[COLOR=var(--primary-text)]الزواج في الرمثا




الزواج هو وسيلة استمرار الحياة ودوامها في الذرّية، وقد جُعلت الغريزة الجنسية أقوى الغرائز الحياتية لتكون عاملاً على الازدواج وامتداد الحياة في الأخلاف.

وحتى عند الجماعات البدائية يُحتقر العازب، ويمنع من المشاركة في الاحتفالات الدينية، وإن مات وهو بدون زواج ، فإنه لا يدفن مع أهل البلدة من المتزوجين.. فكانت كل الديانات السماوية وغير السماوية تحض على الزواج. وفي عصرنا الحاضر، لا يُنظر لمن لم يتزوج نظرة ارتياح، فلن يجد من يسكنه قربه إلا بصعوبة، ويمتعض الناس من استضافته في بيوتهم، إذا مر على استحقاقه للزواج وقت ولم يتزوج بعد.

وقد حض الإسلام على الزواج، فقد روى (ابن عبد البر) أن الرسول صلى الله عليه وسلم، سأل (عكاف ابن وادعة): ألك زوجة؟ قال:لا؛ قال: ولا جارية؟ قال: لا؛ قال: وأنت صحيحٌ موسر؟ قال: نعم والحمد لله؛ قال: أنت إذن من إخوان الشياطين أو من رهبان النصارى، فأنت منهم ، وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع. فقال عكاف: يا رسول الله لن أتزوج حتى تزوجني من شئت. فقال: فقد زوجتك على اسم الله والبركة كريمة بنت كلثوم الحميري.

في الرمثا، وهي مدينة عربية إسلامية، لا تختلف نظرة الناس لغير المتزوج عن غيرهم من الشعوب الإسلامية.. وإن كانت طقوس الزواج متشابهة كثيراً عند العرب والمسلمين، فسنركز على خصائص وعادات الزواج في الرمثا...

سن الزواج

إذا بلغ الذكر والأنثى سن الزواج، فإن الشاب والفتاة يكونان في حالة انتظار ـ قد لا تطول ـ وكان يتم عقد القران لفتيان بعمر 15 سنة على بنات بعمر حوالي 12 سنة. وحتى لا يكون هذا الكلام مدعاة للسخرية، فإن المهاتما غاندي تزوج وعمره 11 سنة، وأن القانون الإنجليزي حدد سن الزواج للذكر 14 سنة والأنثى 12 سنة*1، فالعرب والمسلمون لا كما يُشاع عنهم هم من ينفرد بالتبكير بالزواج.

وقد أصبح سن الزواج أكبر من ذي قبل منذ عقدين أو ثلاثة، لصعوبة الأحوال المعيشية، ودخول الفتيان والفتيات التعليم وقضاء وقت لا يقل فيه عن 22 سنة في المدارس والجامعات، وما يتبعه من انتظار للعمل والتهيؤ وغيره.

التكافؤ

كان معظم الناس في الرمثا، يضعون مسألة التكافؤ في الحسبان، فيفضلون زواج الأقارب أولاً، ثم ما يأتي بالدرجة الثانية من يتكافأ معهم بالحسب وحيازة الأراضي. وطبعا لهذه القاعدة شواذ، فقد تكون الفتاة ليست على قدر من الجمال، فيتساهل أهلها بقبول من هو أقل منهم كفاءة...

الاستكشاف قبل الخطبة

كانت النساء (أم العريس أو أخواته أو خالاته أو عماته) هن من يقمن بالاستكشاف، فإن لم تكن العروس من الدائرة الضيقة لمَعارف أهل العريس، فإن الاستكشاف يعتمد على ملاحظات وفود النساء، ولهن مقاييس لكل شيء: الابتسامة وشكل الأسنان... طول الشعر وقوته... سعة العينين... الرقبة والصدر وامتلائه .. امتلاء العجيزة والساقين .. الصوت ... القدرة على تحضير الطعام الخ... وقد يلجأن لاختبارات مادية...

استطلاع ما قبل الخطبة

تبدي النساء أولا رغبتهن في خطبة (فلانة) فإن لم يتم القبول، يبقى الأمر مكتوما وقليل من الناس، مَن يعلم به. وإن تم الاتفاق، وأخبر الوالد والبنت وذويهم فيقال: أقبلوا

الخطبة وتفنيد المهر

يأتي مجموعة ضيقة من ذوي العريس، ويتفقوا على المهر، والترتيبات الأخرى، والمهر غالباً ما كان يكون قطعة أرض (3 أو 4 قراريط) وأحيانا يصل الى (ربع ربعة) يعني بين 24 و150 دونم من أرض أهل العريس، وهي أمور متعارف عليها في وقتها... وقد قيّم أحدهم (مهر والدته) بأسعار اليوم فوصل الى نحو 2 مليون دينار أردني...

ثم تأتي الجاهة، ولم تكن مثل هذه الأيام مبالغا في حجمها، بل كانت في سعة (مضافة) أي رمثاوي تتسع لعشرين نفرا أو أكثر بقليل، ويُصب فنجان (الجاهة) فيصيح الموجودون من الرجال ضعه أمام (فلان) فيتكلم بأنه جاء طالباً القرب من أهل العروس بيد فلانة ابنة فلان، مع ذكر آية من القرآن الكريم وحديث شريف، فينبري والد البنت أو من يقدمه فيقول: (ابشروا باللي جايين فيه واشربوا قهوتكم).

والطريف أن العرب في العصر الجاهلي كانوا أكثر فصاحة وإيجاز من عصرنا الحاضر حيث كان كبير الجاهة يقول: ((نحن أكفاؤكم ونظرائكم وقد جئنا نخطب فلانة ونحن لمصاهرتكم حامدون... فإن أعطيتمونا زادت قوتنا بقوتكم وإن لم تعطونا نبقى أصدقاء!))

وكان يكتب عقد الزواج شيخ مأذون، ويتم ذبح كبش في تلك المناسبة من أهل العريس، ويحضره نسوة من ذويه، وفي مفكرات والدي رحمه الله، كثيرا ما أقرأ (ذبحنا اليوم على بنت فلان) أو (كتبنا كتاب فلان وفلانة) والكتب في اللغة هو الجمع بين شيئين.

التجهيز للعرس

التجهيز كان يبدأ من تخصيص أو بناء غرفة (بيت العرسان) وتجهيزه بمجموعة من الأثاث البسيط (4 فرشات، 4 ألحف، مجموعة من الوسائد، رف يعلق تحت السقف بذراع، قطيفة تعلق في صدر الغرفة، بعض الأواني النحاسية توضع فوق الرف، صندوق خشبي، أحيانا نملية، بعض أدوات ومواد الزينة، مكحلة ومرود، وقنينة عطر الخ)

أما النساء (قريبات العريس) فينشغلن بتنظيف (جريش القمح) و تهيئة الصوف والقصب لصنع الألحف والفرشات الخ. وقد تنشغل بعض النسوة في تحضير ملابس العروس، ومستلزماتها (شويحية: وهي زنار عريض من الصوف له شرابيش) والحطة والعرجة والدامر والعباءة وملابس داخلية أخرى.

التعاليل

كان أهل الرمثا يلجئون لساحة قريبة من الدار أو داخلها، ويزيلون الحصى منها، ويوكلون لأحد أن يمر على الأرضية لرشها بالماء حتى لا يتطاير الغبار، ويضعون (سيبة) عالية لتعليق (لوكس) فوقها للإضاءة، ويصطف الرجال ويبدءون بلون يقال له (جوفية: نسبة الى الجوف في الحجاز) وحتى كلمات ما يُقال فيها لا تخلو من ذكر جغرافيا المنطقة (مثل: يا بارزاً بين السويس وجدة)... ثم يلونون فلوكلورهم بعدة ألوان منها (السحجة أو السامر: يا حلالي يا مالي..ودحيو وهي أصلا من عجلون... ورقصة السيف: تتلثم فتاة أو اثنتان وتحمل السيف وترقص به ويحاول الراقصون لمسها فتدافع بالسيف حتى أن بعضهم كان يُجرح، وهي من البدو الذين كانوا يتجولون في حوران... والدبكة..

أما النساء فكن يعملن حلقة للدبكة ويغنين أغاني تخص النساء (من خلف البيوت شوقي مرق خيال...) وغيرها، وكان للنساء ألوان تتناسب مع الطقس الإجرائي ... فعندما يحضرن الطعام والكبة لهن لون وعندما يحممن العروس لهن لون وعندما يزفنها لهن لون الخ.

وكانت التعاليل تستمر أسبوعاً أو أكثر. وكان الناس يحضرون (العونات ) أثناء التعاليل أو يوم الزفاف، وكانت (العونة) تتفاوت بين (صاع من القمح) و (خروف).

القرى

القرى هو طعام العرس، وكان يتكون من (برغل) أو (رز فيما بعد) ويوضع في مناسف ويغطى بالكباب (الكبة في معظم الأحيان كانت بلا لحم، وتسمى كبة حيلة من الاحتيال) وبعض قطع اللحم من الخرفان أو الماعز... وعندما توزع النسوة القرى في المناسف يصدح صوتهن ب (صب القرى يلي معلم ع القرى).

الزفاف

يتفق على بيت يتم فيه استضافة العريس، لتناول طعام الغداء ممن يشتركون في زفافه، ويبقى هناك حتى يزف الى بيته، ثم يعود لنفس البيت حيث يتناول العشاء مع من حضر لتقديم النقوط، ثم يُزف ليدخل عش الزوجية.

وكل مرحلة من مراحل الزفاف لها لون من الغناء، فبعد أن يشترك المقربون من أترابه وأقاربه في (استحمامه) يصدحون: (طلع الزين من الحمام صلوا ع بدر التمام)... وفي الزفة ( يا الله يا الله يا معبودي يا عالي... تغفر لنا ذنوب بالجهل عملناها)

أما العروس فيتم غسلها وتوظيبها من قبل رفيقاتها وذواتها، ويصدحن (قومي اطلعي قوم اطلعي يا زينة...) وكانت في الزمن المبكر تحمل على جمل (بهودج) ثم أصبحت تحمل على فرس... وكان في وقت مبكر يحملها العريس عندما يصل هودجها بين ذراعيه ليضعها فوق (منصة) أعدت لذلك، كناية على أنها أصبحت ملكه، ثم تغيرت العادة أن يحملها من المنصة الى غرفة النوم، ثم اختفت العادة..

النقوط

في ليلة الزفاف، كان يتم تجمع الشباب في البيت الذي أختير سابقا، ويقومون بتنقيط العريس، فيهتف من يستلم النقوط (خلف الله عليك يا فلان بن فلان انت وقرايبك جميع محبة للنبي الشفيع... ويعلن عن المبلغ، ليدونه آخر على دفتر يحتفظ به العريس في خزانته ليسدد من نقطه).

أما العروس، فكانت تنقط في ثالث يوم الزفاف، حيث كان أخوالها وأعمامها قد استلموا ما يسمى ب (عباءة الخال وعباءة العم) ليضيفوا فوقها شيئا من جيوبهم ويعطوها للعروس، ولم تكن العروس لتخرج إلا بعد الاستئذان من أخوالها وأعمامها... ثم اختفت تلك العادة ..

الصُبحة

هو الطعام الذي يقدم للعرسان، في أول يوم، وكان يتكون من (معاليق) أو (صواني) أو (عجة) أو كلها... وتبقى القريبات يحضرن مثل هذا الطعام لمدة ثلاث أيام.

ــــــــــــ
هوامش
*1ـ موسوعة الزواج والعلاقة الزوجية: في الإسلام والشرائع السماوية/ د. ملكة يوسف زرار / القاهرة: الفتح للإعلام العربي /سنة 2000 صفحة 82.

[/COLOR]





[COLOR=var(--secondary-text)]

[/COLOR]

[COLOR=var(--secondary-text)]
[/COLOR]