بين عدل العقل و عدل المحبة

هل يفضّل الأهل طفلاً عن طفل ؟
هل يحب الأهل طفلاً أكثر من طفل آخر ؟
هل يهتم الأهل بطفل أكثر من آخر ؟

نعم أظن أن الأهل لا يتعاملون مع أطفالهم بنفس الشكل طوال الوقت .
فالطفل الاول مثلاً لا يرى من أهله ما سيراه الثاني و الثالث ، لأن الأهل الذين أنجبوا الاول ليسوا هم تماماً من ينجب الثاني ، و مع كل طفل جديد يتغيرون من جديد و يُضاف إلى خبرتهم خبرة جديد .

نعم ، سلوك الأهل مختلف .
و هذا الاختلاف هو ما سيصنع أطفالاً مختلفين في الطباع و السلوك و ردات الفعل ، و هذه لعبة الحياة .

لكن السؤال أعلاه ليس دقيقا برأيي و علينا نكمله بالشكل التالي :

هل يفضّل الطفل أباً عن أم ، أو تفضل الطفلة أماً عن أب ؟

في العائلة لا يوجد في الحقيقة فرد مركزي ( الأب و الأم ) و آخر غير مركزي ( الأطفال) .
بمجرد أن يتزوج رجل و إمرأة ، يتبادلان "المركزية" بين وقت و آخر ، و عند وصول الطفل الاول ، تدور صفة "المركزية" على ثلاثة ، و عند الرابع تدور على أربعة ... و هكذا .

أما ما ينقل المركزية من فرد إلى آخر فهي حوادث الحياة : كالمرض و التعب ، و النجاح و الفشل ، و الفرح و الحزن.

هذه المركزية المرتبطة بالحياة ، اسميها " المركزية الحقيقية " و هناك بالمقابل " مركزية وهمية " ترتبط بالتأويل و التوقع و يعتقد كل فرد أنه يملكها و يريد دائماً أن يكون المركز و لأطول وقت ممكن ، مما يحدث صراعاً بين "المركزية الحقيقية" الواقعية المتغيرة بتغير شروط الحياة و "المركزية الوهمية" الثابتة بالأفكار و النوايا و التي تقاوم و ترفض واقعية الحياة .

ما يحدث في الواقع أن سلوك الأهل اكثر مرونة من سلوك أولادهم ، فيتبعون غالباً حركة المركزية الحقيقية المتغيرة ، فيهتموا بالمريض و الغائب و الضعيف أكثر من اهتمامهم بالصحيح و الحاضر و القوي ، مما يثير حفيظة " المركزية الوهمية " للابن الصحيح و الحاضر و القوي و يجعلها تطالب بالحفاظ على مركزيتها رغماً عن الظروف .
من هنا يشعر الأطفال بالضيق من تفضيل ولد على آخر ، و لا يعرفون أن الأمر لا يخضع لصيغة ثابتة أو نهائية .

عندما تسكن قليلاً التغيرات القوية الحياة ، يحتاج الأهل لبعض الراحة فيميلون للطفل الذي يثير قلقهم في الحد الأدنى، ليرتاحوا قليلاً قبل أن يبدأوا من جديد اهتمامهم بالطفل المثير لقلق أكبر و هكذا ، فالطفل المثير للقلق اليوم قد يكون سلاماً لأهله غداً و الطفل المريح اليوم قد يكون سبباً رئيساً لقلق أهله .

هكذا يتنقل الأهل من قلق إلى قلق ، بينما يرى الأولاد ذلك انطلاقا من رغبتهم الدائمة أن يكونوا مركز اهتمام و قلق أهلهم ، و هنا يكمن برأيي جوهر المشكلة ، فالأولاد يطالبون دائماً بتحقيق عدل العقل المثالي الأناني ، بينما لا يستطيع الأهل أن ينجزوا إلا عدل المحبة الناقص دائماً .

لا أظن أن هناك ولد لا يلوم والديه على التقصير بحقه ، و على كل والدين أن يجهزوا أنفسهم للوم موجه من أطفالهم مهما فعلوا .
و كلما تدرب الوالدين على لوم أولادهم لهم و بشكل مبكّر كلما استطاعوا أن يخففوا من آثار تنقّل اهتمامهم ، فيلعبوا دورهم بالحد الأدنى من الأخطاء و العثرات .

ملاحظة : ما أوردته سابقاً لا يتحدث عن الحالات الشاذة و المتطرفة من العلاقات الأسرية .

رفيف المهنا