قريباً جداً.... زيادة الرواتب....
بقلم فادي شعار/حلب الشهباء...
هل تعلم أن متوسط الراتب الشهري للموظف في الإمارات العربية يزيد عن ثلاثة آلاف دولار ، أما البلدان العربية التي يتراوح متوسط دخل الفرد بين 1500 و 2000 دولار فهي قطر و الكويت و البحرين و السعودية و ليبيا ، وما تبقى من الدول العربية فإنَّ متوسط دخل الفرد فيها أقل من ألف دولار ، و هل تعلم أنَّ سوريا تذيلت القائمة نتيجة الحرب الطاحنة إلى 165 دولار للفرد ، و هل تعلم أن بحسب المعايير الدولية فإن هذا الدخل لأسرة صغيرة يعدُّ دخلاً تحت خط الفقر ، فلا عجب إن صنفنا كإحدى الدول الخمسة الأقل أجوراً في العالم....الحمد لله سنحشر يوم القيامة مع الفقراء و الله أعلم...
أيها القارئ الكريم سأحاول نسف كلمة دولار من مقالي فهو مقال يخص السوريين وأستبدلها بالليرة السورية فهل تعلم بأن متطلبات الحياة الأساسية لأسرة صغيرة وتكاليف العيش تتراوح ما بين 250 ألف إلى 300 ألف ليرة شهرياً، أما في الواقع فمتوسط الأجور والرواتب يتراوح من 35 إلى 50 ألف أي أن الراتب بالكاد يغطي 14% إلى 16% من تلك المتطلبات الأساسية...
الله أعلم أنّ ما نعيشه شبه معجزة بل المعجزة أنك حين تعلم أن أكثر من نصف الراتب يذهب بدل إيجار شهري وثمن استهلاك الطاقة البديلة من المولدات الكهربائية الخاصة.. ونحن بعد لم نتحدث عن الطعام والشراب والتداوي والدواء ومتطلبات العلم والتعليم والمستلزمات الأساسية من كساء وتصليح حنفية وترقيع حذاء وتبديل جرة غاز ومحروقات للتدفئة وبعض الموصلات الخجولة وملعقة سكر لفنجان شاي.....
الله أعلم أنّ لقمتنا أصبحت لقمة عيش المسحوقين، وأن هذه الحرب خلـَّفت فارق في الرواتب والمراتب، وخلقت فوضى في التسعيرة والأسعار، وهجرَّت عقول وأياد عاملة وبات تسعيرة المواد الاستهلاكية تعتمد على الدولار حتى البقدونس الذي هو من انتاج أرض بلادنا بات يعتمد على الدولار مع تكلفة أجور نقله و بخبخة الماء عليه حتى لا يذبل كذبولنا ...
بل بعد كل هذا يطالبنا صاحب العمل وتطالبنا الحكومة الموقرة بالحمد والشكر أننا نعمل فنسبة العاطلين تجاوزت 50% ... الحمد لله والله أعلم سنحشر مع الحامدين....
والعجيب أنَّ قوة العمل ما زالت مستمرة وتشحذ بالصبر حيناً وحيناً بالقهر، تلك القوة المرتبطة بالأجر، الأجر الذي يعني تأمين متطلبات الحياة واحتياجات الفرد ، نعم بكل تأكيد الأجور التي لا تأمن تلك المتطلبات فهي سرقة مباشرة من جهد العامل التي تجعله محبطاً من انتاجه...، ولكن مازالت قوة العمل مستمرة والله أعلم أنه مدد إلهي أننا ما زلنا صامدين مبتسمين!!
وحين تعجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات حاسمة لتحسين وضع رواتب موظفيها وعمالها، أو على الأقل خفض الأسعار المجنونة، فهذا يقودنا لنعيش كارثة حقيقية تتمثل بشل حركة البلاد واتجاه الأفراد إلى الفساد والاجرام والرذيلة..
أيضاً عمال القطاع الخاص يعانون من مسألة ضعف الأجور رغم أن أصحاب الرأسمال زادت أسعار سلعهم زيادة متناسبة مع ارتفاع الدولار وتتضخم رأسمالهم تضخماً رهيباً فإننا لم نلاحظ ذلك مع الأجور فهي بالكاد تضاعفت ثلاث أو أربعة أضاعف مما كانت عليه قبيل الحرب...فالمنطق يحتم بأن زيادة أرباح أصحاب العمل و زيادة الإنتاج و تضخم دخل صاحب الرأسمال يجب أن يترافق بزيادة الأجور المتناسبة و المناسبة لطبيعة العمل و لكن أين هذه الزيادة إنها بالكاد تقاس بميزان حساس الكتروني، لا تسأل يا صديقي لماذا؟ فليس السبب الأساسي الجشع! وتحكم سلطة المال! بل الله أعلم أن صاحب العمل والرأسمالي له نظرة ودراسة خاصة في شأن الأجور والعطايا والهبات التي يمنحها لعماله!!!!...
لذلك يا صديقي إن أمكنك أو تمكنت أن تكون سيد نفسك في أي مشروع بسيط ولو خالف طموحاتك أو لم يتناسب مع مؤهلاتك العلمية فلا تتردد ولا تلق بالاً للألسنة التي تقول:
محام بياع فواكه وخضروات...صيدلاني يركـِّب عطورات..
مهندس فاتح مطعم للمقبلات والوجبات...طبيب يتاجر بالخردوات.....
نعم هذه المفارقات تحصل وتحدث في مجتمعنا، ونحن نرى ونلامس كل يوم مفارقات الأجور العجيبة والغريبة لبعض المهن الحرة فأكثر هذه المهن تأقلمت مباشرة وابتعدت عن اللقمة المسحوقة والمعجونة بالدم والصبر والقهر ....
على سبيل المثال متوسط راتب المعلم الموظف حوالي 40ألف ، ولكن صاحب معهد للتعليم يقيم دورات تعليمية قد تصل إلى مليون ليرة سورية للطالب الواحد سنويا وكحد وسطي لديه 100 طالب في المعهد، احذف المصاريف والضرائب والأجور سيظل ما يدره المشروع خيالي...
راتب المهن الصحية من ممرضين فننين وتخدير وأطباء مساعدين بالكاد يصل راتبهم إلى مائة ألف ليرة في أحسن الأحوال، والمفارقة أن الطبيب المتميز في القطاع الخاص في عملية تجميل لأنف مريضة أو نفخ ما ينفخ منها يأخذ سبعمائة ألف ليرة، جرّد أجر العملية من الفتات الذي يعطى للفنيين والممرضين الذين ساهموا في نجاح العملية وسيبقى المبلغ فلكي للطبيب اللهم لا حسد....
ويبقى ما يجنيه الحمّال والخضري ولفيّف سندويش الفلافل والشاورما وصاحب بسطة الدخان ومسلــِّك البلاليع وجامع العلب المعدنية و البلاستيكية من القمامة و الحاويات، أفضل بعشرات المرات من أي صاحب شهادة علمية، اللهم لا حسد و يا ربي لا تصيبهم بالعين، و لكن للذين يحملون راية العدالة الاجتماعية في مناصبهم الله أعلم عليهم على الأقل أن يغردوا بألسنتهم عن هذا الوضع لا أن يصموا آذانهم و يغمضوا أعينهم لما يعانيه صاحب الدخل المحدود...
ومن المهن التي انبثقت خلال الحرب بأجور نستطيع أن نقول عنها مقبولة بالأجر والراتب...
العمل في الجمعيات الخيرية والإغاثة والمنظمات المدعومة دولياً، والتطوع في الفيالق والكتائب...مستقطبة شباب ينقعون شهاداتهم في الوحل ، و كهول يرمون خبراتهم خلف ظهورهم من أجل تلك اللقمة المغمسة بالدم .....
وربما سمعنا من باع كليته لتجّار الأعضاء البشرية ليلتقم زفرات الموت و تكون له رأسمال لمشروعه في أنفاس نرجيلة مع كبسة قهوة اكسبريس للمارة الذين يتحدثون مع أنفسهم و أنفاسهم تتدحرج على قارعة القارعة...
فإن وجدتني يا صديقي يوماً في غير تخصصي فلا تلمني فالرزق يحب الخفية على قول أخوتنا المصريين، ولكن الله أعلم أن المرزوق لا يحب أن يكون رزقه في ذل وتذلل ومهانة...
و في نهاية مقالي سأوزع التحايا المجانية لرفع المعنويات لي و لكم...
فكل التحية لأولئك الذين أعرفهم يعملون عملين إضافيين مع عملهم الأساسي 18 ساعة عمل في اليوم واستراحة ساعتين ونوم أربع ساعات هؤلاء الشرفاء هم معجزة الاضطهاد الاجتماعي ...
كل التحية لكل موظف رفض الهدايا ورفض الرشوة، رفض السرقة بحجة أن الراتب لا يكفي ليسد الجوع ولم يفتي بأن السرقة حلال لسد الجوع وأن أكل الميتة مباحة اضطراراً ...
كل التحية إلى ذاك الذي ما زال يبيع من أثاث منزله وبات منزله على العظم وهو يرفض معونات تقدمها الجمعيات لعفة نفسه بل زجَّ أبناءه وزوجته إلى أعمال شريفة تتلاءم مع متطلبات المرحلة...
كل التحية للذي يوفر أجر المواصلات فيعود من عمله على أقدامه ويشحُّ على نفسه فيبقى بالمرقـَّع والداخليات النظيفة المثقوبة ليلبس أبناءه ملابس أنيقة ويشتري لهم الكراريس ويرفض فكرة التذلل والتسول والإعانة ...
كل التحية لذلك الانسان الذي ما زال يتحرى الحلال الطيب في لقمته ويبتعد عن الشبهات ما ظهر منها وما بطن...
كل التحية للذي ما زال يدعو في يومه وجوف ليله: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ و أعوذ بك من الهم، والحزن، والعجز، والكسل والجبن، والبخل، وغلبة الدين، وقهر الرجال...
لا تضحك من تلك التحايا وتلك المثاليات أو أن يقشعر بدنك تذمراً من أقوالي وتسخط عليَّ وعلى الواقع..
نعم مت وأنت واقف وأنت تعمل وأنت تبتسم ، بل وأنت تقهقه...
ولكن إياك ثم إياك أن يموت يقينك بالله لحظة ...
و حذاري حذاري أن تطالب بزيادة الأجور والرواتب...
ستفرج والله أعلم ...فالله رؤوف بالعباد.
.............................................فادي شعار