التقدم الهائل في مجال الاتصالات يضعنا أمام واقع غير مسبوق .. والمبحث شيق ...
هشام الخاني

منذ سنتين أو ثلاثة كانت هواتفنا النقالة تظهر الحرفين 3G عند أعلى الشاشة وهذا يعني الجيل الثالث من شبكة الموجة العريضة لتقنية التواصل عبر الهاتف الجوال.

4G = Fourth Generation of Broadband Cellular Network Technology.

ثم أصبحت الإصدارات الأحدث تظهر الحرفين (4G) 👆👆 ... أي تقنية الجيل الرابع التي مازالت منتشرة حتى الآن. لكنا سمعنا منذ فترة ليست بالقريبة عن تقنية (5G) وتطبيقها ضمن عدد من المدن في عدد من الدول. فما هي هذه التقنية الجديدة في ضوء الدور المحوري للاتصالات التي باتت الأمر الأهم في حياة الأفراد والمهن مدنيا وتجاريا وعسكريا؟

سأبين هنا ما يهم معظم الناس من هذا الأمر نائيا عن الكثير من التفاصيل الفنية نظرا لكثافتها وعلاقتها بأصحاب الإختصاص فحسب، خاصة ما يتعلق بالموجات والترددات وبروتوكلات العمل في تقنية 5G. إلا أن الحقيقة تشهد بأن تلك التفاصيل شيقة جدا، وتعكس للعيان ما زود الله به الإنسان من الكشف والقدرة مما يتجاوز الخيال والتوقعات.

تعتبر تقنية شبكات الجيل الخامس ثورة هائلة في عالم الاتصالات بسرعتها الفائقة في نقل البيانات، إذ تدعم هذه الشبكة سرعات تنزيل عالية جدا للبيانات ضمن مجال قدره (10-20) جيجايت في الثانية .. الأمر الذي يمكن من نقل الصوت والفيديو والبيانات وفق ثوان معدودة، ويفسح المجال أمام تشغيل كم هائل من التطبيقات نظرا لتحقق الربط الأمثل بالسرعة الفائقة بين الحواسيب الهائلة والأجهزة الإلكترونية وانظمة الاستشعار وباقي الوسائل والأجهزة الأخرى. علما بأن الهاتف النقال سيبقى محافظا على دوره المحوري في معظم تطبيقات هذه التقنية، خاصة وأن التغطية والسرعة واستهلاك الطاقة وزمن الوصول إلى سحابة البيانات ستكون جميعا مثالية وعالية جدا. ويتوقع الإقتصاديون أن تعود هذه التقنية بالتريليونات من الدولارات كعائد على الاقتصادات في السنوات القادمة.

تدعم تقنية 5G إمكانات الصورة فائقة الجودة HD= High Definition على شاشات الجوال وفق معيار 4080P بوضوح عال ودقة عجيبة تفوق أرقى الشاشات الحالية. كما تدعم تقنية البث الحي ضمن نفس المواصفات بترئية عالية الدقة وفق المعيار (120 مشهد/ثانية) على الأقل. وسيتمكن المولعون بالألعاب الالكترونية ومطورو برامج الترفيه من تحقيق واقع افتراضي عالي الواقعية VR صوتا وصورة. ولدى وقوفنا عند مايسمى بانترنت الأشياء
IoT = Internet of Things
فإن الحقيقة الملموسة سوف تفاجئنا جميعا .. فسبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم.

نعرف (انترنت الأشياء Internet of Things) بأنها هي تلك البيئة التي تتصل فيها كل الأجهزة بشكل عام اتصالا هائل السرعة وعالي الدقة، بحيث تتم الاستجابات بينها وتبادلها للنتائج في أجزاء من الثانية، ويشمل هذا كلا من الآلات الصناعية، والسيارات والطائرات، والمصانع، وأجهزة القياس الدقيقة، والأجهزة الطبية، والأقمار الصناعية، والقطعات العسكرية، والطيران الحربي وأنظمة الرادار والصواريخ .. وغيرها. وسيكون بالإمكان تجميع كميات هائلة من البيانات من ملايين الأجهزة وتحليلها من قبل الحواسيب المركزية، وتوزيع النتائج والحلول بسرعة خيالية على الأجهزة ذات العلاقة تبعا للمعلومات المستقاة أصلا.

فعلى سبيل المثال (والأمثلة يصعب حصرها) يمكن تجميع البيانات الواردة من عشرين أو خمسين ألف كاميرا رقمية دقيقة منتشرة في شوارع وأزقة إحدى المدن الكبرى، وتحليل ما تبثه من معلومات الحركة المرورية، والرقابة الأمنية، ومتابعة المستجدات، ليبدأ نظام الكمبيوتر المختص بتحليلها، ومن ثم التوجيه خلال جزء من الثانية إلى إجراءات المتابعة، وفتح وإغلاق الطرق، وفتح وإغلاق الإشارات المرورية، والتوجيه إلى الطرق البديلة، وإبلاغ السائقين بالأسلوب الامثل للتصرف في ساعات الذروة .. الأمر الذي يؤدي إلى التغلب على الاختناقات المرورية بشكل غير مسبوق مما تعاني منه المدن كثيرا ... وعلى ذلك قس.

كذلك يمكن من الناحية العسكرية (مثلا) أن تتواصل الرادارات المنتشرة على الأرض مع أنظمة المراقبة في مئات الأقمار الصناعية بشكل مباشر من جهة وبالصواريخ الباليستية من جهة أخرى بحيث يتم التحكم بالمسار وفق دقة عالية جدا مزودة الصاروخ بخطط الحركة والعمل والارتفاع والانخفاض والتواري، وزيادة السرعة أو انقاصها خلال جزء من الثانية .. وغير ذلك في سبيل تحقيق سلامة الصاروخ وتوجيهه بدقة لغاية بلوغه الهدف.

أما تطبيقات المنازل الذكية فسوف تزداد تطورا عجيبا إذ سيكون بإمكان الأنظمة الذكية المختصة بإدارة المنازل من التعاطي مع حركة الشمس، وتنبؤات الطقس، وتعديل درجات التبريد أو التدفئة على مدار الدقائق خلال اليوم تبعا لأجهزة الاستشعار المتعلقة بالطقس. كذلك يمكن التحكم بزوايا عاكسات الشمس، أو تعطيل دارات الأجهزة الدقيقة عند الصواعق، وتعطيل التيار في حالات الطوارئ، وتنظيم أوقات وكثافة الري في الحدائق المنزلية، والسيطرة بشكل دقيق محكم على أمن المنازل ضد الحرائق والسرقات، والتحكم بفتح الأبواب الخارجية والداخلية وإغلاقها تبعا لتقنية تمييز الوجه، وصف السيارات، والتحكم بشدة الإنارة تبعا للوقت، والتصرف الذكي في حالات الطوارئ وإخماد الحرائق، والتوجيه إلى مخارج الامان، وفتح المأمون منها وإغلاق الخطر منها تبعا لكثافة الدخان وحركة الريح وكل ما يتعلق بذلك ... وأكثر من ذلك بكثير.

وسيكون لشبكة الجبل الخامس أثر كبير في إدارة عمليات البيع والدفع الالكتروني، وتحويل الأموال، ومراجعة الملفات الشخصية أمنيا ومصرفيا وقضائيا خلال أجزاء من الثانية، وضبط الهوية الشخصية تلقائيا وفي نفس اللحظة قبل صرف الشيكات، أو الدفع، أو استخراج الوثائق أو الضمانات أو ما شابه. كذلك سيكون لهذه التقنية دور فعال في تنظيم خدمات الشحن في ضوء ما يتوفر ضمن قواعد البيانات، وتوجيه المركبات، والتحكم بعمليات التسليم والاستلام عبر المركبات أو عبر طائرات (الدرون) ضمن آلاف مراكز الخدمة لشركة من شركات الشحن الكبيرة.

توفر تقنية 5G حلولا من أجل التشغيل الصناعي الذكي في سبيل تحقيق أقصى درجات الأمان وحسن الإدارة وتوفير الطاقة. وتلعب دورا فعالا في تنسيق ما يسمى بالزراعة الذكية، حيث تستخدام أجهزة الاستشعار وتقنية GPS في تتبع مواقع الثروة الحيوانية وإدارتها والتحكم بها وإدارة الطاقة. أما على المستوى الطبي فسوف تتيح هذه التقنية التواصل التعليمي بين الجامعات وفق بث حي دقيق بين مراكز التعليم في أقصى الأرض وأدناها. كذلك يمكن للأطباء التواصل مع المرضى في أي مكان من العالم وفي أي وقت عبر أجهزة الاستشعار الذكية، ومساعدتهم عند الضرورة. وسيكون بالإمكان، عبر الكاميرات الذكية وأجهزة الاستشعار الدقيقة، وأنظمة الرقابة الطبية، أن يتم إجراء الجراحات الدقيقة عن بعد وفق دقة عالية.

أخيرا وليس آخرا ... ستوفر تقنية 5G إمكانية القيادة الذاتية السيارات والحافلات بدون سائق
عبر استخدام شبكات لاسلكية متقدمة. وسيكون بإمكان السيارات التواصل مع إشارات المرور الذكية والأشياء المحيطة والمركبات الأخرى على الطريق عبر اوقات تقدر بالميلي ثانية في سبيل تجنب الحوادث والأخطار وسلامة الركاب. وينطبق نفس الأمر بنفس الكفاءة من ناحية التحكم بالطائرات، وتسييرها بدون طيار وما يتعلق بهذه الأمور من التفاصيل الكثيرة والمعقدة.

أما عن المخاطر الصحية المتعلقة باستعمال تقنية 5G وتاثير موجاتها على النواحي الصحية والبيولوجية وغيرها فذلك مبحث طويل تباينت حوله الآراء بين من يؤكد خطورة استعمالها على صحة الإنسان وبين من ينفي هذه الخطورة. ونظرا لطول التفصيل فإني أجد من الصعب الحديث عنه في هذا المقام، لكني سأتطرق إليه قريبا وفق تفصيل موضح ...
......