د. غازي حسين


ساد الفرح والسرور أوساط الشعب والحكومة الإسرائيلية واليمين الأمريكي بفوز ترامب بسبب عدائه للعرب والمسلمين وانحيازه الوحشي للعدو الإسرائيلي، حيث تحالف اليهود مع العنصريين في الولايات المتحدة بالابتهاج بفوزه وتوليه منصب الرئاسة الأمريكية. وتطلعت موسكو إلى علاقات أفضل مع الولايات المتحدة في عهده الجديد.
ويرجع المتدينون الإسرائيليون فوز ترامب إلى تدخل إلهي. ويعتقدون أن الههم يهوه الخاص بهم أرسل لهم ترامب لتحقيق حلم الأجيال اليهودية في تهويد فلسطين وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
وكشف الفاشي نتنياهو والليكود والأحزاب المتدينة والصهيونية عن وجههم الاستعماري عندما أعلنوا بعد فوز ترامب أنه يرغب في ضم الضفة الغربية. وكرر أطماعه الاستعمارية في منطقة الغور التي تعتبر بمثابة الكنز والمستودع الزراعي للمنطقة. وأعلن نتنياهو أنه لا يوجد صديق للاستيطان أفضل من ترامب.
ويعشش الاستعمار الاستيطاني اليهودي والأبارتايد والإرهاب الإسرائيلي الناتج عن التطرف الديني اليهودي وعن الأيديولوجيا الصهيونية في عقول وبرامج الحكومات الإسرائيلية الليكودية والعمالية وفي أوساط الشعب الإسرائيلي لسحق الشعب الفلسطيني المظلوم من العدو والشقيق وترسيخ النكبة المستمرة والتطهير العرقي وتمرير رؤية الدولتين لتهويد فلسطين وإنهاء الصراع وهرولة الإمارات والممالك العربية في تطبيع العلاقات مع العدو على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وعروبة فلسطين ومدينة القدس.
ورحب مجلس التعاون الخليجي بموقف ترامب الذي أعلن فيه أن واشنطن لن تضغط بخصوص حقوق الإنسان والحريات المدنية، لأن الخليج كان ناقماً على إدارة أوباما لأن هيلاري كلنتون دعمت جماعة الإخوان المسلمين والربيع العربي وأطاحت ببعض حلفاء الخليج كالطاغية المخلوع مبارك.
وخافت دول الخليج في بادئ الأمر على كراسيها ونفوذها وسياساتها الظلامية المخالفة لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني ولنشرها الإرهاب التكفيري ي جميع أنحاء العالم.
وظهر بوضوح أن إدارة ترامب الجديدة أكثر انفتاحاً على إسرائيل وتشاوراً معها في المواضيع السياسية والأمنية. وقدم الإسرائيليون الاقتراحات إلى إدارة ترامب ليتعاونوا سوية في متابعة تدمير بلدان الشرق الأوسط ونهب ثرواتها ونفطها وغازها ومياهها ودعم بناء المستعمرات اليهودية.
وفي الوقت نفسه ظهر بجلاء إبان حملته الانتخابية وبعد فوزه بأنه مهووس بكراهية العرب والمسلمين ومعادته لإيران وبحب اليهودية واليهود وإسرائيل. لذلك كافأته السعودية بنصف تريليون دولار من أموال الشعب السعودي الشقيق، وكان ترامب قد أصدر أمراً بمنع مواطني سبع دول عربية وإسلامية من السفر لأمريكا، مما استوجب تدخل السلطة القضائية الذي اعتبره مخالفاً للدستور الأمريكي.
ورحبت السلطة الفلسطينية بترامب كرجل سلام. فهل تقبل الشعوب العربية والإسلامية هذا الذل والهوان والخضوع والاستسلام للمهووس ترامب وإلى مجرمي الحرب الإسرائيليين؟
يبدو لي أن النظام العربي الرسمي الذي تقوده السعودية والإمارات وقطر وجامعة الدول العربية التي قادها للتطبيع وللتنازل عن الحقوق الفلسطينية والعربية ولتدمير العراق وليبيا وسورية استسلمت وخضع خضوعاً وخنوعاً كاملاً للولايات المتحدة وإسرائيل بتواطؤ ومساعدة دول الخليج العربية. وهذا النظام أوصل قضية فلسطين بما فيها القدس إلى أضعف وأردأ أحوالها. ووضعها على سكة التصفية وإنهاء الصراع وتطبيق العلاقات والتحالف بين دول الخليج وإسرائيل لمواجهة إيران وإشعال الحروب والفتن الطائفية والعرقية بعشرات السنين.
فهل تقبل الأمة العربية والإسلامية بأن تتنازل دول الخليج عن عروبة فلسطين والقدس وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم والاعتراف والقبول والتعايش والتحالف مع إسرائيل عدوة الشعب العربي الفلسطيني المظلوم وعدوة العروبة والإسلام وحركات المقاومة والبشرية جمعاء؟
إن الإرهاب الوهابي التكفيري والاخونجي والغربي والإسرائيلي الذي دمر العراق وليبيا وسورية وفصل جنوب السودان عن شماله وأشعل الحرب الوحشية على اليمن الشقيق جعل الجامعة العربية وأمينها العام أبو الغيط تحت أقدام ترامب ونتنياهو.
إن تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول العربية والإطاحة بالأنظمة العربية المعادية لإسرائيل منذ الانقلاب الذي دبرته مع حسني الزعيم عام 1949 وأطاح بحكم شكري القوتلي الذي رفض توقيع اتفاقية الهدنة واتفاقية الصلح مع العدو الإسرائيلي إلى الإطاحة بالنظام العراقي وتدمير جيشه ومنجزاته والإطاحة بالعقيد القذافي وتدمير ليبيا ونشر الفوضى فيها وصولاً إلى الحرب الكونية على سورية التي مضى سبع سنوات هدفه إقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من النيل إلى الفرات من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد وجعلها المركز والقائد والحكم في المنطقة والهيمنة عليها باستغلال الحروب والفتن الطائفية والعرقية لتفتيتها وتقسيمها وتدمير منجزاتها البشرية والمادية ونهب ثرواتها وإعادة تشكيلها وتركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ويأتي اليوم ويعلن ترامب المهووس بالتهود وعائلته المتهودة وطاقمة اليهودي المتزمت لصنع السلام ويتبنى اتهامات الكذاب والعنصري والإرهابي نتنياهو الذي زعم أن ثقافة الشعب الفلسطيني معنية بالكراهية وقال: إن الثقافة الفلسطينية تعج بالكراهية وعليهم التخلي عن هذه الكراهية.
يحق لي أن أستخلص من هذه الاتهامات الحقيرة والشيطانية إن أمريكا منحازة بغباء لإسرائيل وعنجهية ووحشية ترامب رئيس أهوج ومنحاز وغبي وعنصري واستعماري شأنه شأن نتنياهو وتسيء هذه الاتهامات إلى الشعب الفلسطيني وثقافته الإنسانية المتسامحة ويبرئ إسرائيل من عنصريتها واستعمارها وإرهابها.
إن فلسطين هي أرض الديانات وإن ثقافة الشعب الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين هي ثقافة التسامح والعيش المشترك وحب الحياة وثقافة المقاومة، مقاومة المحتل الإسرائيلي الاستعماري والعنصري والإرهابي، والذي جاء من وراء البحار بدعم من الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية لحل المسألة اليهودية في أوروبا على حساب حياة ووطن وحقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
ويجهل ترامب جهلاً تاماً عادلة قضية فسطين. ويردد كالببغاء انطلاقاً من تهوُّد عائلته وانحيازه إلى ما يلقنه به يهود إدارته الذين يؤمنون بازدواجية الولاء وبالتوراة والتلمود والأيديولوجية الصهيونية ويتعاونون مع المسيحية الصهيونية واليمين السياسي الأمريكي لإقامة أكبر غيتو يهودي في قلب المنطقة العربية والإسلامية معاد لشعوبها والحليف الاستراتيجي للإمبريالية الأمريكية.