيل الصناعات القائمة عليه.

    هذا الوضع أدى الى ثورة الصناعيين والتجار، والمطالبة بوقف تصدير خيوط الحرير، ومراقبة ميناء (يوكوهاما) لوقف استيراد البضائع الأجنبية التي أضرت بالصناعة والتجارة المحلية.

    وقد فسر البعض أن ثورة الفلاحين، كانت من وحي التجار والصناعيين وبدعمهم، ولكن ذلك غير صحيح، فقد لمست تلك الفئات منفردة الأضرار التي تلحق بها.

    العلم والتكنولوجيا

    لم تمنع قرون الانعزال الوطني، تغلغل بعض العلوم والتكنولوجيا الغربية والمعلومات حول العالم الخارجي الى اليابان وذلك عبر التجار الهولنديين في ميناء (ناغازاكي). وقد ركز اليابانيون في التزود بالثقافات والمعارف المتعلقة بالطب والفلك. وقد انتبه (الساموراي) الى أهمية نقل العلوم العسكرية وما يتعلق بالتسليح، فعملوا على نقلها ودفع سياسيين متنورين الى دفة الحكم يشاركونهم اهتماماتهم.

    الإقطاع

    أدى تدهور سيطرة الإقطاع الى إفقار مالية (الشوغونة: الحكومات المحلية وهيئات دعمها)، فلم تستطع أن تتسلح بما يكفي لبسط سيطرتها على مناطق نفوذها. فتبنت شعار (اطردوا البرابرة)، ملتقية بذلك مع القوى الوطنية الأخرى. لكنها بالوقت نفسه، كانت تعمل سراً على عدم الاصطدام مع القوى الأجنبية بالمعنى الحربي، لمعرفتها بضعف إمكاناتها.

    لقد رفعت القوى المعادية (للشوغونة) نفس شعارهم (اطردوا البرابرة) لإحراج تلك الفئة وتحييدها.

    الإعادة

    لقد نجحت إعادة (المايجي) لأن التغييرات الكبيرة في نظام (الباكوهان )، قد تمت في تتابع سريع: (1) إعادة الحكم الإمبراطوري في عام 1868. (2) تسليم سلطات المقاطعات الى الحكومة الجديدة في عام 1869. (3) إقامة نظام الولايات في العام 1871. (4) احتواء وقمع المعارضة المسلحة التي قادها زعماء إقطاعيون متمردون. (5) ضبط الاحتكاك مع القوات الأجنبية المحيطة باليابان (6) الانفتاح بذكاء على العالم الخارجي.

    ما هو الباكوهان؟ [أي: الحكومة الوطنية التي جاءت كحل وسط بين الحكومة المركزية (باكوفو) والحكومات المحلية (هان)، وعرفت (باللغة العربية ب الإقطاعية المركزية، ويختلف نظام الحكم هذا عن النظام الإقطاعي لغرب أوروبا والنظام الإقطاعي في الدول الآسيوية ذات الحكم المركزي قبل العصر الحديث ].

    إرساء التحديث

    في العام 1871، ومباشرة بعد إقامة نظام الولايات تم إيفاد بعثة (ايواكورا) التي ضمت العديد من كبار الموظفين، الى أمريكا وأوروبا من أجل التفاوض حول إعادة النظر في المعاهدات غير المتكافئة ودراسة أوضاع الغرب. وفي العام التالي اعتمدت الحكومة نظاماً تربويا جديداً. وفي العام 1873 صدر قانون التجنيد الإلزامي وآخر لتعديل الضريبة على الأملاك. كما أنشأت الحكومة نظاماً مصرفيا، وأرست الإطار القانوني لنشاط الشركات. كما أنها اتبعت سياسات من شأنها تشجيع الصناعة بعدة طرق منها على سبيل المثال إنشاء مصانع ممكننة ومزارع للدواجن تُدار من قبل الدولة في عدة مناطق. كما تم إدخال المؤسسات التكنولوجية والثقافية الأجنبية بالجملة.

    لقد اكتشفت الدولة أن التقليد للغرب لم يفد شيئاً، لا في المصانع ولا في المزارع مما أدى الى بيع تلك المصانع والمزارع للقطاع الخاص.

    وفي الأعوام بين 1880 و 1884، قامت احتجاجات شعبية واسعة، منها (300) ألف من ملاك الأراضي، والمصنعين والمزارعين، طالبت بتأسيس برلمان وطني، وتخفيض الضرائب، وتعديل الاتفاقات مع الدول الأجنبية، ومع ذلك فبالرغم من قصر المدة والقمع الشديد الذي مارسته الدولة ضد معارضيها، فإن تلك التجربة القصيرة كان لها الانعكاسات التالية:

    أولاً: أدت الاحتجاجات الى إجبار الدولة على وضع دستور، والدعوة الى جمعية وطنية.

    ثانياً: حالت حركات الإضراب دون زيادة الضرائب العقارية في عام 1880.

    ثالثاً: إن الأفكار والتقنيات الجديدة الوافدة من الغرب والتي شجعت الحكومة على انتشارها بين سكان المدن ثم الى الأرياف، لينمو الوعي الديمقراطي والشعبي بالمعنى الحديث.

    لقد أدت الجهود المتبادلة بين رجال الفكر والحركات الشعبية الى الوصول لدستور عام 1889، ثم انتخاب برلمان عام 1890، كانت الأغلبية فيه للمعارضة، لقد أعطى الدستور للإمبراطور سلطات واسعة لا تحدها السلطة الشرعية، كما ضمن هيمنة العسكريين والبيروقراطيين. هذا الوضع أدى الى إعادة توحيد اليابان بشكل قوي. وقد دفعت الحرب اليابانية ـ الصينية التي اندلعت عام 1894 الى وقوف المعارضة مع الجيش والسلطة المركزية.

    وبعد أن انتصرت اليابان في حربها مع الصين، زاد التفاف المواطنين حول دولتهم، فالتزم الكل بنظام التعليم لترتفع نسبة من يدخلوا المدارس من 30% قبل الحرب الى 90%، كما التزم المواطنون بخدمة العلم العسكرية ليتبدل الشعار من الخدمة الإلزامية قبل الحرب اليابانية ـ الروسية الى شعار (أمة تحت السلاح).

    وفي عام 1911 أصبحت اليابان الإمبريالية على قدم المساواة مع غيرها من دول الغرب.

  7. #7
    الفصل الرابع: المايجي إيشين: ثورة بورجوازية غير مكتملة

    تقديم: إيغور لاتشييف/ أكاديمية العلوم في موسكو

    اهتم العلماء السوفييت بثورة المايجي في اليابان اهتماماً يفوق نظرائهم في مختلف أنحاء العالم، ففي عام 1968 عقد معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي مؤتمراً للخبراء السوفييت بمناسبة مرور 100 عام على بداية (المايجي إيشين) وقد قدم 25 خبيراً بارزاً في تاريخ اليابان وثقافتها تقارير ومحاضرات مثيرة للنقاش.

    ولم يكتفِ الخبراء السوفييت بقراءاتهم لليابان، بل قرءوها من خلال كتابات اليابانيين وقراءات الأجانب الغرب، وبالذات الأمريكان، وحتى لا يتيه القارئ بالأسماء اليابانية للأحداث والوقائع أو أسماء القادة والمؤثرين فكرياً في مناقشة هذا الموضوع، ارتأينا تبسيط الموضوع وإعادة تقديم البحث الذي بين يدينا بصورة تسهل فهم طبيعة القراءة السوفييتية لثورة المايجي اليابانية.

    الاختلاف الأساسي بين القراءة السوفييتية والقراءات الغربية

    أنكر الخبراء السوفييت وجهة النظر الرأسمالية في تفسير ما حدث في اليابان. ففي حين رأى الغرب أن ما جرى في اليابان هو ثورة من القصر نفسه من أجل التحديث، اعتبر السوفييت أن نظرية التحديث الغربية ما هي إلا (لفظة) فضفاضة ترى الأمور بعيون غربية وعلى مسطرة ليبرالية لا تصلح في مناقشة ما جرى في اليابان، وقدموا براهينهم التي سنسوقها تباعاً.

    في حين يرى الخبراء السوفييت أن ثورة المايجي هي ثورة شعبية أتت بتغييرات كبيرة على صعيد تنمية اليابان. وإن تشبيه الثورة اليابانية 1867ـ 1868، بالثورة البريطانية 1640ـ 1660، أو الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر هو تشبيه خاطئ، لا ينبع إلا من عقول ليبرالية.

    الفلاحون هم عماد ثورة اليابان

    يقدم الباحث السوفييتي (إيغور لاتيشيف) برهانه، في أن الفلاحين هم من كان مركز الثورة أو الثورات في اليابان. فيقول بين عامي 1868 و 1873، حصلت في اليابان نحو 200 ثورة فلاحية، وقد شارك فيها عشرات الألوف من الناس، وجيء بقوات عسكرية لقمعها.

    وأن من يقول أن المايجي جاءت دون إراقة دماء، فهو مخطئ، فقد دفعت الحكومة اليابانية بقوات مجموعها 120 ألف محارب، قُتل منهم 3556 وجرح 3804 كما فقدت القوات المساندة للحكومة من العشائر وغيرها 4707، وتلك الخسائر تفوق ما خسرته اليابان في حربها مع الصين، حيث كان مجموع خسائرها 5417 قتيل.

    لم يتفرد الخبراء السوفييت بنظرتهم تلك، فقد كتب المفكر الياباني اللامع (كوتوكو شوسوي) عام 1903 (التاريخ الاجتماعي هو سجل للثورات، فالثورات تؤدي الى تقدم الإنسانية. حاول أن تتخيل أية درجة من التطور كان يمكن للإنسانية أن تحققها لو لم يكن هناك (كرومويل) في بريطانيا، ولو لم يُعلن الاستقلال الأمريكي، ولو لم يخلق الشعب الفرنسي النظام الجمهوري، ولو لم توحد إيطاليا، ولو لم تكن هناك حركة المايجي في اليابان).

    المايجي ثورة بورجوازية

    وعلى العكس من الباحثين الأجانب، فإن الخبراء السوفييت في الشؤون اليابانية يعتبرون ثورة المايجي هي ثورة بورجوازية، وأنها لم تكن استثناء ضمن الظواهر الطبيعية الشاملة... وقد بدأت تحول اليابان من الإقطاعية الى الرأسمالية. وقد حصلت على فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية.

    إن التحليل السوفييتي يُظهر بصورة قاطعة أن ثورة المايجي كانت بداية تحول اليابان من الإقطاعية الى الرأسمالية، وأن أعضاءً من البرجوازية اليابانية هم الذين استأثروا بالفوائد الحقيقية لنزاعات 1867ـ1868. ويميل الخبراء السوفييت في الشؤون اليابانية الى القول أنه كان هناك ثلاث قوى رئيسية معنية بالصراع ضد الإقطاعية: الفلاحون الفقراء وأهالي المدن الذين حاربوا بصورة تلقائية ضد النظام الإقطاعي دون أن يكون لديهم تصور سياسي واضح؛ ونبلاء البلاط والساموراي الذين حاربوا ضد الهالة المحيطة بالإمبراطور (الشوغن) من أجل إقامة المَلَكية المطلقة؛ وأخيراً البرجوازية التجارية والصناعية الآخذة بالبروز.

    الثورات البرجوازية في نظر الخبراء السوفييت

    في رأي الخبراء السوفييت، أن الثورات بما فيها البرجوازية تشكل مرحلة اختبارٍ مؤلمة للشعب، فهي تؤثر بنسبة كبيرة على مصير ذلك البلد. أي أنها تعطي حافزاً جديداً للحياة. فهي تجدد نشاطاتهم وتلهمهم، وتستنهض أشدهم عزماً وطاقة للعمل. والثورة اليابانية ليست استثناءً. فقد أنقذت اليابان من الوقوع في براثن الاستعمار وفجرت طاقات العلماء والمثقفين.

    على أن الخبراء السوفييت لم يغالوا في تقدير الأهمية التاريخية لعهد المايجي، فقد أشار بعضهم (جوكوف وإيدوس) الى أن ثورة 1867ـ1868 لم تكن سوى بداية في عملية تحول المجتمع الياباني من الإقطاعية الى الرأسمالية. وبالرغم من جميع التغييرات الكبيرة التي حصلت في الحياة اليابانية أواخر القرن التاسع عشر، فإن بقايا الإقطاعية لم تُلغ إلا مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.

    لماذا لم تبتعد ثورة المايجي الى أكثر من ذلك؟

    يتساءل الخبراء السوفييت: لماذا لم يمضِ الفلاحون الى الإطاحة بنير كبار الملاكين؟ ما الذي منع الشعب الياباني بأسره من أن يحصل على تلك الحقوق البرجوازية الديمقراطية التي استطاعت شعوب بريطانيا وفرنسا وبلدان رأسمالية غربية أخرى اكتسابها قبل ذلك؟

    إن الجواب على هذه الأسئلة يكمن في سلوكية المشاركين في الانقلاب. فأرستقراطية البلاط والساموراي وكذلك التجار والمصرفيون ورجال الأعمال الذين ساروا في ظلهما، لم يكونوا راغبين بمواصلة القتال من أجل إلغاء الإقطاعية إلغاءً كاملاً. ولم يرغبوا في الوقوف الى جانب المشاركين في ثورات الفلاحين العفوية التي كانت تفتقر الى أهدافٍ سياسية واضحة.

    وقد تحولت تطلعات الأرستقراطيين والساموراي الذين قادوا الانقلاب، الى تطلعات معادية للثورة. فقد فضلوا السعي الى استقرار الوضع. وهذا يفسر العزيمة التي تجلت عندهم لقمع الاضطرابات وثورات الفلاحين دون أية ضوابط في استعمال الأسلحة. ورويداً رويدا واعتباراً من العام 1873 أخذ تمرد الفلاحين بالتلاشي.

    اليابان تنقاد الى مصاف الدول الإمبريالية

    أصبحت اليابان منذ بداية القرن العشرين بلداً إمبريالياً تسيطر على مقدراته برجوازية احتكارية. وإن سياسة اليابان الخارجية تستمد جذورها من الصفة غير المستكملة للإصلاحات البرجوازية التي قامت بها حكومة المايجي.

    إن هدف بناء قوات مسلحة قادرة على صد القوات الاستعمارية المعتدية كان متوافقاً مع مصالح الشعب الياباني. لكن لم تنته المسألة هنا، فقد أصبحت القيادات الجديدة تتطلع الى الامتداد للخارج، شأنهم بذلك شأن الثورة الفرنسية، من خلال حملات نابليون بونابرت. فقد غزت القوات اليابانية تايوان في عام 1874، كما غزت كوريا في عام 1876.

    ينتهي الباحث الى القول: من هنا يجب الحذر في تقييم تجربة المايجي في اليابان والتي نعترف أنها حققت التقدم والرفاه للمجتمع الياباني، لكنها كانت أيضاً امتداداً للروح الإمبريالية المتنامية والروح العسكرية غير القابلة للضبط، والتي أدت الى كوارث، لا للشعب الياباني فحسب بل ولشعوبٍ أخرى.

  8. #8
    الفصل الخامس: معنى التغييرات الثورية

    تقديم: بيوتر فيدوسيف/ أكاديمية العلوم في موسكو

    إن أي تحليل مقارن للتقدم الاجتماعي والقومي في بلدان عدة هو ذو دلالة معرفية كبيرة بالنسبة للحاضر والمستقبل. ويؤسس الباحث هنا لمساهمته، إذ يقول: اختلف العلماء في تقييم (إعادة المايجي)، وقد تشابه التقييم عند بعض العلماء اليابانيين مع زملاءهم السوفييت. والتغيير الثوري ليس مجرد موضوع نظري، بل يمكن ترجمته الى ممارسة وواقع. وهنا تكمن أهمية إعادة المايجي في انعكاساتها التطبيقية.

    يستعرض الباحث أصول الثورات وأنواعها وأهدافها، ويحاكم أو يفحص ما حصل في اليابان، من حيث موقعه من تلك النماذج العالمية المتفق عليها في علوم السياسة.

    (1)

    المفاهيم النظرية العالمية التي تتكرر في الخطابات السياسية، تنشد الأخوة العالمية والمساواة بين جميع البشر والشعوب وحول السلام والوفاق الدائمين. ولتحقيق تلك المبادئ لا بد من جهود تُبذل من قبل الشعوب بأشكال مختلفة، وهذه الجهود لم تحقق كل أهدافها لغاية الآن.

    الثورات هي أهم وسائل تحقيق تلك الأهداف. والثورة في تعريفها: (عملية تغيير هائلة تتطلب تدمير كل ما هو قائم من أجل خلق شيء جديد. إنها تنطوي على تدمير البنى القديمة التي تخطاها الزمن وإحداث تبدلات مفاجئة في الحياة الاجتماعية. وتشمل كذلك النواحي العلمية والتكنولوجية. فالثورة هي المحرك بل القوة الدافعة للتاريخ).

    والثورة ليست مجرد صدامات أمنية مرحلية بين فئات اجتماعية ضمن المجتمع، وإنما هي صدام حاسم بين الطبقة الحاكمة والجماهير المضطهدة، ينتج عنه تحول في السلطة من الفئات الحاكمة الى فئات أخرى. إنه يسفر عن تغيير في البنية الاقتصادية وفي المؤسسات الاجتماعية والنظريات الأيديولوجية.

    (2)

    التغيير الثوري يمكن أن يكون كالرصاصة سريعاً ويحمل معه كل التغييرات، وممكن أن يكون بطيئاً ويمتد لفترة طويلة، في حالة الثورات البرجوازية، كثورة (المايجي) في اليابان، وفي الحالة الأخيرة، فإن السلطة ستنتقل الى مجموعات جديدة.

    ما حصل في اليابان، هو ثورة (القول للباحث)، لقد انتقلت السلطة الى مجموعات جديدة، حتى لو كانت تلك المجموعات قد اختارت النظام الملكي (الإمبراطوري)، لكنها في جوهرها قد ابتعدت عن الطغيان العسكري والإقطاعية. واتجهت نحو النظام البرجوازي.

    عند مقارنة ما حدث في اليابان مع الغرب الأوروبي، فقد كانت الثورات في الغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثورات معادية للإقطاع، فقد أزالت طبقة كبار الملاكين الأرستقراطية وحررت الفلاحين، على الأقل من الناحية الشكلية، من العبودية الشخصية، ومهدت الطريق أمام النمو السريع للصناعة والتجارة والنقل. لكن القوة الاقتصادية والسياسية ظلت في أيدي دوائر ضيقة من الملاكين والبرجوازية التجارية والصناعية. وقد أدى ذلك الى القضاء على الأكثرية الساحقة من الشعب وتحولهم الى عمال مأجورين أو الى مزارعين تابعين.

    (3)

    في الجانب الاجتماعي للثورة. تقسم ثورات العصر الحاضر الى ثلاثة أنواع: (1)معادية للإقطاع، (2) معادية للبرجوازية (3) معادية للاستعمار. في أوروبا خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، حصلت ثورات تم من خلالها إزالة الملكية الإقطاعية، وحصول الأقنان (العبيد) على ملكية الأراضي، ممهدين بذلك الطريق أمام ظهور أوروبا البرجوازية، وقيام الثورات البرجوازية التي أدت الى انتقال السلطة الى الرأسماليين.

    (4)

    ما هي القوة المحركة للثورة؟ من هو البطل الذي يقف وراء أي نوع من الثورات، أكانت معادية للإقطاع أم للاستعمار أم للبرجوازية؟

    مما لا شك فيه أن هناك مجموعة من القوى المؤثرة. هناك أولا، البرجوازية التي يمكن أن تكون البطلة والقوى المحركة لثورة تستهدف الإقطاع، مستقطبة تأييد الجماهير الشعبية، وقد تكون النتيجة إقامة دولة برجوازية وطنية لكن من دون أن تذهب مكاسب الثورة الى الجماهير.

    وقد تكون هناك أيضاً قوى أخرى معادية للإقطاع. ففي اليابان لم تستطع الحركة المعادية للإقطاع أن تستقطب تأييد الشعب الذي عانى من القمع على يد الإقطاعية فحسب وإنما كذلك تأييد بعض العناصر الإقطاعية الفردية مثل مجموعات (الساموراي) أو (الشيزوكو) التي عارضت الدكتاتورية العسكرية.

    وهناك ثانياً، البروليتاريا والمزارعون الذين يمكن أن يشكلوا القوة المحركة لثورة تستهدف الإقطاع فيقيمون تحالفاً ديمقراطياً بين القوى الاجتماعية، كما حدث في ثورات روسيا.

    لقد استعمرت البلدان الرأسمالية أراضي شاسعة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا حيث عانت الشعوب المستعمَرة من نير مزدوج، هو اضطهاد الحكومات المحلية المتعاونة مع المستعمر والاضطهاد الذي تنطوي عليه آلية استغلال الدولة الاستعمارية.

    (5)

    هناك أوجه شبه في بعض الثورات، فمثلاً تتشابه الثورة اليابانية مع الثورة المكسيكية وثورات أخرى في أمريكا اللاتينية. وهناك وجه شبه بين الثورة الصينية التي حدثت في شنغهاي عام 1927 والثورة المكسيكية.

    ويسبق كل الثورات الهامة نشاط فكري وفني وثقافي، يقوم بتوعية الشعب وتحريضه على رفض ما هو قائم. (فولتير وجان جاك روسو وغيرهم) في فرنسا. (نيكولاي شيرنيشفسكي وليو تولستوي ومكسيم غوركي) في روسيا، وفي كل ثورات العالم، حتى اليابان نفسها.

  9. #9
    القسم الثاني: البيئة الدولية

    الفصل السادس: تحديث اليابان من منظور العلاقات الدولية

    تقديم: شيباهارا تاكوجي/ جامعة ناغويا/ اليابان

    (1)

    كثيرٌ من المشاكل التاريخية المرتبطة بتحديث اليابان، كان وراء تأثير الغرب كقوة دافعة مباشرة. فقد كان قدوم الأسطول الأمريكي بقيادة (الكومودور بيري) عام 1853، أول مظاهر الضغط الأجنبي المدعوم بقوة مسلحة. إلا أن تأثير الغرب على اليابان كان متعدد الوجوه.

    وكان أحد هذه الوجوه الانفتاح القسري للمرافئ على (التجارة الحرة) والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن ذلك (بما في ذلك سقوط البنية الصناعية التجارية القائمة وإعادة التكوين التي رافقت الاندماج بالسوق العالمية).

    والوجه الثاني انطوى على ضغوطات سياسية ودبلوماسية وعسكرية مارسها الغرب على اليابان بموجب المعاهدات غير المتكافئة (التعرفات الجمركية المنخفضة، حق إقامة المستوطنات الأجنبية، المحاكم القنصلية، معاملة الدولة الأكثر رعاية من طرف واحد وبنود أخرى).

    أما الوجه الثالث، فقد أضفى توثيق العلاقات الدبلوماسية والتجارية بصورة متزايدة، فقد دخلت التكنولوجيا الصناعية والعلوم الحديثة الى البلاد مما أدى الى ازدياد في نفوذ القيم والحضارة والثقافة الغربية وأنظمتها السياسية.

    (2)

    مع اندفاع الدول الغربية شرقاً خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بحثاً عن أسواق للمنتجات التي ازدادت نتيجة التصنيع الرأسمالي، ظلت الصين واليابان منطقتين واقعتين فعلياً على أطراف العالم المعروف آنذاك. فحتى الخمسينات من القرن التاسع عشر، عندما بدأ الاستيطان في كاليفورنيا وبات من الممكن عبور المحيط الهادئ بواسطة السفن البخارية، فإن هذين البلدين كانا الأكثر بعداً عن الولايات المتحدة الفتية.

    وعلى عكس بلدان آسيوية أخرى مثل الهند وفيتنام اللتين أصبحتا مستعمرتين للدول الغربية في القرن التاسع عشر، فإن الصين واليابان بقيتا شبه مستقلتين عن الغرب اقتصاديا وسياسياً، رغم أن مرافئهما فتحت قسراً وفرضت عليهما معاهدات غير متكافئة.

    (3)

    كيف نفسر نجاح اليابان في التصنيع وفي تحديث مؤسساتها الاجتماعية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في حين تعذر ذلك على الصين؟

    هناك تفسيران لهذا التساؤل عند الباحثين اليابانيين. الأول يرى أن اليابان كانت في منتصف القرن التاسع عشر قد حققت كثيراً من الشروط اللازمة للتحديث. والثاني يرى أن خضوع الصين للغرب اقتصادياً وسياسياً كان أكبر مما كان عليه خضوع اليابان، وبالتالي توافرت لليابان فرصة أفضل لتحقيق نموها الاقتصادي المستقل.

    يرى (بي أي باران) في مؤلفه (الاقتصاد السياسي للنمو) أن نجاح اليابان في التصنيع يعود الى اكتفائها الذاتي النادر (أي انخفاض مستوى تبعيتها للبلدان الأخرى) وهو أمر نادر بين الدول غير الغربية.

    أرجعت (مودلر) الاختلاف بين وضع البلدين (اليابان والصين) لأسباب عدة:

    أ ـ أن القوى الغربية كانت تركز نشاطاتها في آسيا في منتصف أواخر القرن التاسع عشر على احتلال وحكم كل من الهند وإندونيسيا والهند الصينية والصين، ولم تولِ اليابان اهتماماً كبيراً كونها بلداً ثانوياً ذا موارد قليلة وسوق صغيرة.

    ب ـ بالإضافة لتجارة الأفيون مع الصين، فقد أقامت الدول الغربية مع الصين علاقات تجارية ركزت على المنتجات الأساسية اللازمة للإنتاج والاستهلاك الجماعي.

    ج ـ كانت الصين مثقلة بالتعويضات الكبيرة المترتبة عليها بسبب هزائمها المتلاحقة في حروبها مع القوى الغربية. وقد أدت استثماراتها الكبيرة على صعيد سكك الحديد والمناجم ودينها القومي الخارجي الى إبقائها في موقع بالغ الهشاشة. وقد أُجبرت الصين على السماح في نشر المسيحية في أراضيها.

    أما اليابان كانت أقل عرضة للتدخلات الخارجية (حسب مودلر).

    (4)

    يبين صاحب البحث رأيه فيما قرره واستنتجه الآخرون وبالذات (مودلر)، فيقارن بين وضع كل من الصين واليابان، فيبدأ بالسكان فالصين في نهاية القرن التاسع عشر كان عدد سكانها 300 مليون نسمة، في حين اليابان 37 مليون. وبعد عدة سنوات من ثورة (المايجي 1867) كان حجم تجارة اليابان مع الغرب يوازي خُمس تجارة الصين معه (مع اعتبار الفارق بعدد السكان).

    شنت بريطانيا عدة حروب على الصين باسم (حرب الأفيون) بين أعوام 1840ـ 1858، فانتزعت منها بموجب اتفاقيات (هونغ كونغ وكولون) وفتحت 14 مرفأ وأجبرت الصين على دفع تعويضات ضخمة، كذلك فعلت فرنسا والولايات المتحدة.

    بقيت الصين تستورد من الغرب احتياجاتها من الخيوط والملابس، في حين تحولت اليابان بحلول عام 1890 الى مُصدرٍ لتلك البضائع بعدما كانت مستوردة هي الأخرى.

    في عام 1885 بلغت ديون الصين المتراكمة لصالح بريطانيا وحدها 5.47 مليون جنيه إسترليني، وهذا الرقم يعادل ثلث دخل الصين الوطني. في حين اقترضت حكومة (المايجي) 4.6 مليون جنيه إسترليني تم تسديدها عام 1898 مع فوائدها. بينما ارتفعت ديون الصين بعد الحرب الصينية اليابانية وثورة (البوكسير).

    (5)

    يكشف المؤلف قدرات على فهم ما كان سائداً في تلك الفترة وهو ما أطلق عليه (إمبريالية التجارة الحرة)، ويفسر من خلال تلك الرؤيا ما كانت تمثله الهند ككنزٍ للإمبراطورية الإنجليزية كونها خاضعة مباشرة لاستعمارها الرسمي، في حين كانت الصين واليابان وكذلك بلاد فارس (1836ـ 1857) وتركيا (1838 ـ 1861) وسيام (1855) وغيرها، كانت بلداناً سعت إنجلترا الى السيطرة عليها بصورة غير رسمية، وهي سيطرة ارتكزت اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً على المعاهدات غير المتكافئة.

    وبالنظر الى ظروف وسائل النقل والاتصالات في تلك الأيام ومدى قدرة بريطانيا على تحريك قواتها العسكرية على امتداد مثل هذه المسافات، فإن إمكانية الاحتلال المباشر أي فرض سيطرة رسمية على الصين واليابان، وهما دولتان ذوات تراث تاريخي طويل في آسيا الشرقية، كانت أمراً لا يمكن حتى تخيله.

    لذلك، كانت سيطرة بريطانيا غير المباشرة وغير الرسمية تتمثل بقمع تمرد (تايبينغ) ودعم أسرة (شينغ) وحكومة (المايجي) وغيرها من الإجراءات ما كانت إلا جزءاً يسيراً من الخطة السياسية المعقدة التي اعتمدتها بريطانيا مقارنة مع القوى الغربية الأخرى.

    كانت مصالح بريطانيا تتضارب مع مصالح غيرها، وكانت الولايات المتحدة خارج اللعبة، وفي الأعوام من 1861ـ1865، نسقت بريطانيا وفرنسا جهودهما تجاه تلك المنطقة، فتقدمت فرنسا نحو جنوبي فيتنام ووسعت روسيا نفوذها باتجاه الحدود شمالي وشمالي غرب الصين. وتنافست بريطانيا وروسيا على جزيرة (تسوشيما). واختلفت فرنسا وبريطانيا حول سياستيهما تجاه اليابان. كما أن روسيا وبريطانيا اختلفتا حول كوريا. وفي ثمانينات القرن التاسع عشر فرضت فرنسا حكمها على فيتنام وضمت بريطانيا (بورما: ميامارا الآن).

    عرفت القيادات اليابانية كل تلك الأمور، وكان عليها لتحقيق مواجهتها لها بنجاح أن تحقق ما يلي:
    أ ـ دولة موحدة ملتزمة بحق تقرير سلوكها تجاه البلدان الأجنبية.
    ب ـ قاعدة مالية متينة.
    ج ـ تنظيم فعال للسلطة فيما يتعلق بالتنمية.

    وهذه المحاور في نشاط المايجي لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييمها.

  10. #10
    الفصل السابع: العلاقات الدولية عشية المايجي إيشين

    تقديم: وان فنغ/ الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية/بكين

    يركز هذا المقال على العلاقات الدولية التي كانت تحيط باليابان، مع إيلاء أهمية خاصة لتأثير الأحداث التي شهدتها الصين على اليابان في السنوات التي أدت الى إعادة المايجي.

    (1)

    يعود تقدم الدول الغربية شرقاً الى القرن السادس عشر الذي يصفه كارل ماركس ببداية العصر الرأسمالي. فكان للبرتغال حاكماً على الهند منذ عام 1509. وقد تلى ذلك التاريخ تواجد بحري للسفن الحربية البرتغالية على الشواطئ الصينية، وتعتبر حادثة جنوح إحدى البواخر البرتغالية في عام 1543، من أهم الأحداث التي استشعر فيها اليابانيون الخطر الخارجي. وقد كانت السيادة شبه التامة في ذلك القرن للسفن البحرية البرتغالية والإسبانية.

    مع حلول القرن السابع عشر، حلت كل من هولندا وإنجلترا، محل إسبانيا والبرتغال. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تفوقت بريطانيا العظمى على جميع منافسيها، وأصبحت في مقدمة الزحف الغربي نحو الشرق. وفي العقدين الثالث والرابع من القرن التاسع عشر، عرفت العلاقات الدولية في الشرق الأقصى تغييراً أساسياً بنتيجة مباشرة بريطانيا العظمى وغيرها من الدول الرأسمالية الغربية حملاتها التوسعية والاستعمارية الطموحة.

    وكان من أكثر الأحداث دلالة على الاندفاع الغربي نحو الشرق، هو التحركات لاحتلال الصين من قبل بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، بالفترة الواقعة بين 1840ـ1860.. وهذا الاندفاع هو ما أجبر الصين على توقيع معاهدات مذلة أمام تلك الدول، وقد كان لليابان نصيب من هذه الاتفاقيات مع الدول الغربية.

    (2)

    يُشير الباحث (وان فنغ)، الى أن معظم المؤرخين يعيدون قصة الضغوط الأجنبية على اليابان الى قدوم السفن السوداء بقيادة الكومودور (ماثيو كالبرايت بيري 1794ـ1858)، لكن للباحث الصيني رأي آخر، فهو يرى أن حربي الأفيون ضد الصين شكلا عاملا مهما في الضغط على اليابان.

    من المعلوم أن الصين أكثر أهمية من اليابان في الأطماع الاستعمارية، فقد أدت حربا الأفيون الى فتح مرافئ الصين عنوة أمام القوى الحربية الاستعمارية، ثم احتلالها بالكامل. هذا الأمر شكل صدمة هائلة لليابانيين حركت وعياً قومياً حديثاً بين اليابانيين.

    وقد قال المفكر الياباني (ساكوما شوزان)، تعليقاً على ما حدث للصين واستحسانا لما جاء بكتاب الصيني (واي يوان) (لقد ولدنا في مناخات متفاوتة مع ذلك فإن بعضنا لا يعرف شيئاً عن الآخر) وأضاف ( إنه لمن قبيل الصدفة الغريبة أننا أدلينا خلال عام 1842 بآراء متماثلة. إنه فعلاً رفيق من وراء البحار).

    وقد تسلل مجموعة من المليشيات اليابانية الى الصين لمعرفة ما يجري هناك. وكانت تلك التجربة كافية لإقناع فصائل الحراك الياباني بوجوب اتخاذ كل خطوة ممكنة للحيلولة دون سقوط اليابان في المنحدر الذي هوت فيه الصين. وقد دفعت صدمة حرب الأفيون باليابانيين الى سلسلة إصلاحات واسعة النطاق تحت شعار (إثراء الأمة وتقوية جيشها).

    (3)

    من جهتها فإن الدول الغربية استغلت خبرتها المكتسبة من عدوانها على الصين على أتم وجه في محاولتها لإقامة وجود شبه استعماري في اليابان. ويمكن إيجاز الأساليب الرئيسية التي استخلصتها من تجربتها الصينية بما يلي:

    أولاً: أهمية عقد معاهدات غير متكافئة تتضمن بند الدولة الأكثر رعاية. فقد وقعت مع الصين عدة اتفاقيات مع البريطانيين والأمريكان والفرنسيين وروسيا.

    ثانياً: التشديد على استعمال قوة السلاح.

    ثالثاً: التزام جانب الحذر إزاء الثورات الشعبية والقوى المعادية، والعمل الدؤوب الى إجهاضها داخليا.

    ولم تكتف القوى الغربية بتلك الأساليب، بل اعتمدت على خبراء دبلوماسيين وعسكريين، جربوا كل الأعمال التي من شأنها تسهيل مهامهم. فقد دفعت بريطانيا في حملاتها ضد اليابان أهم شخصياتها المحنكة دبلوماسيا منهم: (اللورد إلجين) و (السير روثرفورد الكوك) و (السير هاري سميث باركس). ومن الولايات المتحدة الأمريكية (هامفري مارشال) و (تاونساند هاريس). ومن فرنسا (جان باتيست لويس غرو) ومن روسيا (الأميرال إيفيميي فاسيليافيتش بوتياتين).

    وقد أورد الباحث إيجاز وتلخيص لكل من هؤلاء الرجال للتدليل على إمكانياتهم وأدوارهم التي قاموا بها.

    (4)

    ويورد الباحث الصيني عاملاً آخراً لعب دوراً لمصلحة اليابان وهو الاختلاف في الأولوية الإستراتيجية التي أعطتها القوى الغربية لكل من الصين واليابان. وفي الأساس عانت الصين واليابان من الوضع شبه الاستعماري نفسه لدى محاولة مجابهة التقدم الاستعماري للقوى الغربية الرأسمالية. لكن تطورهما التاريخي اللاحق اتخذ منحيين مختلفين جداً.

    باختصار فإن الباحث يريد أن يخلص الى أن الأولوية التي أعطاها الغرب للصين (مساحة وثروات وأهمية استراتيجية) قد كانت بمثابة ناقوس الخطر لليابانيين الذي كانوا يرقبوا ما يحدث في الصين، والذين كانوا في حراك سابق لتطوير ذاتهم، جعلتهم تلك الأوضاع على غذ الخطى لإنجاز إصلاحاتهم لتعزيز صمودهم ودرء المخاطر الغربية.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •